أعاد الانفجار الذي استهدف، صباح الأحد 11 ديسمبر/كانون الأول 2016، الكنيسة البطرسية الملاصقة لكاتدرائية الأقباط بمنطقة العباسية شرقي العاصمة المصرية القاهرة، إلى الأذهان اعتداءات مماثلة استهدفت دور عبادة للمسلمين والمسيحيين، خلال السنوات الماضية.
ووقع الانفجار في الساعة (09:57) بالتوقيت المحلي (07:57 تغ)، بينما كان مواطنون أقباط يتوافدون على الكنيسة في يوم صلاتهم الأسبوعية، مستفيدين من السيولة المرورية التي وفرتها إجازة رسمية في البلاد بمناسبة ذكرى المولد النبوي.
وعادة ما تكون تلك المنطقة أكثر ازدحاماً في مثل هذا التوقيت الصباحي، نظراً لوجود عدد من المؤسسات الخدمية والتعليمية في نطاقها القريب، فضلا عن الكنيسة المصرية الأم المعروفة بـ"الكاتدرائية المرقسية" التي تعد، مع مسجد "النور" القريب منها، من أهم معالم حي العباسية القديم.
تاريخها
ويعود تاريخ إنشاء الكنيسة البطرسية إلى عام 1911، عندما أقامتها عائلة بطرس غالي "باشا" رئيس الحكومة المصرية في بدايات القرن العشرين، فوق قبره، تخليداً لذكراه، علماً بأن آخر من دفن بها هو بطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة.
وحسب صورة نشرتها الكنيسة المصرية مساء اليوم، من موقع الحادث، فقد كان عدد من المسيحيين يؤدون صلاة كنسية صباحية، عندما دوى صوت انفجار ضخم تبعته صرخات، وتطاير لأشلاء، تبين لاحقاً أنها لـ23 قتيلا، شكلوا مع 49 مصابا، الحصيلة النهائية للضحايا، حسب ما أعلنت جهات رسمية مصرية مساء اليوم.
وقال شهود عيان إنه مع حلول العاشرة و10 دقائق، بالتوقيت المحلي (08:10 تغ)، ظهر مقر كنيسة البطرسية بثوب ملطخ بالدماء والتخريب منتشر في المصلي الكنسي، مع أصوات مدوية لسيارات الجهات الشرطية والإسعاف، وكان القرار الأمني هو غلق الشوارع والمحال المجاورة، والتحفظ على كاميرات المراقبة بالكنيسة ومحيطها.
ولم تمر ساعتان إلا وكانت ساحة المقر الرئيسي للكنيسة المصرية المجاورة (الكاتدرائية) مركزاً لاحتجاج هو الأبرز منذ سنوات، مع تعالي هتافات تندد بـ"الإرهاب".
وتوافد مسؤولون بارزون بالدولة، على رأسهم رئيس الوزراء شريف إسماعيل، ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار، ووزير الصحة أحمد عماد، والنائب العام نبيل صادق الذي أمر عناصر النيابة بالبدء في التحقيق الفوري.
وبينما كانت التحقيقات تتواصل، تداولت أوساط إعلامية مع حلول ساعة العصر أنباء عن أن "عبوة ناسفة شديدة الانفجار تسببت في الحادث"، بينما تحدثت مصادر أخرى عن عملية انتحارية وإلقاء قنبلة، وذلك بالتزامن مع إعلان الرئاسة المصرية الحداد لمدة 3 أيام ووقف الأزهر الشريف ومجلس الوزراء الاحتفالات بمولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم(، وقطع البابا تواضروس الثاني (رأس الكنيسة المصرية) زيارته لليونان التي بدأها الخميس الماضي.
وبامتداد ساعات متابعتها للحدث، كثفت الفضائيات المصرية الخاصة من بث حديث لسيدة مسيحية تؤكد تمسكها بالاحتفال بالمولد النبوي، رغم أنف ما واجهته أمام مقرها الكنسي شرقي القاهرة، كما ركزت نفس القنوات على أحاديث شيخ الأزهر أحمد الطيب، ومفتي مصر، شوقي علام، وكلاهما شدد على حرمة المساس بالكنائس والمسحيين، وصلواتهم.
دموع ودماء
وكانت جثامين الضحايا ودموع ذويهم وشهادات شهود العيان هي أكثر ما توقفت أمامه عدسات الكاميرات وأقلام الصحفيين بالرصد والمتابعة، فداخل المصلي الكنسي، تحول المكان إلي ساحة للبكاء والنحيب وتبادل التعازي، مع حركة أقدام تهرول لمحاولة معرفة مصير شخص مفقود أو المشاركة في نقل الجثامين والمصابين لمستشفيات قريبة.
في شهادته، قال عنصر شرطي، مكلف بتأمين الكنيسة البطرسية (رفض ذكر اسمه) ، لـ"الأناضول"، إنه سمع صباح اليوم دوي انفجار كبير ورأى تهشم الواجهات الزجاجية للكنيسة ومصلين يجرون خارج المصلي والدماء تكسو ملابس بعضهم، مضيفا: "جريت إلي داخل الكنيسة وفؤجئت بالكارثة وقمت بالمشاركة في نقل جثث الشهداء لسيارات الإسعاف".
وحسب شاهد عيان آخر، قال لـ"الأناضول" إنه انتقل بعد التفجير مع أصحاب المحلات التجارية المجاورة إلي داخل الكنيسة، حيث "كانت عشرات الجثث على الأرض وسط بركة من الدماء".
وحسب قوله، فقد كان بينهم "أطفال وسيدات مبتورات الأقدام"، لافتا إلى "إقبال غير مسبوق للتبرع بالدماء لضحايا الحادث المصابين".
مساجد وكنائس في مرمى "المعتدين"
وجدد قرار الرئاسة والحكومة المصريتان والأزهر الشريف بالحداد ومنع الاحتفالات وبينها احتفال المولد النبي الشريف، تاريخ المعاناة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين في مصر حيث وقعت الكنائس والمساجد في مرمي الاعتداءات والتفجيرات في السنوات الأخيرة، وفق رصد للأناضول.
تفجيرات واعتداءات
ومن أبرز هذه التفجيرات والاعتداءات ما وقع في فبراير/شباط 2009، عندما انفجرت قنبلة في ميدان الحسين بالقرب من المشهد الحسيني، أحد أبرز المزارات الدينية بالعاصمة، ما أدى لمقتل سائحة فرنسية وإصابة 25 آخرين.
وفي يناير/ كانون الثاني 2011، حدث تفجير أمام كنيسة القديسين بمحافظة الإسكندرية (شمال) ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات.
وفي أغسطس/آب 2013 وقع نحو 60 اعتداء على كنائس في مختلف محافظات مصر، عقب فض قوات الشرطة والجيش لاعتصام إسلاميين مناهضين لما اعتبروه "انقلابا عسكريا" أطاح بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في يوليو/تموز من العام ذاته.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013، وقع هجوم مسلح ضد كنيسة العذراء بمنطقة الوراق (غربي القاهرة)، ما تسبب بمقتل 4 وإصابة 17 من المواطنين.
وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2014، استهدف هجوم مسلح كنيسة السيدة العذراء بمدينة 6 أكتوبر (غربي القاهرة)، فقتل رقيب شرطة، وفي مارس/آذار 2015، قُتل شخصان وأصيب 5 آخرون بينهم مجند في تفجير قنبلة أمام مسجد النصر بأسوان، جنوبي مصر.
وفي يوليو/ تموز 2015، انفجرت قنبلة بالقرب من مسجد المدينة المنورة في الزقازيق (دلتا النيل/ شمال) دون وقوع خسائر، وفي أكتوبر من العام نفسه أصيب شرطي في انفجار قنبلة أمام مسجد عماد راغب بمدينة 6 أكتوبر.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني التالي، تم إطلاق نار على الكنيسة الإنجيلية في الهرم (غربي العاصمة) ما تسبب بإصابة شرطي، وفي 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قُتل 6 من الشرطة وأصيب 3 آخرين في انفجار قنبلة أمام مسجد السلام بالهرم (غربي العاصمة).
ويعد حادث اليوم، أول تفجير على الإطلاق يشهده محيط المقر الكنسي الرئيسي للأقباط الأرثوذكس الذين تقدرهم الكنيسة المصرية رسمياً بـ15 مليون نسمة.
ويأتي هذا التفجير بعد ساعات من تأييد محكمة النقض المصرية، أمس السبت، إعدام القيادي "الجهادي"، عادل حبارة و6 آخرين في القضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث رفح الثانية" التي وقعت في أغسطس/آب 2013.