في ذكرى المولد النبوي: نظرة في تطور الفكر السياسي الإسلامي

لقد حاول الخلفاء الراشدون وضْع رؤاهم عن الحكم قيد التطبيق العملي بوحي من القرآن الكريم وسنّة النبي صلى عليه وسلم، ولم تكن رؤية أبي بكررضي الله عنه- في القيادة محفوظة في أقواله البليغة فحسب، فخطبته الأولى عند اختياره خليفة هي مثالٌ جليٌّ؛ بل مجسدة على نحو أفضل في أعماله المدونة في المصادر التاريخية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/10 الساعة 05:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/10 الساعة 05:58 بتوقيت غرينتش

من المعروف تاريخياً أن "الدولة"، المدينة، التي أسسها النبي -صلى عليه وسلم- قامت على أسس ومبادئ عامة تنبع من روح القرآن الكريم، ومن آياته التي تنص على إقامة العدل كآيات الحكم والحدود، وعلى رعاية المجتمع الإسلامي وحمايته، كالآيات التي تخص الزكاة والجهاد.

ومنذ البداية، ارتبطت سلطة الرسول صلى عليه وسلم، وممارساته السياسية بالرسالة التي كلفه الله تبليغها للناس، فكانت "الوثيقة" التي كتبها النبي صلى عليه وسلم في المدينة دليلاً واضحاً على تلك الرابطة القوية.

صدرت هذه "الوثيقة" عن النبي -صلى عليه وسلم- بعد هجرته إلى المدينة في عام 622م وهي تتعلق بمقومات الدولة وأسسها، وبتنظيم البناء الداخلي والخارجي في المجتمع.

أما تأسيس السلطة وانتقالها، فإن الخلافة الإسلامية لم تتأسس بعد وفاة النبي صلى عليه وسلم بناء على نص ديني يحدد طريقة انتقال السلطة أو يبين اسم من سيخلف الرسول صلى عليه وسلم، مما يعني أن هذا الأمر كان متروكاً للأمة تختار الطريقة المناسبة التي تحقق مبدأ الشورى، وتقيم العدل ضمن السياق الإسلامي. وقد جاء الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة بين المهاجرين والأنصار حول موضوع تولي السلطة أو الخلافة معبراً عن هذا الواقع، حين تركز الحوار حول تحديد الشخص الذي تتحقق فيه الصفات والكفاءات التي تجعله حاكماً مقبولاً ومُطاعاً عند المسلمين.

إن نظرةً تحليليةً إلى حوار السقيفة الذي يعتمد المحاجّة والإقناع، من شأنها أن تُظهر المنطق الإنساني لا الديني في حل مسألة انتقال السلطة وتأسيس الخلافة، ولو ربطنا هذا الحوار بخطبة أبي بكر -رضي الله عنه- في اليوم التالي عند مبايعته الناس له البيعة العامة، وبما تضمنته هذه الخطبة من وضع قيود على سلطته موضع مراقبة ونقد وتقويم من الرعية (فإن أحسنتُ فأعينوني وإن أسأتُ فقوّموني)، وربط الرعية للحاكم بطاعته لله ولرسوله، أي بتطبيقه للشريعة (أطيعوني ما أطعت الله فيكم…)- لَتبين بوضوح أن ما ينتج من هذا الإجراء المستند إلى اجتهاد إنساني يرتبط بمفهوم الحكم الشرعي في الإسلام.

يلخّص أحد الباحثين ذلك قائلاً إن "الحوار المنطقي لاجتماع السقيفة الذي اجتهد في اختيار الحاكم اجتهاداً عقلانياً، آخذاً بعين الاعتبار المصلحة العامة في الحفاظ على تماسك المجتمع وعلى وحدة القيادة والدولة- كان يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق مصلحة شرعية دينية تتمثل في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالمجتمع والدولة. وفي أثناء الخلافة الإسلامية الراشدة، برزت قضية انتقال السلطة بوصفها عاملاً مهماً من عوامل الحفاظ على استقرار المجتمع وتماسكه والاستمرار في بناء الدولة الجديدة عليها".

لقد حاول الخلفاء الراشدون وضْع رؤاهم عن الحكم قيد التطبيق العملي بوحي من القرآن الكريم وسنّة النبي صلى عليه وسلم، ولم تكن رؤية أبي بكر -رضي الله عنه- في القيادة محفوظة في أقواله البليغة فحسب، فخطبته الأولى عند اختياره خليفة هي مثالٌ جليٌّ؛ بل مجسدة على نحو أفضل في أعماله المدونة في المصادر التاريخية.

فهل لهذه السياقات وما تلاها من مسارات، من أثر في تشكيل القيم بمجال الحكم في العالم الإسلامي؟ أم أنها ستمثل عامل جذب للموالين للإسلام السياسي في العصر الحديث! وبذلك، تعبر عن تطور الفكر السياسي الإسلامي في مراحل مختلفة، وفي مسارات جديدة ومتنوعة، تستمد مقوماتها من مراحل ذلك التطور وبحسب السياقات المعرفية الملائمة، التي تتضمن الكثير من الاستنتاجات والتصورات اللازمة لدراسة التاريخ الإسلامي في ضوء دراسة بعض النظريات الاجتماعية للإسلام، ليس بوصفها أفكاراً منطقية موجودة في فراغ؛ بل لكونها أيديولوجيات في تفاعل مستمر مع الظروف الاجتماعية التي ظهرت فيها، وأنه يحقق بذلك التحول والانعكاس للقيم التي سماها نيتشه بجدارة "إعادة التقييم" Trans valuation.

ولمواجهة النزعات الأيديولوجية والاختلافات المذهبية والطائفية والعرقية، فقد غير النبي -صلى عليه وسلم- طبيعة الإسلام بعد الهجرة إلى نظام سياسي – ديني، إلا أن الدكتور العراقي علي الوردي يشير إلى أن "محمد -صلى الله عليه وسلم- كان مهتماً بحراكه السياسي والاجتماعي، وساعده على ذلك المؤمنون الذين اعتنقوا الإسلام منذ البداية لأغراض دينية بحتة، غير أن النبي لم يكن يقصد تغيير الدين الذي جاء به إلى نظام سياسي ديني في نهاية الأمر".

في ظل تلك الظروف السابقة، ظهرت الحركات الاجتماعية الحديثة. وهي تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية، في كونها لا تستهدف أساساً الوصول إلى السلطة، وإنما سعيها الحثيث يرمي إلى ترجمة عدد من القيم إلى واقع اجتماعي على المستوى المحلي أو على مستوى المجتمعات الصغيرة دون أن تعبأ -على الأقل في الأمد القصير- بترجمة هذه القيم على مستوى النظام السياسي ككل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد