يحتفل المغاربة بذكرى المولد النبوي الشريف؛ تعبيراً عن فرحتهم وتقديرهم لهذه المناسبة التي تجسد ارتباطهم الوثيق بصاحب الرسالة العالمية وخير البشرية وذي الأخلاق العظيمة الرسول الأكرم المصطفى صلى الله عليه وسلم، في جو يسوده الأمن والأمان والاطمئنان والسكينة، واستحضاراً للسيرة النبوية العطرة التي ألهمت مختلف المتتبعين من علماء الدين والتاريخ، خاصة منهم المستشرقين.
وفي خضم هذه المناسبة، تتعالى أصوات ويسيل مداد لا بأس به في كل مرة من طَرَف بعض التيارات وبعض المذاهب الإسلامية حول مدى شرعية الاحتفال بهذه المناسبة من عدمه، وهل يجوز الاحتفال بها؟ وهل احتفل بها النبي قيد حياته؟ وما إلى ذلك من نقاش في الموضوع ومحاولات للتشكيك في هذه المناسبة من جهة، كما تحاول بعض "التيارات" الترويج له؛ محاولةً منها للنَيل من هذه المناسبة التي ترسخ قيم وهوية المغاربة وتعزز "الأمن الروحي" لديهم.
منذ استقلال المغرب عن دولة الخلافة في المشرق، بدأت تتشكل القيم المشكِّلة للهوية المغربية من خلال تعايش مختلف المكونات والروافد والتحامهم حول القيم المشتركة للدين الإسلامي والعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف على طريقة الجُنيد، رغم محاولات الاختراق التي عرفها في مراحل متقطعة من التاريخ من خلال بُعد المذاهب المنحرفة عن الدين الإسلامي والتي حاولت أن تجد لها موطئ قدم في شمال إفريقيا، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، حيث ساهمت بالمقابل في ترسيخ القيم المشتركة للمغاربة.
هذه القيم المشتركة عملت على تحصينها وحمايتها، مؤسسةُ إمارة المؤمنين التي أنيط بها ذلك بموجب عقد البيعة لأمير المؤمنين باعتباره الساهر على حماية الملة والدين من جهة وحماية حقوق وواجبات الأقليات الدينية من جهة أخرى، من خلال المؤسسات التابعة له؛ من وزارة ومجالس علمية ومؤسسات تعليمية وزوايا، وغيرها من المؤسسات التي عملت على مر السنين في بلورة النموذج المغربي للتدين، المرتكز على الوسطية والاعتدال والانفتاح على مختلف الديانات والحضارات والثقافات في إطار الاحترام المتبادل للقيم المشتركة التي تربط الإنسانية جمعاء والتي كرستها جميع الشرائع السماوية التوحيدية، في ضرورة حماية الإنسان في أمنه الروحي.
كما أن تجسيد هذه القيم والمبادئ للنموذج المغربي ما فتئ يحظى بعناية أمير المؤمنين، من خلال ترؤسه مجموعةً من الأنشطة الدينية التي تعمل على تغذية الأمن الروحي للمغاربة. ونخص بالذكر ترؤسه للدروس الحَسَنية الرمضانية، التي تناقش مختلف المواضيع التي تهم المستجدات والتحديات التي تواجه الأمة المغربية في حياتها اليومية، وتجديد المفاهيم والقيم الدينية مع ما يتناسب وروح الإسلام وقيمه السمْحة مع متطلبات العصر، وكذا الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف كتأكيد على النهج القويم للدين الإسلامي لدى المغاربة، وإجابة واضحة تجاه مختلف الأصوات والتيارات المشككة والتصورات المنحرفة للدين الإسلامي.
إن مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف التي دأب المغاربة على تخليدها منذ قرون من الزمن، ما هي إلا تأكيد على تشبّث المغاربة بقيمهم وهويتهم التي شكّلت أساس تعايشهم والتحامهم وعلى نموذجهم في التدين، المتمثل في الدين الإسلامي والعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف على طريقة الجنيد، كتراكم تاريخيٍّ محوره إمارةُ المؤمنين، صمامُ أمان للأمن الروحي أساسِ الاستقرار المجتمعي بالمغرب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.