مع تزامن حدة الصراع في سوريا، لا يزال هناك مزيد من الجرائم ترتكب في سوريا، وتعتبر جرائم عدوانية غير إنسانية، ومن ضمن الجرائم اللاإنسانية الاغتصاب، وهو الذي قد يكون سبباً لإلحاق العار بالمجتمع والعائلة، وهنا تكمن المصيبة، فهناك العائلة التي تتخلى عن ابنتها التي تكون الضحية، نحن في زمن قد انتشرت فيه الفواحش بكثرة، وانتشرت فيه الحرب والقتل والدمار وقلة الوعي الديني، الذي يسبب للضحية الفشل، وإلحاق الضحية بالموت عن طريق الانتحار.
قصتنا اليوم عن فتاة أصيلة بعمر القدر، الذي كتب عليها أن تعيشه، فتاة لم يتجاوز عمرها الخمسة وعشرين عاماً، ستروي لي ولكم قصتها المأساوية في سجن صيدنايا.
كلنا نعلم أن أي شخص مذنب يتعدى على القانون يكون مصيره السجن، ويعاقب حتى يعترف ويتوب عن فعلته، لكن سجن صيدنايا يبدو أنه يعاقب الشخص المذنب وغير المذنب حتى يعترف أو يموت.
"بنت الشام"، هكذا أرادت أن يكون اسمها، من دمشق، خريجة دبلوم لغة عربية، استطعت التواصل معها عن طريق جارتها، هي الآن لا تزال في دمشق، وقد مُنعت من السفر، أو الخروج من سوريا، وهي مجبرة على البقاء، وما زالت تحت المراقبة من قِبل الجهات الأمنية السورية، وإليكم القصة:
تقول "بنت الشام": مع اندلاع الثورة السورية، خرجت تظاهرات في جامعة دمشق، كنت في ذلك الوقت قد علمت بما حصل لأطفال درعا، وقررت أن أخرج معها، وأهتف كما يهتفون، وبعد مرور خمس دقائق، قام النظام بإطلاق النار في السماء لتفريق التظاهرة، وعندما تفرقت التظاهرات، تم اعتقال عدد كبير من الشباب، والقليل من الفتيات في نفس عمري.
كان معي صديقة كنت أعتبرها أعزَّ صديقة لي، لم أكن أعلم أنها كانت "علوية"، وأن أباها كان مع صف الضباط في المخابرات، وكنت قد أخبرتها أنني سوف أخرج مع أي تظاهرة مناهضة للنظام، وكانت تؤيدني في كل شيء، حتى جاء اليوم الذي تم اعتقالي فيه، كنت في منزلي مع أهلي، وفجأة يُطرق الباب بقوة مرتين، وفي المرة الثالثة، تم خلعه بأقدام الجنود.
فُتح الباب، ودخل الجنود منزلنا، وكان وراءهم الضابط الذي كان اسمه يوشع العلي، وقال: "وين بنتكم المحترمة بنت الجامعة المثقفة، وينها هيك عم تعلمكم الجامعة يا حيوانة؟"، وأخذوني أمام أعين أبي وإخوتي وأمي، أخذني الجنود من شعري، كنت أصرخ وأبكي، لقد خفت كثيراً، لم أستطِع النطق بكلمة واحدة، لم ولن أنسى ذلك اليوم عندما قاموا بضرب أبي ورفسوه، وإخوتي الشباب، وضربوا أمي، وشتموهم بألفاظ لم أسمعها في حياتي، شعرت في ذلك الوقت أن نهايتي قد اقتربت، وأخذني الجنود امام عيون أهلي وجيراني، وقبل دخولي السيارة، قال لي الضابط يوشع العلي: "بتعرفي مين دلني عليكي؟ قلت له: لا، فقال لي: انظري إلى السيارة، عندما نظرت صُدمت، وكأني أحلم، لم أعد أصدق أن صديقتي المقربة جداً هي من تفسد عليَّ، وأن أباها هو نفسه الضابط يوشع العلي، فنظرت إليَّ وقالت: "هاد جزاء كل خاينة متلك بتطلع وبتجعج ضد النظام، وبتستاهلي الموت بجدارة".
بعدها دخلت إلى السيارة حزينة خائفة مصدومة من كل ما يجري معي، أنا الآن ذاهبة إلى مصير مجهول، لا أعلم ماذا ينتظرني، دخلت السجن ورائحة الدم تفوح في المكان، والصراخ يعلو.
فقدتُ وعيي في ذلك الوقت، وبعد مرور بعض الوقت، أيقظتني السجانات بدخان سجائرهن التي أحرقنني بها، فصرخت بأعلى صوتي، وأنا أنظر لهن، وأنظر لنفسي عارية تماماً، مكبلة على الحائط بغرفة صغيرة، فرشّوا عليَّ ماء ساخناً جداً على جسدي، وقالوا لي: انتظري قدوم الجزاء الأعظم، وقدم الضابط يوشع العلي، وقام باغتصابي حتى فقدت وعيي تماماً، وتركوني ليوم كامل بتلك الغرفة المخيفة، استيقظت لوحدي على صوت صراخ النساء، وكنَّ قد ارتكبن نفس جرمي، فصرخت وبكيت ودعوت ربي أن ينجيني، حتى سمعت صراخي السجاناتُ، فنادين على الضابط، فحضر إليَّ بماء ساخن جداً وعصا من الحديد، ورشَّ عليَّ الماء، وبدأ بضربي بقوة، وبعدها طلب من السجانات أن يقمن بوضعي في الغرفة الجماعية مع النساء المكبلات العاريات، واللاتي يعذبن أيضاً بشكل مخيف، تمنيت لو أنني قد مِت، ولم أرَ ما رأيت، فهناك جثث هامدة ممزقة مكبلة وعارية من النساء، والدم على أجسادهن، وأخريات يصرخن من شدة التعذيب، وأنا أنظر إليهن خائفة.
بدأت أرتجف، وتشهَّدت على روحي؛ لأني شعرت أن الموت قد حلَّ، وقامت إحدى السجانات بحلق رأسي وحاجبي، وبعدها أحضرن الكهرباء، وقمن بصعقي، وعند حضور الضابط نظر إليَّ، وقال: "لأنك رفيقة بنتي وخنتيها، راح يكون عذابك على إيدي، بس بشكل مختلف".
طلب من السجانات أن يقمن بقلبي رأساً على عقب، وأحضروا عجلة السيارة وقاموا بتغطيسي في الماء وصعقي بالكهرباء لمرات عديدة، وبعدها أخرجوني وقاموا بضربي بالعصا حتى تشقق جسدي، وبدأ سيلان الدم على الأرض وأغمي عليَّ ولم أصحُ إلا على صرخات المعتقلات بأن إحداهن قد ماتت من شدة التعذيب.
استمر التعذيب الوحشي عليَّ وعلى باقي المعتقلات، وفي الليل يقومون برش الماء البارد علينا، بقيت في السجن سنة كاملة، أعيش في الخوف والموت المحيطين بي من كل جهة، وبعد مرور سنة كاملة تم إطلاق سراحي من السجن، وعند خروجي أعطوني ملابسي حتى أرتديها، وقمت بالتوقيع على عدم الخروج من سوريا أبداً.
ذهبت إلى منزلي لأكتشف أن أهلي قد تركوا المنزل وهاجروا إلى إحدى الدول الأوروبية، وتركوا مفتاح المنزل مع إحدى الجارات.
جلست أمام منزلي أبكي؛ لأنني وحيدة، فقدمت جارتي إليَّ بالمفتاح، ومعها رسالة كُتب فيها: "إلى مَن سببت لنا العار والإهانة، نحن لم نعُد أهلك، ولا أنت ابنتنا، ولا يشرفنا أن لنا ابنة جلبت لنا العار، ولطفاً منا قمنا بترك المنزل لك حتى يكون مأوى لك عند قدومك إن بقيت على قيد الحياة، ولكن لا تحاولي أبداً البحث عنا؛ لأننا قد تبرأنا منك إلى يوم القيامة".
وهكذا أنا أعيش الآن وحيدة، لا سند لي غير ربي، وسأبقى بسوريا إلى يوم أجلي الموعود، قصتي ليست مأخوذة من قصة بوليسية أو رواية عالمية، بل هي قصة واقعية مؤلمة حد الموت، وفي آخر كلامي أريد أن أقول: أيها النظام، اتقِ الله في نفسك، وإن لم تترفق بنفسك فترفق بنا، فنحن مظلومون، وأنت الحاكم، وأنت الراعي، وأنت المسؤول، وأنت من ينطبق عليه مقولة: مَن تولَّى أمراً من أمور المسلمين، فليتقِ الله فيهم، فاتَّقِ الله فينا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.