كيف يمكننا تحديد أصحاب الأفكار المهمة حقاً؟

من أقوى شخص في العالم؟ من المؤكد أن يتنافس على هذا اللقب أشخاص أميركيون، وروس، وصينيون.. ومن الشخص الأكثر تأثيراً في العالم؟ الذي يحمل أفكاراً تحرّك الجبال، ويمكن لعقله أن يغير العالم؟ الذي من المرجح أن يؤثر على أفكارنا ومشاعرنا وأفعالنا؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/08 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/08 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش

من هو أغنى رجل في العالم؟ الإجابة تعتمد بالطبع على ما نقيسه وطريقة قياسنا له. ولكن في نهاية المطاف، المرشحون لهذا اللقب لا يتخطون عدد أصابع اليد الواحدة.

من أقوى شخص في العالم؟ من المؤكد أن يتنافس على هذا اللقب أشخاص أميركيون، وروس، وصينيون.. ومن الشخص الأكثر تأثيراً في العالم؟ الذي يحمل أفكاراً تحرّك الجبال، ويمكن لعقله أن يغير العالم؟ الذي من المرجح أن يؤثر على أفكارنا ومشاعرنا وأفعالنا؟ هنا، المجال مفتوح على مِصْراعيه؛ من فلاديمير بوتين إلى ليدي غاغا، ومن أرسطو إلى وارن بافيت، ومن ملالا يوسف زادي، هذه الفتاة الصغيرة، إلى إيلون ماسك، الشخصية البارزة… أي واحد منهم يمكن أن يكون له تأثير عليك، وربما تقع تحت تأثير بعضهم بالفعل. ولكن مَن أكثرهم تأثيراً؟

عالَم الأفكار في هذا العصر الرقمي متنوع جداً ومكتظ لدرجة يمكن معها ببساطة الحكم على الأشياء من المظهر الخارجي. اليوم، لا الشاعر ولا المفكر هم المؤثران في الواقع؛ بل الناس أنفسهم -وليس النخب ووسائل الإعلام الخاصة بهم- هم الذين لديهم القول الفصل. لقد انقلب هرم التأثير على رأسه. ففي عالم اليوم، أصبح الأمر يتعلق أكثر بالتصورات الداخلية. ولقياس هذا الأمر، لا يمكننا ببساطة أن نسألك عن تلك التصورات. نعم، هذا صحيح، يمكن أن نسألك مَن الشخص الذي تراه مؤثِّراً في حياتك على وجه الخصوص، ولماذا. ولكن، إذا فعلنا ذلك مع الجميع -من خلال استطلاع رأي على الإنترنت، على سبيل المثال- سوف نكتشف أننا سنكون قد عقدنا مسابقة تقيس مَن الأشخاص الذين لديهم أفضل الأنصار تنظيماً في الحشد للمشاركة في استطلاع رأي؛ فالذين نصَبوا أنفسهم خبراء من جميع مناحي الحياة -سواء أنصار البيئة أو اللغويون أو الكتّاب أو حتى البابا نفسه- يمكنهم الاعتماد على أنصارهم في مثل هذه الحالات، وهناك الكثير من الخبراء المستعدين لتنفيذ ما يطلبونه.

فضلاً عن أن هناك المتصيدين وقراصنة الإنترنت، الذين تمكَّنوا على سبيل المثال، من اختيار كريستوفر بول، مؤسس موقع 4chan الخاص بالقرصنة على الإنترنت، باعتباره الشخص الأكثر تأثيراً في العالم عن طريق الاقتراع الإلكتروني على موقع مجلة تايم الأميركية، وكان يبلغ من العمر 21 عاماً.

وقد اختارت بعض وسائل الإعلام تنويعاً أنيقاً على فكرة هذا الاستطلاع؛ فهم لا يسألون الناس جميعاً؛ بل لجنة تحكيم من الخبراء فقط. الاختيار عن طريق مثل هذه اللجان يمنع المواقف المحرجة مثل التي حدثت مع مؤسِّس موقع 4chan، وتؤدي هذه الطريقة عادةً إلى نتائج معقولة بالنسبة للمحررين. هؤلاء المحررون هم المسؤولون عن اختيار لجنة التحكيم. ومن ثم نتيجة التحكيم، مهما كانت مُنوِّرة للجمهور، هي في جوهرها نتيجة ذاتية.

في مركز البحوث السويسري Gottlieb Duttweiler Institute "معهد غوتليب دوتويلر"، المعروف اختصاراً بـ(GDI)، نستخدم طريقة أخرى لتحديد الأشخاص الأكثر تأثيراً في العالم، عن طريق قياس وزنهم في الخطاب العالمي.

أي شخص يؤثر في أفكار الناس، يجب أن يترك بصمةً في طرق اتصالهم. وبالنسبة للاتصالات المتاحة علناً، فمن الممكن قياس مدى محورية بعض الناس. للقيام بذلك، نستخدم برنامج Coolhunting الذي تقدمه شركة "غالاكسي أدفيسورز" Galaxyadvisors. هذا البرنامج الذي طوره بيتر غلور، الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، لا يقيس فقط الشخص الأعلى صوتاً، من حيث عدد الإعجابات والمتابعين على سبيل المثال، ولكن يمكنه أيضاً حساب قوة العلاقات بين الأشخاص ذوي الصلة. شملت دراستنا أكثر من 200 مرشح من جميع أنحاء العالم، والذين قمنا بقياس علاقاتهم في 3 منصات إلكترونية ناطقة بالإنكليزية، ألا وهي: ويكيبيديا، وتويتر، والإنترنت.

في الطبعة الخامسة من تحليل "GDI" لقادة الفكر بالعالم هذا العام، تصدَّر البابا فرانسيس مرة أخرى قائمة المنافسين. الدالاي لاما صاحب المركز الثاني، كان قد جاء في المركز الثامن عام 2015 ضمن تصنيف الأشخاص الأكثر تأثيراً حول العالم. وجاء، لأول مرة، بيل غيتس ضمن المراكز العشرة الأولى ليحتل المرتبة الخامسة. وليس لأنه أصبح فجأة مؤثراً بشكل خاص، ولكن لأننا قمنا بضمه إلى مجموعة المرشحين من قادة الفكر للمرة الأولى هذا العام.

وبعد كل هذا، ليس كل من لديه تأثير علينا يمكن أن يكون مرشَّحاً في البحث عن أكثر الأشخاص تأثيراً في العالم. يعرّف معهد غوتليب دوتويلر (GDI) قائد الفكر بأنه شخص على قيد الحياة يعمل في المقام الأول بوصفه مفكراً، كما أنه معروف ومؤثر خارج حدود مجاله. هذا التعريف يسمح بوجود تأطير واضح المعالم في معظم الحالات: فأرسطو غير مؤهَّل للمنافسة هنا؛ لأنه ليس على قيد الحياة، وكذلك ليدي غاغا؛ لأنها ليست مُفكرة في المقام الأول. السياسيون النشطون ليسوا مدرَجين أيضاً في مجموعة المرشحين؛ لأن تأثيرهم لا ينبع كثيراً من أفكارهم ولكن من أعمالهم، وينطبق الشيء نفسه على المديرين ورجال الأعمال. ومع ذلك، هناك دائما قضايا خلافية: ماذا عن السياسيين السابقين أمثال آل غور أو يانيس فاروفاكيس؟ أو رجال الأعمال السابقين مثل بيل غيتس؟ وهل يجب أن نضم رواد الأعمال الحالمين مثل إيلون ماسك، الذي ينبع تأثيره من رؤاه أكثر مما ينبع من منتجاته؟ عالم الفيزياء ستيفن هوكينغ ناشط ومعروف خارج مجاله، هل ينطبق الأمر نفسه على الاقتصادي بول كروغمان؟ هل المعماريون أقرب للمفكرين أم للتنفيذيين؟ في الحالات الحدية، كل قرار يغير من مجموعة المرشحين، ومن ثم يؤثر في النتيجة الإجمالية.

ابتداء من عام 2014، أجرينا مسوحات التأثير في مناطق لغوية وثقافية أخرى في تصنيف قادة الفكر حول العالم. في أجزاء كثيرة من العالم، يُنظر للغة الإنكليزية بوصفها لغة عالمية ويتم استخدامها على هذا النحو كذلك. ومع ذلك، هناك العديد من اللغات الرئيسية الأخرى التي يمكن تحديد وقياس خصوصياتها الإقليمية. قمنا أولاً بإضافة منصات إلكترونية ناطقة بالألمانية في عام 2014 ثم أخرى ناطقة بالإسبانية والصينية في العام الماضي، وكان آخرها في العالم العربي وسويسرا في عام 2016. المنهجية المستخدمة في التحليل ظلَّت واحدة، لكن بعض التفاصيل جرى تطويعها للمناطق المختلفة؛ على سبيل المثال، في تحليل قادة الفكر العربي، تحتل وسائل التواصل الاجتماعي وزناً أكبر من ويكيبيديا، والتي تُستخدم بشكل أقل كثيراً في هذا الجزء من العالم. ونظراً لسياسة الصين الصارمة في الرقابة على الإنترنت، يميز التحليل الصيني بين التأثير داخل الأراضي الصينية وخارجها.

موقف الأشخاص في هذه التصنيفات يعرف بـ"ترتيب التأثير"، تماماً مثل "ترتيب الصفحة PageRank" في محرك جوجل. يهدف هذا المصطلح إلى تقديم شيء قابل للقياس بعد أن كان يُعتَقد في السابق أنه غير قابل للقياس، والقابلية للقياس، في هذه الحالة، هي سمة مؤثرة. ويتكرر كثيراً السؤال بخصوص جودة هذا القياس المُقدَّم من مُحرك البحث جوجل (ملايين المرات يومياً من خلال أفعال المستخدمين ومُحسّنات محركات البحث المعروفة بـSEO). ولكن هذا الأمر يلعب دوراً بالنسبة لنا أيضاً في اختيار المرشحين، وتحليل ردود الفعل على النتائج، ونشتبك مع بعض الانتقادات المُثارة بهذا الشأن منذ بعض الوقت. إليك بعض تلك الانتقادات وتفنيدها:

إذا كانت لجان التحكيم غير موضوعية، فيجب أن ينطبق الشيء نفسه على اختيار المرشحين في تحليل قادة الفكر. من حيث المبدأ، نعم. عندما اختبرنا هذه الطرق لأول مرة، أدركنا أن الاختيارات الذاتية أو حتى أحادية الجانب تؤدي إلى نتائج مشوهة في المقابل. ونتيجة لذلك، فقد اعتمدنا اعتماداً كبيراً منذ ذلك الوقت على الاقتراحات المقدمة من الخبراء من مجموعة واسعة من المناطق ومن مجالات الخطاب العالمي. هذا التنوع الكبير يؤدي إلى نتائج أكثر موضوعية، على الرغم من أنها لا تزال لا تضمن الموضوعية بنسبة 100٪.

المناقشات التي لا تجري على الإنترنت، لا يتم قياسها. صحيح. لا تؤخذ المناقشات في الاعتبار إذا تمت على المنصات الإلكترونية التي لا يمكن قياسها من خارجها، مثل فيسبوك أو واتساب. ولكن لدينا فرع من البيانات القابلة للقياس هو الأوثق صلة بما نسعى إلى قياسه، فيما يتعلَّق بالخطاب الفكري. أنواع الخطاب ذات الصلة التي لا تثير أي رد في وسائل الإعلام الإلكترونية، أو المدونات، أو ويكيبيديا هي أمور غير واردة تقريباً في عالم اليوم.

معايير الاختيار والترجيح يمكن مراجعتها كلها. صحيح. نحن نحاول القيام بذلك في كل مرة، وبعد ذلك نناقش النتائج. على سبيل المثال، وفقاً للمعايير الجديدة، إذا ظهر نعوم تشوميسكي اللغوي اليساري كثاني أكثر شخص تأثيراً في العالم، فإننا نرى النتيجة غير قابلة للتصديق أو غير معقولة، ومن ثم نمتنع عن استخدام هذا المعيار مرة أخرى. لذلك، تماماً مثل تصنيف PageRank الخاص بموقع جوجل، تصنيف التأثير الخاص بمعهد GDI ليس في مأمن من التلاعب أو التأثير، ولكن على نطاق محدود فقط، بطبيعة الحال.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد