لا تخفي رئيسة الوزراء البريطانية "تريزا ماي"، أن مشاركتها الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول 2016، لأول مرة في القمة الخليجية بالعاصمة البحرينية المنامة، تهدف إلى تحضير بلادها لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وتفقد لندن، عقب الخروج، امتيازات لطالما تمتعت بها في السوق الأوروبية المشتركة، وتمثل منطقة الخليج بثرائها النفطي، واحتياجاتها الأمنية والعسكرية المتزايدة أحد هذه الخيارات.
وفي هذا الصدد، أشارت "ماي"، إلى أن "دول الخليج تعد أكبر مستثمر في بريطانيا، وثاني أكبر سوق تصدير لدينا، خارج أوروبا، وأعتقد أن هناك إمكانية كبيرة لتوسيع هذه العلاقة في السنوات المقبلة".
الصادرات البريطانية للخليج
وبلغت الصادرات البريطانية إلى دول الخليج في 2014، 13.6 مليار جنيه إسترليني (نحو 16.5 مليار دولار). وبحسب تقرير لقناة "سي إن بي سي عربية"، تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 200 مليار دولار، حصة العقارات منها 45 ملياراً، ما يمثل 40% من الاستثمارات الخليجية في العقارات بأوروبا.
وتقول الحكومة البريطانية إن هناك فرصاً تقدر قيمتها بـ30 مليار جنيه إسترليني للشركات البريطانية، للاستثمار في 15 مجالاً مختلفاً في الخليج، خلال السنوات الخمس المقبلة.
لكن رئيسة الوزراء البريطانية، تؤكد على أهمية التركيز على التعاون العسكري مع دول الخليج، التي تواجه عدة تحديات أمنية، سواء من خلال مشاركتها المباشرة في حرب اليمن، ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، أو من خلال دورها البارز في الأزمة السورية، ناهيك عن تنامي الدور الإيراني في المنطقة.
وقبيل مشاركتها في القمة الخليجية بالبحرين، قالت ماي: "مسألة الأمن أمر متشابك بين دول الخليج وبلادنا، فأمن الخليج هو أمننا، وهذا هو السبب في أننا نستثمر في القوة الصلبة هناك، بأكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني في مجال الدفاع، خلال السنوات العشر المقبلة".
وأشارت إلى أن "الإنفاق (العسكري) في الخليج أكثر من أي منطقة أخرى من العالم".
وبلغ الإنفاق العسكري لعام 2016 في السعودية وحدها 87 مليار دولار، أي ما يعادل 13.7% من ناتجها المحلي، وحلت ثالثة بعد الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
وأقامت بريطانيا أول قاعدة عسكرية بحرية دائمة في الخليج منذ 1971، التي تستخدمها البحرية الملكية البريطانية.
وتطرقت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في عددها، الثلاثاء، إلى تصريحات أدلت بها رئيسة الوزراء البريطانية أثناء زيارتها الحالية لدول الخليج، توضح تشابك العلاقات السعودية – البريطانية.
وأكدت "ماي" أن الأمر لا يقتصر على تقديم الدعم العسكري فحسب، بل يتعداه إلى ضرورة تعزيز العمل المشترك لمواجهة أي تهديدات محتملة، وذلك في إطار الجهود الرامية لمنع التطرف والتصدي للإرهاب.
وأشارت إلى أن بلادها "تعتزم تكثيف الاتفاقات الدفاعية والأمنية المشتركة بغية تعزيز الثقة والاستقرار في المنطقة من ناحية، والحفاظ على سلامة الشعوب في العالم، الذي يزداد خطورة يوماً بعد يوم من ناحية أخرى"، وفق الصحيفة البريطانية.
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة "تلغراف" البريطانية، إلى أن الزيارة كشفت "عن خطط بريطانية لدعم الإجراءات الأمنية في مطارات دول الخليج، بموازنة تقدر بملايين الدولارات، وسط مخاوف متزايدة من هجمات إرهابية محتملة قد تستهدف قطاع الطيران، من قبل عناصر داعش، المتمركزين في العراق وسوريا".
خبراء بريطانيون
وفي محاولة لتعزيز التعاون المشترك لمواجهة الإرهاب، لفتت "ماي"، إلى أنها "ستعلن قريباً عن تعيين ثلاثة خبراء بريطانيين متخصصين في أمن المعلومات، ليتم إرسالهم إلى المنطقة بغية دعم السلطات المحلية".
ونوّه مسؤولون في الحكومة البريطانية بتكامل العلاقة الأمنية بين المملكة المتحدة ودول الخليج التي أنقذت حياة الكثيرين، لاسيما في حادثة اكتشاف قنبلة في أكتوبر/تشرين الأول 2010، بمطار "إيست ميدلاندز" بمدينة "نوتنغهام"، شرقي بريطانيا، على متن رحلة متجهة إلى الولايات المتحدة، وكان ذلك نتيجة مباشرة للمعلومات الواردة من السلطات السعودية.
غير أن زيارة ماي، إلى دول الخليج قوبلت بضغط داخلي لدفعها لإثارة ما تعتبره منظمات غير حكومية "انتهاكات" خليجية لحقوق الإنسان، ودعت إلى عدم توريد الأسلحة إلى هذه الدول، ولكن "ماي" ردت على هذه الدعوات.
تأشيرات للبريطانيين
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية اغتنمت فرصة زيارة رئيسة وزرائها للإعلان عن تأشيرة دخول جديدة، مدتها خمس سنوات متعددة للشركات البريطانية التي تعتزم زيارة السعودية، ومعرض "إكسبو 2020" في دبي.
من جانبه لفت الكاتب السعودي سعود الريس، رئيس تحرير الطبعة السعودية من صحيفة "الحياة"، إلى أن توقيت القمة "مهم للطرفين؛ فبريطانيا بعد التطورات الأخيرة وتوجهها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، تبحث عن تشكيل نواة لاتحاد يقوم على المصالح المتبادلة".
وتابع: "وتنسيقها مع دول بحجم الدول الخليجية سيكون تعويضاً لها، فدول الخليج سوق كبيرة، قدرة شرائية عالية فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، دول مستقرة أمنياً وسياسياً".
وأضاف: "في المقابل فبريطانيا دولة أوروبية لها حضورها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لها صوت مسموع، ولديها إمكانات مادية، وتجارب مختلفة، وبيئة مختلفة، وهي شريك اقتصادي واستراتيجي لدول المنطقة، وهذا يعطي فرصة أكبر للمنطقة للاستفادة من تجاربها، فإمكانات الطرفين تعزز التوجه لتعزيز التعاون".
وأشار رئيس تحرير "الحياة" السعودية، إلى أنه "إلى جانب الشراكة الاقتصادية، فإن ملف التنسيق الأمني سيكون الأكثر إلحاحاً، وسيحتل حيزاً مهماً خلال تلك القمة وفي آفاق التعاون المستقبلي بين الجانبين، وخصوصاً فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب".
وأوضح أنه "سيتم بحث تنسيق على مستوى عالٍ أمني واقتصادي وسياسي، ولا سيما في ظل تشظِّي العالم العربي".
وتوقع أن يكون "هناك اجتماع خليجي بريطاني سنوي".
وبين أنه "على الصعيد السياسي هناك تقارب بين مواقف بريطانيا ودول الخليج، فالموقف البريطاني مناهض للحوثيين في اليمن، وفي الشأن السوري لندن تؤكد على ضرورة وقف ما يتعرض له الشعب السوري، كما أنها تدرك حجم الخطر الذي تشكله السيطرة الإيرانية على اليمن".
أما الكاتب والمحلل السياسي السعودي يوسف الكويليت، فقال: "بريطانيا تسعى لمصالحها، وهذا من حقها، هي تسعى أن يكون لها لُقمة كبيرة، ودول الخليج سوق مفتوحة، سواء لبريطانيا أو غيرها بما يصب في مصلحة الطرفين".
وأضاف الكويليت: "العلاقات البريطانية الخليجية لم تنقطع لأي سبب من الأسباب، فهناك الاعتدال بين البلدين في السياسات والتطلعات، حتى لو تفاوتت القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية، نجد دائماً بريطانياً موضوعية وعقلانية فيما يخدم مصالحها، وأيضاً تقدر مصالح الآخر".
وأردف: "بريطانيا أيضاً تمثل أحد أجنحة القوى في العالم، وحتى لو خرجت من الاتحاد الأوروبي فستظل مركز قوة في سياستها وإمكاناتها المادية، وتوجهها السياسي".
وحول المصالح المشتركة بين دول الخليج وبريطانيا، قال: "هناك التسليح، والتنسيق السياسي واستخدام الثقل البريطاني، في مقابل استخدام بريطانيا الثقل المالي لدول الخليج".
وتحضر رئيسة وزراء بريطانيا القمة الخليجية المنعقدة في العاصمة البحرينية المنامة لأول مرة لها كضيفة شرف.