أقرَّ مسؤول أميركي، الإثنين 5 ديسمبر/كانون الأول 2016، بأن خسارة قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة للجزء الشرقي من مدينة حلب، كبرى المدن السورية، لصالح القوات الحكومية المدعومة من روسيا ستمثّل هزيمة لجهود الرئيس الأميركي باراك أوباما في تعزيز الديمقراطية وهزيمة الإرهاب في الشرق الأوسط.
ويعكس هذا التقدير المتشائم التوقعات بقرب سقوط آخر الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، حيث يُحاصَر عشرات الآلاف من المدنيين، في أيدي القوات الموالية للأسد المدعوم من روسيا وإيران والميليشيات الشيعية من العراق ولبنان ومناطق أخرى. وقال بول بيلار، أحد كبار المحللين الاستخباراتيين الأميركيين السابقين، إن "سقوط حلب الشرقية سيواجه الولايات المتحدة بحقيقة أن دعم أي معارضة معتدلة على أمل أن تصبح الحكومة المستقبلية في سوريا أصبح أمراً ميؤوساً منه"، وفق تقرير ذكره موقع رويترز.
الهزيمة ستترك لترامب قدرة أقل على التأثير
وقال مسؤولون إن الهزيمة ستترك للرئيس المنتخب دونالد ترامب قدرة أقل على التأثير في مجرى أحداث الحرب التي ربت على الـ5 سنوات والتي على الأرجح ستبقى مستمرة على المنوال نفسه، متسببة في تأجيج المزيد من عدم الاستقرار، والتطرف العنيف، وتدفقات اللاجئين، والخصومات الإقليمية.
ستمثّل هزيمة قوات المعارضة انتصاراً نوعياً للرئيس بشار الأسد وستؤمّن له السيطرة على جميع المدن الرئيسية في سوريا، ومعظم الجنوب، والوسط، والجهة الغربية المطلة على البحر المتوسط.
خلافات لأميركا، روسيا تتمسك بحليفها
وستثبت كذلك صحة رهان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قدرة موسكو على حماية حليفها القديم الأسد من خلال تدخلها في سبتمبر/أيلول 2015 بسلاح الجو، والقاذفات بعيدة المدى، والمستشارين العسكريين وغيرها من أشكال الدعم.
وقالت روسيا الإثنين إنها ستبدأ محادثات مع الولايات المتحدة بشأن انسحاب المعارضة من حلب الشرقية، وهو الأمر الذي قال المسؤول الأميركي إن واشنطن ستوافق عليه على الأرجح لحماية الأرواح.
من فاز؟ بوتين والإيرانيون والأسد
وقال مسؤول أميركي، رفض الكشف عن اسمه كما يفعل آخرون: "من فاز؟ بوتين والإيرانيون والأسد. ومن خسر؟ بصورة خاصة نحن والأردن (حيث درّبت وكالة الاستخبارات المركزية المعارضة وسلَّحتها)، والسعوديون ودول الخليج".
وفي الوقت الذي يستعد فيه أوباما لمغادرة منصبه في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل، فإن سياساته في العالم الإسلامي قد عانت سلسلة من النكسات.
فقد تحطمت آماله في إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وسحب القوات الأميركية من العراق بنهاية 2011، لكن أعداداً محدودة عادت لمساعدة الحكومة في مواجهة مقاتلي "الدولة الإسلامية". وفي أفغانستان، تستعيد طالبان السيطرة على الأقاليم التي هزمتها فيها الولايات المتحدة والقوات الحليفة. ودخلت ليبيا، حيث قادت الولايات المتحدة "من الصفوف الخلفية" جهود الإطاحة بالعقيد معمر القذافي، في حالة من الفوضى.
حلب تسقط، لكن الحرب مستمرة
ومع ذلك، تبقى سوريا هي الهزيمة الأوضح للولايات المتحدة. وقد تحدث بعض المسؤولين الأميركيين بمرارة عن قرار أوباما بعدم التدخل بقوة أكبر في الحرب التي حصدت أرواح أكثر من 500 ألف شخص، وأجبرت الملايين على ترك منازلهم وفتحت الباب أمام موجات النزوح إلى دول الجوار وأوروبا.
وبحسب قول المسؤولين، صحيح أن أوباما قد أمدَّ فصائل المعارضة ببعض الدعم، لكنه لم يكن كافياً أبداً لتحقيق أهداف الولايات المتحدة في إجبار الأسد وداعميه الروس والإيرانيين على التفاوض حول استبداله بحكومة وحدة وطنية.
وتؤكِّد هزيمة المعارضة المعتدلة أيضاً عودة موسكو كصاحبة نفوذ إقليمي رئيسية، وهو الوضع الذي فقدته منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991.
وقال مسؤول أميركي حول جهود واشنطن للتوصل إلى حل دبلوماسي مع موسكو: "في نهاية الأمر، لم يكن للروس مصلحة في إنهاء الحرب"، "لقد أرادوا الانتصار فيها".
وقال بيلار إنه قد شكك بشكل مطلق في إمكانية التوصل إلى حل تفاوضي.
وأضاف بيلار أنه "لم يكن هناك أبداً ثقافة أو أساس سياسي لما يُسمّى المعارضة المعتدلة لتصبح قوية كفاية… سواء قبل التدخل الروسي أو بعده".
لكن مع معاناة الأسد نقص القوة البشرية، ستستمر الحرب الأهلية التي بدأها الأسد بعد سحق الاحتجاجات السلمية في 2011، دافعة روسيا وباقي حلفاء الرئيس السوري إلى استمرار انخراطهم فيها.
وقال المسؤول الأميركي الأول: "حلب تسقط، لكن الحرب ستستمر".
هل ستنهض القاعدة؟
ويرى المسؤول الأميركي وغيره من المسؤولين الحاليين والسابقين أن قوات المعارضة الفارَّة من حلب ستستمر في القتال، مع ترجيح انضمام بعضها إلى مجموعات مثل جبهة فتح الشام، المعروفة سابقاً بـ"جبهة النصرة"، والتي تعتبرها واشنطن الفرع السوري لتنظيم القاعدة.
وقالالمسؤول الأميركي إن "الرجال الذين سيخرجون سيقومون باتباع أسلوب حرب العصابات… والعرب سيستمرون في تمويل المعارضة". وأضاف: "لن ينسوها (المعارضة) فقط لأننا نسيناها".
وحذّر مسؤولون أميركيون آخرون من أن الصراع قد يتفاقم مع تضاؤل الدعم الأميركي لمعارضي الأسد بما قد يدفع المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا إلى تكثيف دعمهم العسكري لمجموعات المعارضة.
وقال مسؤول آخر، عاكساً بواعث القلق التي يشاركها مع آخرين عديدين، إن السعودية قد تمد الفصائل المعارضة بأسلحة أكثر نجاعة، وهو ما يزيد من احتمالات إمكانية استخدام هذه الأسلحة في النهاية ضد الأهداف الغربية.
وقال: "لقد كنّا أذكياء للغاية لإبقاء مثل هذه الأشياء بعيدة عن هناك حتى لا تقع في أيدي الإرهابيين، لكن ليس هناك سبب يدفع السعوديين للإصغاء إلى تحذيراتنا بعد الآن".
وفي هذه الأثناء، يمثل سقوط حلب الشرقية دعماً كبيراً لإيران الشيعية، المنافس الإقليمي الرئيسي للسعودية السُنّية، والتي عانت نخبة حرسها الثوري الإسلامي خسائر كبيرة في قتاله إلى جانب الأسد.
وتحافظ إيران، من خلال مساعدتها على تأمين بقاء الأسد، على خطوط الإمداد التي تنقل من خلالها الصواريخ والأسلحة الأخرى إلى حزب الله، الميليشيا الشيعية اللبنانية التي قاتلت هي الأخرى إلى جانب دمشق، لاستخدامها ضد إسرائيل.
وقال مسؤول أميركي ثالث إن "عائلة الأسد هي أطول شريك استراتيجي باقٍ لإيران في الشرق الأوسط برمّته. والمعبَر لحزب الله، وجزيرة صديقة لإيران في الأراضي العربية".
– هذا الموضوع مترجم عن وكالة Reuters البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.