ما بظهر مع ديري!.. عن العنصرية داخل الثقافة السورية

اعترف أن الحرب ساهمت كثيراً في تغيير هذه النظرة، وَحّدنا الوجع، وكسر كثيراً من الأوهام الطبقية التي رسخت في عقولنا، وأسهمت الهجرة في تعرفنا على ثقافات مختلفة كلياً، ولم يعد العالم هناك، مبنياً على نظرية "داخل السور وخارج السور" التي تنتشر بين الدمشقيين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/05 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/05 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش

بكثير من العنصرية شاهدنا مقطع الفيديو الذي انتشر بعنوان "ما بظهر مع سوري"، الذي يظهر فتيات لبنانيات يتم سؤالهن إذا ما كن يقبلن الخروج مع شبان سوريين.

بغض النظر عن هدف المقطع، الذي مهما كان فهو يروج للعنصرية، وبغض النظر عن ردود الفعل الغاضبة من السوريين، التي زادت الطين بلة، فإن المقطع بحد ذاته لم يأتِ بجديد، ولم يضِف أي معلومة مفيدة، ولم يحرك بداخلي أي إحساس بالغضب والعنصرية، ولم يجعلني إلا أبتسم بسخرية لواقع أعرف مرارته، ومجتمع تجرع العنصرية منذ الصغر، ولا يراها إلا حين تكون عليه.

منذ فترة قصيرة، كلمتني صديقة تبكي شاكية رفض أهلها تزويجها الشاب الذي أحبته، بحجة أنه ابن ريف، وهي ابنة مدينة قلت حينها متفاجئة "لسَّه في هيك عالم!"؛ لاكتشف بعدها أننا لم نتخلص بعد من العقد العنصرية والطبقية التي خلفها لنا المجتمع على مدى قرون، وجعلنا نقسم أنفسنا إلى طبقات وهمية، اعتقدنا أنها طبيعية، وحجة لأنفسنا لنكون أفضل من غيرنا.

لكوني فتاة عاشت في مجتمع دمشقي، كنت أرى تلك النماذج حولي بكثرة، ورغم أنها تحاول ادعاء غير ذلك، فإن تصرفاتها لم تكن كذلك.

أذكر منذ فترة كتبت إحداهن في مجموعة مغلقة على الفيسبوك خاصة بالفتيات السوريات، تسأل "هل تقبلين الارتباط بشخص من غير محافظة؟" تباينت الإجابات بين السلب والإيجاب، إلا أن معظم الفتيات اللواتي كتبن أنهن يرفضن الارتباط بشخص من غير محافظة كانت حجتهن بأنهم "من ثقافات وتربية مختلفة"، وهو نفس الجواب الذي ذكرته إحدى الفتيات اللبنانيات الظاهرات في الفيديو المذكور.

ذات القصة تكررت مع صديقة لي، أحبت شاباً ديرياً، أي من دير الزور، رفض أهلها زواجها منه بسبب اختلاف الثقافة حسب تعبيرهم، علماً أن الشاب على مستوى علمي ومكانة اجتماعية تفوق الفتاة ذاتها.

"يلي ما بياخد من ملتو بيموت بعلتو"، "يلي متلنا تعا لعنا"، أمثال شعبية سمعناها منذ الصغر، لا تزال تستخدم اليوم في كل مناسبة لحدوث زواج لأي اثنين مختلفي المحافظات أو حتى من حيين مختلفين في نفس المدينة.

أصبحت تلك الأمثال تقال أكثر من آية: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، علماً أن الكثير من أصحاب تلك النظرة تراهم من مجتمعات محافظة دينياً.

الصور النمطية التي زرعت في عقولنا تجاه بعضنا البعض، والتي تصور أبناء محافظات المدن الريفية على أنهم جهلة أو على مستوى ثقافي يختلف عن أبناء المحافظات الكبرى، والنظرة المعاكسة لأهالي الريف، اتجاه ابن المدينة، جعلت هذا الموضوع يزداد تعقيداً، وجعلت البعض يعطي لذلك بُعداً طبقياً وعنصرياً، وجعلت الآباء ينقلون للأبناء هذا البُعد من جيل إلى جيل.

يمكنك أن تدخل إلى المجتمع النسائي، إلى صالونات النساء، والكلام الذي ينقل من واحدة إلى أخرى لتسمع تلك العبارات: "ييي أخدت فلان! كيف هيك أهلها لحشوها هي اللحشة"، "معقول تاخدو من هنيك؟ بكرة بتندم"، معقول تاخدوا من المكان الفلاني؟ هدول عقلهون صعب!".

نعم نعم، نسمع تلك العبارات، ما زلنا نسمعها إلى اليوم، في مجتمعاتنا.
لماذا نحاول أن ندّعي غير ذلك؟ لماذا نظن أننا الأفضل؟ لماذا لا نرى العقد التي لا تزال تحكم مجتمعاتنا قبل أن نرى العقد ذاتها حين تظهر من غيرنا؟ لماذا نحاول أن نختبئ خلف حقيقتنا، ولا نعترف أننا ربينا في مجتمع تحكمه المظاهر والطبقية، والعنصرية؟ ومن ثم نشعر بالغضب و"بيفور دمنا" حين نرى مقطع فيديو نشاهده يومياً في حياتنا.

اعترف أن الحرب ساهمت كثيراً في تغيير هذه النظرة، وَحّدنا الوجع، وكسر كثيراً من الأوهام الطبقية التي رسخت في عقولنا، وأسهمت الهجرة في تعرفنا على ثقافات مختلفة كلياً، ولم يعد العالم هناك، مبنياً على نظرية "داخل السور وخارج السور" التي تنتشر بين الدمشقيين.

أعترف بأنني اليوم وبعد خمس سنوات سأقبل بالارتباط بشاب من أي محافظة كانت، ومن أي ثقافة كانت طالما أنه بإمكاننا أن نكون متفاهمين.

الاختلاف إيجابية وليست سلبية، وهو يضيف للآخر أكثر مما يضيف التشابه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد