قالت صحيفة بريطانية إن عددا من قادة المعارضة السورية يجرون محادثات سرية مع روسيا لإنهاء القتال في حلب، معتبرة أن ذلك يكشف كيف يمكن أن يتم تهميش الولايات المتحدة الأميركية في بعض النزاعات الجوهرية بالشرق الأوسط.
ونقلت صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية عن 4 من أعضاء المعارضة من المناطق الواقعة شمال سوريا الخاضعة لسيطرة المعارضة، أن تركيا تقوم بدور الوساطة لإجراء محادثات في أنقرة مع موسكو التي ساعد تدخلها العسكري إلى جانب الرئيس بشار الأسد في تحويل مسار الحرب الأهلية لصالح النظام.
وذكر أعضاء المعارضة أن المحادثات تركز على التفاوض بشأن اتفاق لإنهاء النزاع في حلب، ثاني المدن السورية المحاصرة.
ونقلت الصحيفة عن شخصية معارضة -طلبت عدم ذكر اسمها جراء حساسية المفاوضات- أن "المحادثات تجري بين روسيا وتركيا دون أي وجود أميركي الآن. فقد تم استبعاد واشنطن من هذه المحادثات تماماً، ولا تدري الولايات المتحدة شيئاً عما يحدث في أنقرة".
ورغم أن ذلك ليس اللقاء الأول لأي ممثل من المعارضة مع السلطات الروسية وفقاً للصحيفة، فإن المطّلعين على المحادثات ذكروا أنها المرة الأولى التي يشارك فيها عدد كبير من جماعات المعارضة في المحادثات.
لا مشاركة أميركية في المحادثات
تقول الصحيفة إن المحادثات لم تحقق تقدماً كبيراً، ومع ذلك فإن حقيقة انعقادها –دون أي مشاركة أميركية– تؤكد الديناميكية السياسية المتحولة في الشرق الأوسط. وتبدو الأطراف الإقليمية حالياً أكثر رغبة في تجاهل واشنطن سعياً وراء الاتفاق مع روسيا، التي تحرص على تطوير صورة القوى الصاعدة التي يمكن أن تساعد على التوسط في مثل هذه الاتفاقات.
وتضيف أن عليَّ شيخ عمر، أحد قادة المجالس في حلب، ذكر أن السياسيين في المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة قد اتفقوا على تشكيل فريق يشارك في المفاوضات مع روسيا بشأن وقف الضربات الجوية الشرسة التي دمرت المدينة. وحققت قوات النظام تقدماً هائلاً خلال الأسبوع الماضي، حيث سيطرت على أكثر من ثلث المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة بالمدينة.
وقال: "يتم إجراء المفاوضات بصورة مباشرة مع السلطات الروسية؛ لأننا نعلم جميعاً في هذه المرحلة أن بشار الأسد ليس سوى حاكم إقليمي ينفذ أوامر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
إنكار المفاوضات
وأنكر أحد قادة المعارضة إجراء مثل تلك المفاوضات، بينما رفض آخرون التعليق قائلين إن القضية حساسة للغاية. وذكر دبلوماسي إقليمي غربي أنه لا يستطيع تأكيد ذلك، ولكنه يسعى وراء الحصول على معلومات بشأن محادثات محتملة. وقد علم الدبلوماسي أيضاً بشأن رحلة طيران عسكرية روسية قادمة من مدينة اللاذقية الساحلية في سوريا، مركز القواعد العسكرية لموسكو، ومتجهة إلى أنقرة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني.
ولم يوضح أي من هؤلاء الذين تحدثوا عن المفاوضات ما إذا كان ممثلو المعارضة قد التقوا السلطات الروسية وجهاً لوجه أو بصورة غير مباشرة من خلال وساطة المسؤولين الأتراك.
روسيا: أميركا عزلت نفسها
في سؤال عن المحادثات، ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا: "واشنطن عزلت نفسها. ونحن نتفاوض مع المعارضة السورية في تركيا منذ سنوات، والأمر ليس بخبر حديث". ولم يردّ المسؤول التركي على طلب بالتعليق على الأمر.
لقد فقدت أميركا ماء وجهها ونفوذها
وترى واشنطن أن لمثل هذه المفاوضات تداعيات تتجاوز سوريا. وذكر زميل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إيميلي هوكايم، أن "التعامل الأميركي مع هذا النزاع لم يؤدِّ فقط إلى تراجع علاقة الولايات المتحدة بالنزاع السوري؛ بل بالديناميكية الإقليمية أيضاً. لقد فقدت ماء وجهها وفقدت نفوذها. سياسات الإقليمية تتحول في الوقت الحالي وقد حدث ذلك في ظل حكم الرئيس أوباما، سواء عمداً أو بسبب إخفاقاته". وقد انتقد هوكايم ما يعتبره استراتيجية أوباما المتقلبة في النزاع السوري، قائلاً إن تلك الاستراتيجية قد قضت على النفوذ الأميركي في المنطقة، وذكر أمثلة حول تغير مواقف العديد من القادة الإقليميين إلى روسيا.
فقد ذهب الجنرال الليبي خليفة حفتر، الذي يسيطر على المنطقة الشرقية من البلاد، مؤخراً إلى موسكو سعياً وراء الحصول على الدعم العسكري. ويُعتقد أن تركيا، التي قامت بتسوية نزاعها مع موسكو بشأن إسقاط الطائرة الحربية الروسية، قد توصلت إلى تفاهم مع روسيا يسمح لأنقرة بنشر قواتها في أجزاء من شمال سوريا. وقد كثفت مصر والعديد من بلدان الخليج أيضاً اتصالاتها بروسيا، بحسب ما ذكر هوكايم.
وذكر تشارلز ليستر، الخبير بالشؤون السورية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن الاجتماع الأول بين روسيا وتركيا وممثلي المعارضة قد أُجري يوم الإثنين في أنقرة، ومن الأرجح أن يتم انعقاد اجتماع آخر يوم السبت.
وقال للصحيفة إن "روسيا تحتاط جيداً وتفضل أن تعقد اتفاقاً مع المعارضة" فإذا كانت حلب سوف تسقط، فسوف يحتاج النظام السوري إلى الكثير من القوات للسيطرة على المدينة، وتقلّ بذلك أعداد قواته في مناطق أخرى من البلاد، أو سيعتمد على المساعدة الإيرانية، التي تفضل موسكو تجنّبها.
من الصعب أن تفي المعارضة بالمطالب الروسية
ومع ذلك، صرّح بأنه من الصعب أن تفي المعارضة بالمطالب الروسية بشأن إخراج أسلحتها الثقيلة من المدينة أو الانفصال على خطوط المواجهة عن جبهة فتح الشام.
ويظل التوتر قائماً أيضاً بين أنقرة وموسكو، وخاصة بعد أن اتهمت تركيا مسؤولي النظام بضرب قواتها في سوريا. وتذكر المعارضة أن أنقرة تعتقد أن قوات الأسد قد تلقت الضوء الأخضر من موسكو، مما يجعل العلاقات معها لا تزال هشة.
وبالتوازي مع المحادثات في تركيا، تسعى الولايات المتحدة في هدوء بالغ وراء إجراء المفاوضات لاستعادة عملية وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية إلى حلب، بما في ذلك المحادثات مع روسيا من خلال عملية جنيف والمحادثات الهاتفية المنتظمة بين وزير الخارجية جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
وذكر المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، يوم الثلاثاء، أنه لا يوجد أي "تقدم ملموس" في المحادثات بشأن حلب. ومع ذلك، أضاف قائلاً: "ما كنا سنظل جالسين بتلك المحادثات متعددة الأطراف، ما لم نكن نعتقد أن الأمر يستحق ذلك العناء".
وفي سؤال عن سبب رغبة روسيا في التوصل لاتفاق مع المعارضة رغم اقتراب الأسد من تحقيق الانتصار في الحرب، ذكر أحد شخصيات المعارضة أنه يعتقد أن الهدف يتمثل في تعزيز دورها بالمفاوضات في قضايا تتجاوز الشرق الأوسط.
قال ليستر إن الروس عملياً يقولون: "تباً لكم أيها الأميركان!".
- هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.