"دائماً حتى النصر".. بهذه الكلمات ودَّع الثائر المعروف تشي جيفارا رفيقه فيدل كاسترو في رسالة قبل أكثر من 50 عاماً، وكانت حاضرة كذلك في لافتة رفعها مشيعون اليوم خلال التئام شمل الرفيقين مجدداً، لا وسط غبار المعارك، وإنما تحت ثرى الموت.
حيث وصل رماد فيدل كاسترو اليوم الخميس 1 ديسمبر/كانون الأول 2016 إلى الضريح الذي يضم رفات رفيقه المناضل الثوري إيرنستو "تشي" جيفارا ضمن موكب جنائزي للزعيم الكوبي الراحل يجوب البلاد لمدة ثلاثة أيام.
الرحلة الأخيرة
وأحرق جثمان كاسترو بعد أن توفي يوم الجمعة الماضي عن 90 عاماً.
ويسلك الموكب الجنائزي الطريق من سانتياغو دي كوبا إلى هافانا.
وتجمع بضعة آلاف من المشيعين لاستقبال الموكب بالضريح خارج سانتا كلارا؛ البلدة الواقعة في وسط البلاد التي أخرج فيها جيفارا (الطبيب الذي تحول إلى ثوري) قطاراً مصفحاً عن القضبان في معركة ضد جيش الرئيس فولجينسيو باتيستا، أسهمت في أن تميل كفة الحرب لصالح المتمردين.
ووقفت لافتة كبيرة تحمل صورة فيدل على قاعدة تمثال لجيفارا يبلغ طوله نحو سبعة أمتار. حملت اللافتة كلمات "دائماً حتى النصر" وهي العبارة التي كتبها جيفارا في وداع لفيدل.
"هنا يقضي فيدل الليلة"
وقدم موسيقيون شعبيون وفرقة مسرحية عرضاً لتأبين الزعيم الراحل، بينما يقول بيدرو بينيدا (70 عاماً) وهو عامل في مصنع لتصنيع اللحوم "هذا مكان مقدس بالنسبة لنا لأن تشي يرقد هنا. الآن سيقضي فيدل الليلة إلى جوار رفيقه في المعركة"، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء.
وفي وقت سابق اصطفت الحشود في الشوارع وهي تهتف "فيدل!" وتلوح بأعلام كوبية صغيرة لتحية رجل حكم كوبا 49 عاماً بتركيبة من الكاريزما والإرادة الحديدية، فأقام دولة شيوعية على عتبة الولايات المتحدة، وأصبح شخصية محورية في الحرب الباردة.
تحرك رماد كاسترو ببطء في مقطورة خلف سيارة جيب عسكرية انطلقت من هافانا، وشقت طريقها عبر عدة بلدات أمس الأربعاء.
والمحطة التالية للموكب الجنائزي هي سانتياغو دي كوبا، المدينة الواقعة بجنوب شرقي البلاد، التي بدأ منها كاسترو التمرد على الرئيس فولجينسيو باتيستا عام 1953.
وهناك يوارى رماد كاسترو الثرى يوم الأحد، في مقبرة يرقد فيها خوسيه مارتي البطل القومي الذي عاش في القرن التاسع عشر، وأسطورة الموسيقى كومباي سيجوندو.
وتوفي كاسترو بعد عشر سنوات من تنازله عن السلطة لأخيه الرئيس الحالي راؤول كاسترو (85 عاماً) لسوء حالته الصحية.
معاً حتى النصر
التقى جيفارا وفيدل كاسترو في المكسيك، حيث تدربا وقاما بشراء أسلحة استعداداً للثورة الكوبية قبل أن يُبحرا إلى الجزيرة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1956، أي قبل 60 عاماً بالتمام من يوم رحيل كاسترو.
أصبح جيفارا واحداً من أهم الرجال في القوة المتمردة، ثم في الحكومة الثورية، فرأس البنك المركزي وتولى وزارة الصناعة والتقى زعماء العالم، وفي نهاية المطاف حمل السلاح مرة أخرى في محاولة لتفجير ثورة في مكان آخر من أميركا اللاتينية.
حين فرَّ باتيستا من كوبا واجتاح المتمردون بقيادة كاسترو هافانا أقام جيفارا مكتبه في قلعة لا كابانا، المطلة على المدينة، حيث أشرف على محاكمات رجال باتيستا وعمليات الإعدام بالرصاص.
لم يكن هناك من يضاهي المقاتل الوسيم في الكاريزما والشهرة سوى كاسترو، واستمرت شهرته في الانتشار إلى أن اعتقله جنود من بوليفيا، دعمتهم وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) وأعدموه في عام 1967 عن 39 عاماً.
واستخرجت رفات جيفارا من مقبرة جماعية ودفنت في سانتا كلارا عام 1997، بينما واجه النظام الشيوعي الكوبي الذي أسهم في إرسائه صعوبات في الاستمرار بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
وفي حين أن أعداء الرجلين مقتوهما؛ إذ يقولون إنهما دمَّرا الاقتصاد من خلال تطبيق النظام الاشتراكي، بالإضافة إلى سجن وإسكات المعارضين بنظام دكتاتوري على غرار ما كان مطبقاً في الاتحاد السوفيتي، فإنهما كانا بطلين مناهضين للاستعمار في نظر كثيرين، خاصة في أميركا اللاتينية وإفريقيا.
وقال الطالب إدواردو خوسيه مانيرسا (17 عاماً) "إنهما عملاقان في تاريخنا. حاربا من أجل وطننا ومن أجل سيادتنا".