اضطرابات نفسية وأزمات صحية سيعانيها مسلمو أميركا مع ترامب.. إليك الأسباب

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/01 الساعة 16:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/01 الساعة 16:30 بتوقيت غرينتش

توقفت سارة ظفار عند الضوء الأحمر في إحدى البلدات المؤيدة لترامب، بالقرب من مدينة "هونتينغتون بيتش" الواقعة في ولاية كاليفورنيا، وفي الأثناء توقفت شاحنة بجانبها. وبينما هي كذلك، سمعت رجلاً أبيض يصرخ محاولاً لفت انتباهها: "مهلاً، مهلاً!".

حدثت ظفار نفسها، متجاهلة نداء ذلك الرجل، وهي تحاول تهدئة خوفها بسبب ما راعها من صوته: "لا بأس، إنه مجرد حدس"، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان.

أعاد ذلك الرجل المحاولة، قائلاً: "مرحباً، تبدين جميلة وحسنة المظهر، فما رأيك أن تعطيني رقم هاتفك؟"، لكن رغم إصرار هذا الشخص المجهول، ظلت سارة محافظة على رباطة جأشها وغير آبهة لما يتفوه به.

لون بشرتها المائل للسمرة


حدث ذلك بعد ظهر يوم الخميس، أي بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية بيومين. كانت هذه الطالبة، البالغة 29 سنة، والتي تكمل دراساتها العليا في علم النفس، عائدة إلى منزلها بعد انتهاء محاضرة عن التنوع الثقافي، ناقشت فيها السبل التي من شأنها أن تساعد على إدماج الأقليات في المنظومة التعليمية. كانت ظفار في ذلك اليوم ترتدي ملابس عادية كأي شابة أميركية، ولم يكن هناك أي دليل على توجهها الديني سوى لون بشرتها المائل إلى السمرة التي تميز الباكستانيين.

في تلك اللحظة، قال الرجل: "انظري إلى ما لديّ". وبعد محاولات ذلك المجهول، التفتت ظفار فرأت شيئاً فضياً وبراقاً بيده يشبه سلاحاً، وتوقعت أن يكون مسدساً فسارعت بإغلاق نافذة سيارتها. وحالما تحول لون الإشارة الضوئية إلى الأخضر، قادت سارة ظفار سيارتها بعيداً. انتاب الفتاة خوف مما حصل معها، فظلت تتفقد الطريق باستمرار لتتأكد من عدم تتبع المجهول لها إلى أن وصلت إلى شقتها. في اليوم التالي، توجهت سارة ظفار إلى مركز الشرطة لتبلغ عما وقع لها.

أفادت الفتاة بأنه لم يسبق لها أن تعرضت لمثل هذا الموقف من قبل، وهو موقف ما زالت ترتعد أوصالها عند تذكّره، ولعله قد ساهم في زرع بذور الخوف في قلبها.

خطاب ترامب العدواني


استخدم دونالد ترامب خلال حملته خطاباً عدوانياً يحمل في طياته تحريضاً على الكراهية ونبذ الأقليات ليشحن الأجواء بمزيد من التوتر بسبب ما تشهده البلاد من أزمة اقتصادية.

عقب الانتخابات، أقر ترامب بدعمه للسياسات التي تستهدف الجالية المسلمة في الولايات المتحدة؛ ومن بينها رفض دخول اللاجئين الفارين من ويلات الحرب. وتبعاً لما تناقلته وكالات الأنباء من تصريحات ترامب النارية، فقد سجل مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية ما يفوق 100 حالة اعتداء على المسلمين منذ يوم الانتخابات. في نيويورك مثلاً، أجبر العمدة أندرو كيومو على تشكيل وحدات شرطة خاصة متأهبة لردع جرائم الكراهية التي من المتوقع أن تحدث في الولاية.

وصرح بوب فوليلوف، وهو أستاذ وعميد شؤون المجتمع والأقليات في جامعة كولومبيا، بأن إدارة ترامب تنذر ببوادر أزمة صحية عامة بالنسبة للمسلمين، خاصة مع تنامي الخوف في صفوفهم كرد فعل على ارتفاع نسبة جرائم الكراهية وظاهرة التمييز المستفحلة في المجتمع.

تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا قد تسبب في اضطرابات نفسية في صفوف المسلمين


أثبتت عقود من البحث حول الأقليات تأثير التوتر النفسي المترتب عن الازدراء والترهيب والتمييز على صحة الفرد الذهنية والجسدية. ومن المرجح أن يعاني هذه المشاكل الصحية المواطنون المسلمون الذين شهدوا فوز ترامب بسبب اعتماده على الإسلاموفوبيا.

وفقاً للبحوث، فإن تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا قد تسبب في اضطرابات نفسية في صفوف المسلمين. ولعل هذا ما أقرته إحدى الدراسات، حول المسلمين الأميركيين من أصول عربية في "ديترويت" بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول؛ إذ إن العنصرية والتمييز قد ساهما في زيادة التوتر النفسي لدى المسلمين، وتسبب عموماً في مشاكل صحية بينهم.

يمكن للإسلاموفوبيا أيضاً أن تؤثر سلباً على صحة المرء البدنية. وبناء على هذه الفرضية، أفضت الأبحاث التي أجريت حول اللاجئين العراقيين الذين كانوا يعيشون في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلى أن الضغوطات النفسية التي تعرضت لها هذه الفئة كانت مرتبطة باضطرابات في الجهاز التنفسي والهضمي وعدم استقرار ضغط الدم.

المراقبة المنحازة دينياً يمكن أن تكون لها تداعيات صحية


من المتوقع أن تشهد الأوضاع مزيداً من التدهور إذا أصر ترامب على مسألة فرض تسجيل المسلمين. وقالت مرلين شوفكفانين، وهي أستاذة مساعدة في العلوم الاجتماعية الطبية بجامعة كولومبيا، إن الضغط النفسي المتأتي من هذه المراقبة المنحازة دينياً يمكن أن تكون له تداعيات صحية على الأفراد المنتمين إلى هذه الأقليات. وفي هذا السياق، صرحت الأستاذة مرلين بأن "القلق المستمر بسبب إمكانية الاضطرار إلى التسجيل ووضع اسمك في بيانات السلطات الأميركية من شأنه أن يضع جسد المرء تحت نوع من الضغط قد تكون له تأثيرات سلبية".

وتوصلت دراسات أخرى إلى أن كلاً من المرضى المسلمين والعاملين في القطاع الصحي يتعرضون للتمييز العنصري على أساس الدين في منظومة الرعاية الصحية. وإذا عزمت إدارة ترامب على استهداف المسلمين، فإن هذا سيؤثر حتماً على كيفية تفاعل هذه المجتمعات مع منظومة الرعاية الصحية ومقدمي هذه الخدمات.

وفي هذا الإطار قال فوليلوف، إن "الناس يخشون الذهاب إلى عيادة الطبيب أو إلى المصحات أو حتى إلى غرفة الطوارئ؛ خوفاً من التعرض للاستجواب بسبب هوياتهم، فوضعيتهم الاجتماعية كمهاجرين تجعلهم عرضة للشبهات. كل هذه المعطيات من شأنها أن تجعل هؤلاء المواطنين معزولين عن الخدمات الصحية التي من المفترض أن تكون متاحة للجميع".

الخوف يحرم المسلمين من الخدمات الصحية


بالإضافة إلى ذلك، فإن الشعور بالخوف الذي يستحوذ على نفسية المسلمين والمهاجرين يمكن أن يصبح عائقاً أمام حصولهم على الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها. ومن المحتمل ألا يكون الطاقم الطبي العامل في المرافق الصحية الأميركية قادراً على مساعدة هؤلاء على التعافي من الصدمات النفسية للإسلاموفوبيا.

وأضافت الأستاذة شوفكافنين، أن "معظم المختصين في علم النفس يتلقون تدريباً ضيق النطاق يركز فقط على العلاج السريري والتشخيص الممكن لحالة المريض دون إعطاء أهمية إلى المحيط الاجتماعي للمريض وتأثيره على صحته النفسية".

إن وفى ترامب بوعوده التي تتضمن إلغاء أو إصلاح القوانين المتعلقة بمنظومة الرعاية الصحية، فإن ذلك من المرجح أن يعمّق معاناة المسلمين ويزيد من الضغوطات النفسية المسلطة عليهم. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنظومة قد أتاحت لملايين المواطنين فرصة التمتع بالخدمات الصحية حتى لو لم يتمتعوا بتأمين صحي. لكن إلغاء مقومات هذا النظام قد يعقّد الأوضاع ويعرقل عمل الأطباء والمخططات المعدة لتحسين جودة الخدمات الصحية.

وتعليقاً على ما صدر بخصوص هذا المقترح قال فوليلوف، إن "هذا ما يعتبر في حد ذاته أزمة، وقد آن الأوان لإرسال رسائل طمأنة إلى الفئات المستهدفة وإخبار الساسة بأننا على علم بحيثيات الأزمة التي نواجهها. ينبغي لنا أن نلتزم بالحفاظ على مبادئ الديمقراطية في هذا المجتمع، وأن نكون مستعدين لمساندة هذه الأقليات في نضالها للتمتع بالكرامة وحقوق الإنسان. ويجب أن يكون لدينا وعي بأن هذه هي الظروف السليمة التي يمكن أن تساهم في تحسين قطاع الصحة".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد