لستُ ناقداً فنياً ولم أكتب في نقد الأفلام من قبل، لكن عندما خطرت فكرة نقد أحد الأفلام في رأسي كان أول فيلم بالنسبة لي يجب أن يكون "عوكل".
هذا الفيلم العربي المصري إنتاج السبكي للإنتاج السينمائي عام 2004، وبطولة محمد سعد، ونور، وحسن حسني، وإخراج محمد النجار، لن أدخل في تفاصيل أكثر عن الفيلم؛ لأنني أؤمن بأن غالبيتكم شاهدتم الفيلم وتعرفونه جيداً، ولن أبدأ حديثي عنه منذ لحظة البداية، ولكنني سأقف هنا عند نقطة التحول في الفيلم ألا وهي عندما نُقِل عوكل بين ليلة وضحاها من مصر إلى تركيا.
تلاحظ وتندهش من خلال أول مشهد منذ وصول عوكل لتركيا كيف يصوّرونها على أنها بلد شرق أوروبي مسيحي، فتجد رجلَ دينٍ مسيحي وحوله مجموعة من الناس في جنازة مسيحية، وهذا قطعاً مخالف لما هي عليه تركيا، ذات الأغلبية الساحقة من المسلمين، ثم يتفاجأ عوكل ويجري ويهيم في شوارع تركيا في إطار كوميدي ساخر خالٍ من أي معلومة صحيحة حول تركيا ومعالمها، فيبدأ بالتساؤل: "إيه اللي جاب القلعة جنب البحر؟"، وهو هنا يقصد قلعة صلاح الدين الأيوبي في مصر، ولكن حقيقة هذا البناء أنه جامع السلطان أحمد أو (الجامع الأزرق) في إسطنبول، ولم يأتِ أي مشهد بعد ذلك ليصحح المعلومة، ويأتي مشهد آخر يظهر فيه شرطي تركي يسأله عن بطاقته الشخصية أو أوراقه، ولكنه بالتأكيد لا يفهم..
فيتحول المشهد في النهاية إلى سخرية ركيكة ليس لها غرض سوى إضحاك المُشاهدين للفيلم حتى ولو كان على حساب تقديم معلومات خاطئة لهم، وتجري أحداث الفيلم كالعادة بطريقة محمد سعد (عوكل) التي يملؤها التكلف، والقيام بتغيير نبرة الصوت وتعبيرات الوجه، معتمداً على ذلك اعتماداً كلياً؛ كي ينال إعجاب المُشاهدين لأعماله، ويأتي مشهد حفل زفاف كريستينا التي يمكن أن تتوقع من خلال مشاهدتك للفيلم أنها إحدى صديقات شروق التي تقوم الفنانة نور بلعب دور شخصيتها في الفيلم، وأنا شخصياً أعتبر هذا المشهد قنبلة تدمير هوية وملامح المجتمع التركي؛ حيث يذهب كل من عوكل وشروق لتحية العروسين، فتبدأ شروق تهنئة العروسين بعبارة "هايرلي أولصن" بالتركية، فيأتي عوكل ليتهكم على العبارة كالعادة دون سؤال عن معناها، ودون تقديم أى جديد للمشاهد، تهكُّم من أجل التهكُّم ليس إلا، ثم يلاحظ عوكل أن بطن كريستينا العروس منتفخة، ويبدو أنها حامل، فيسأل شروق حول إمكانية حدوث ذلك الأمر، فيأتي رد شروق "همَّا حياتهم كده"، وهذا يا أعزائي لو تعلمون مُنافٍ لواقع تقاليد الزواج في الشارع التركي، فتأتي كالعادة السخرية من جانب عوكل حول هذا الأمر، واستنكاره له بنوع من الازدراء، وتتوالى وتتحرك أحداث الفيلم في رتابة بطريقة تقليدية فارغة من أي محتوى فني إبداعي، خالية من أي رسالة أو فكرة جديدة، وكأن معنى أن يكون الفيلم كوميدياً أن يسعى فقط لإضحاك المُشاهدين بأي طريقة، حتى وإن كانت هذه الطريقة ترسل لهم أفكاراً ومعلومات خاطئة، ثم ينتهي الفيلم بمشهد هزلي لا يُقدم أي جديد كالعادة.
لا أعلم ما هو السبب الحقيقي والمنطقي حول إظهار تركيا بهذه الصورة للمُشاهد العربي، دعنا نقول ربما جهل تجاه الأوضاع والتقاليد والهوية التركية، ولكن يظل هذا عذراً أقبح من ذنب؛ حيث يجب الإلمام بقدر كافٍ من المعلومات والبيانات حول البلد الذي سيتم فيه التصوير لعمل سينمائي.
ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع ليس لأجل تركيا ذاتها، وإنما هو إيماني بالفن كرسالة وكأمانة توضع على عاتق كل من اكتسب صفة فنان، واحترام المُشاهد من أهم ركائز وعوامل الحفاظ على هذه الأمانة، واحترام المُشاهد يأتي من خلال العمل على إمتاعه وإقناعه وتوصيل رسالة هادفة له، من خلال العمل الفني أياً كان نوعه، وليس عن طريق خداعه وإلهائه بالضحك وإعطائه معلومات خاطئة، فإن لم يتحمل الفنان هذه الأمانة ولم يؤدِّ الرسالة على الوجه الذي يليق بها، فهو لا يستحق لقب الفنان.
وبصفتي مُشاهداً عربياً له حق الاحترام والاهتمام والتقدير على كل فنان ومخرج ومنتج سينمائي، أحبُ أن ألفت انتباه كل من له دور في قيام عمل سينمائي بأن تحقيق الموارد المالية ونجاح الفيلم مالياً لا يجب أن يكون إطلاقاً هو الدافع والهدف الأول من العمل السينمائي، وأن تحقيق الفيلم للنجاح المالي لا يعني بالضرورة أبداً أنه خدم رسالة الفن، وأن استغلال عدم وعي وإدراك المشاهد في تقديم محتوى ركيك خالٍ من الفكرة والإبداع لهو بمثابة خيانة لرسالة الفن، اعملوا بجد وذكاء على فكرة العمل السينمائي، وقدموا أفضل ما لديكم، واجتهدوا، أضمنُ لكم تحقيق النجاح المادي والإبداعي والفكري.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.