الدراسة من جديد.. عودة للشباب والروح معاً

يمر أغلب الأشخاص في مجتمعنا بمراحل دراسية متتابعة تبدأ منذ الطفولة المبكرة بالالتحاق برياض الأطفال، ثم تمر بالمراحل الأساسية والثانوية المدرسية، وقد تتبعها الدراسة بالمعاهد والجامعات، وفي أحسن الأحوال يحصل الشخص على درجة بكالوريوس في تخصص ما، ثم يبدأ بالغوص في سوق العمل، علّه يحظى ببعض وظيفة تسد رمقه، وتساعده على النجاة في دوامة الحياة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/29 الساعة 03:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/29 الساعة 03:20 بتوقيت غرينتش

يمر أغلب الأشخاص في مجتمعنا بمراحل دراسية متتابعة تبدأ منذ الطفولة المبكرة بالالتحاق برياض الأطفال، ثم تمر بالمراحل الأساسية والثانوية المدرسية، وقد تتبعها الدراسة بالمعاهد والجامعات، وفي أحسن الأحوال يحصل الشخص على درجة بكالوريوس في تخصص ما، ثم يبدأ بالغوص في سوق العمل، علّه يحظى ببعض وظيفة تسد رمقه، وتساعده على النجاة في دوامة الحياة.

ذلك الشخص الغارق حتى أذنيه في وظيفة قد لا يحبها، إذا سألته عن أيام الدراسة فإنه سيجيب: كانت أجمل أيام عمري، ليتها تعود.. ولماذا تريد منها أن تعود؟ ألم تكن تعد الساعات والأيام حتى تنتهي منها، وتحصل على الشهادة التي ترغب لتشغل الوظيفة التي ترغب؟ ألم تكن تتعب وأنت ساهر حتى الفجر تقلب أوراق الكتب، وتحاول فك رموز مسألة ما، أو حفظ قاعدة ما لتتحضر جيداً للامتحان؟ لكنها حياة اللامسؤولية، والخروج مع الأصدقاء وأوقات الفراغ، هل حقاً هذا ما يميز حياة الدراسة؟ بعد التجربة علمت أن الجواب هو: لا.

بعد تخرجي في الجامعة فعلت كما يفعل الباقون، بحثت عن عمل، وعملت في مجال اختصاصي، وغرقت كما يغرق الآخرون في دوامة الحياة، تزوجت وأنجبت أطفالاً، وتفاصيل كثيرة تجعل الحياة تشبه بعضها، يومها كأمسها، وغدها لا يرام أن يكون أفضل حالاً، صرت أرى حياتي مزيجاً من الملل والانشغال الدائم، وساءت كل علاقاتي حتى مع نفسي، ولم أعُد أستمتع بوقتي مع أطفالي، وصرت أتشاجر مع زوجي لأتفه الأسباب، حتى صلاتي كنت أصليها على عجل ودون أدنى تركيز، ولم أعد أتحدث مع أي من صديقاتي إلا ما ندر، صرت أرى نفسي بلا هدف يذكر، أعيش هكذا لمجرد العيش ليس أكثر، حتى خلوت بنفسي مرة وفكرت في حلٍّ يخرجني مما كنت فيه، فخطر لي أن أعود إلى مقاعد الدراسة، كان الأمر ضرباً من الجنون، فأنا أعاني من قلة الوقت والانشغال الدائم، لكن مجرد التفكير في الدراسة كان كأنبوب الإنعاش لغريق لم يبقَ بينه وبين الموت شيء.

قلّبت الفكرة في رأسي أياماً وأسابيع، وفكرت ماذا أدرس؟ وأين أدرس؟ وكيف سأنظم وقتي، وأدير عملي وأطفالي؟ متى سأطهو الطعام؟ ومتى سأذاكر؟ وكيف سأتدبر أمر ذهابي وإيابي؟ قررت أن أكمل الماجستير في نفس التخصص، ثم أعلنت ذلك لمن حولي، قد تفاجأ الجميع واستنكروا الأمر بل نعتني بعضهم بالجنون أو السذاجة، لكن والدي قال لي: افعلي قبل أن ينطفئ الحماس، فربما لا يعود ثانية، كان كلامه لي مشجعاً، وبالفعل، التحقت بالدراسة التي أردت.

مقاعد الدراسة قلبت حياتي رأساً على عقب، كنت أوفق بين الدراسة والعمل والبيت وطفلين دون الثالثة أحدهما رضيع بشكل لا يصدق، كان لكل شيء وقت، أنشأت الكثير من العلاقات الجديدة، وأنعشت القديمة منها، حتى مع نفسي، كنت أستغل أوقات السفر بين الجامعة والمنزل في القراءة أو الدراسة أو حتى التخطيط لليوم، وصرت أشتاق لأطفالي وأفرد لهم وقتاً أجالسهم وألاعبهم، حتى الشجارات مع زوجي اختفت، فقدت القليل من الوزن واكتسبت الكثير من النشاط، تعلمت الكثير عن العلم والحياة، وقضيت ثلاث سنوات من عمري ما بين دراسة مساقات وأطروحة بحثية كانت أروع شيء حصل لي في حياتي، أغلب زملائي جاءوا ليكملوا الدراسة؛ لأن لديهم وقت فراغ، وبعضهم تفرغ تماماً للدراسة، أما أنا فقد كانت الدراسة بالنسبة لي نزهتي الخاصة، وهروبي إلى نفسي، لقد أعادت الحياة لعقلي ولقلبي، لن أقول إن أيامي مرت وردية لا تعب فيها ولا شقاء، فقد أنجبت طفلة ثالثة أثناء دراستي، وفقدت الموظفة التي كانت تساعدني في عملي، ومع ذلك بقيت دراستي هوائي الذي أملأ به صدري؛ لأعود إلى الحياة أقوى من ذي قبل، أكثر علماً، وأوسع أفقاً، وأشد ثقة.

تبقى لي أن أناقش الأطروحة كي أتخرج، ولا أعلم هل سأصمد كثيراً بعيدة عن مقاعد الدراسة أم يشدني إليها مرة أخرى الحنين إلى كل الأشياء الجميلة التي لا يمنحني إياها إلا هي؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد