التربية الجنسية ما بين عالمنا العربي وأوروبا

لا يسع عربي عندما يسمع كلمة "تربية جنسية" إلا أن تظهر على ملامحه علامات الاشمئزاز والاستنكار العظمى، فكيف يمكننا أن ندرس لأبنائنا عن التربية الجنسية في المدارس، ألا يؤدي ذلك إلى انحراف الشباب وتشجيعهم على ذلك؟! ربما كان هذا رأيي قبل سفري إلى أوروبا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/29 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/29 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش

ما زلت أذكر الجدل الواسع الذي أثاره مؤتمر السكان والتطوير الذي أقيم بالقاهرة عام 1994، حيث كان مثارُ الجدل الرئيسي متمثلاً في كيف يمكن أن تسمح الدول بتواجد دروس للتربية الجنسية في مدارسنا، وكيف يمكنهم مجرد الحديث عن عمليات الختان الخاصة بالفتيات. عندما أعود لما وصّى به المؤتمر أجد أنه تم اختزاله في أمرين أو ثلاثة، هم فقط مثال الجدل، ولم يتم مناقشة باقي التوصيات ما بين العامة من الشعب المصري، وربما العربي كله.

لا يسع عربي عندما يسمع كلمة "تربية جنسية" إلا أن تظهر على ملامحه علامات الاشمئزاز والاستنكار العظمى، فكيف يمكننا أن ندرس لأبنائنا عن التربية الجنسية في المدارس، ألا يؤدي ذلك إلى انحراف الشباب وتشجيعهم على ذلك؟! ربما كان هذا رأيي قبل سفري إلى أوروبا.

ألمانيا.. الصف الرابع الابتدائي

"السادة أولياء أمور طلاب الصف الرابع، يسعدنا أن نوجه لكم الدعوة لحضور اجتماع تعريفي، بخصوص ورشة العمل المزمع إقامتها لطلاب الفصل الرابع، للحديث عن التربية الجنسية كجزء من مادة العلوم لهذا العام…".

كانت هذه مقدمة خطاب طويل مكون من صفحتين تم إرساله إلينا مع ولدنا الطالب في الصف الرابع الابتدائي، تناول الخطاب شرحاً سريعاً لما هو مزمع سماعه في المحاضرة الممتدة لساعتين من الزمن، مع متخصصة بهذه الأمور، مع رجاء من الأهل بالحديث المسبق مع أبنائهم عن هذا الموضوع قبل بداية الورشة. ولأن الأمر يمثل هاجساً، ليس لدينا فقط بوصفنا مسلمين، ولكن لآباء الطلبة الألمان أيضاً، تراه جلياً في عيونهم وملامح وجوههم عند الحديث عن الموضوع، فكان لا بد من حضور المحاضرة.

تناولت المحاضِرة شرحاً مستفيضاً لأهمية التحدث عن الحياة الجنسية للأطفال، مع شرح كامل لكل مراحل ورشة العمل التي سيقوم بها الطلبة.

كانت محاضِرتنا طبيبة تخصصت رسالتها للدكتوراه في اكتشاف حقيقة ما يحدث في جسد المرأة، بدأت بعدها في إعطاء محاضرات للنساء، اكتشفت فيها أنهن – رغم كبر سنهن – لا يعلمن كثيرا عن أنفسهن، وأخبرتها الكثيرات بأنهن لو كنّ استمعنَ لمثل هذه المعلومات في مقتبل حياتهن وقبل مرحلة البلوغ، لكانت حياتهن اختلفت كثيراً، وهو ما أعطاها فكرة القيام بمشروع يتمثل في إيصال هذه المعلومات للفتيات قبل سن البلوغ.

عندما بدأت محاضِرتنا ورشتها للفتيات، بدأ الطلب يتزايد أن الفتيان بحاجة أيضاً لمثل ذلك، وهو ما جعل مشروعها مكتملاً بورشة عمل تستمر لمدة يوم دراسي كامل، ينقسم فيه الفتيات عن الفتيان، ليقوم كل قسم منهم بأداء جزئه الخاص به من الورشة.

حقيقة، تحتوي الورشة على أفكار كثيرة متميزة، تجعل من السهل على الطفل في مثل هذا العمر، استيعاب هذه الكمية من المعلومات، خاصة أنها تمثل معلومات جافة ربما يمل الطفل سريعاً من سماعها.

تقوم الورشة على عدة محاور، الجزء الأكبر منها متمثل في كيفية تكوّن الجنين وحتى مرحلة الولادة، تحت عنوان "كيف جئت إلى الدنيا؟" بتفصيل أراه غير مناسب لمثل هذا العمر المبكر. وتتطرق بعد ذلك للتغيرات الجسدية والنفسية والهرمونية المصاحبة لمرحلة البلوغ والمراهقة، وكيف يمكن للطفل تقبل تلك المتغيرات، مع استخدام كلمات إيجابية لتلك المرحلة، لتوحي للطلبة بأنها مرحلة جميلة من حياتهم، ليس عليهم أن يقلقوا منها، ومن التغيرات المصاحبة لها، لقد أفرطت ألمانيا في معلوماتها كثيراً.

العالم العربي:

بحكم كوني امرأة، ولا يخلو حديث النساء مهما طال الزمن، من بدايات مرحلة البلوغ والمراهقة، فأعلم أن الكثير جداً من الفتيات، لا يعلمن مطلقاً كيف هو البلوغ، وما هو مصاحب له، فإذا لم تتحدث معهن أمهاتهن عن هذا الأمر، فما يحدث لهن عند البلوغ، يكون كصاعقة نزلت عليهن من حيث لا يدرين، تصيبهن بالصدمة، والخوف والفزع، ولا يعلمن من يمكنهن اللجوء إليه، لعدم اعتماد الأهل في مجتمعاتنا على مبدأ الصراحة مع الأبناء، ودون أن يكون هناك دائماً عقاب في انتظارهم في مثل هذه اللحظات من الصراحة.

بعض الفتيات استغرقها الأمر عاماً كاملاً حتى تستوعب ما يحدث لها من تغيرات، وحتى ترضى بالأمر الواقع لما يحدث لها. والبعض منهن ينظرن إلى جسدهن دون تقبل له ولا لما آل إليه..
ربما لا يتوقف الأمر على مرحلة البلوغ؛ بل يمتد أيضاً إلى الزواج، والتي لا يتحدث فيه أحد مع المقبلين على الزواج سواء من الشباب أو الشابات، مما يجعلهم يلجأون إلى أصدقائهم، أو إلى كتب لا يعلم أحد حقيقة شرحها للأمر.

لتبدا حياتهم الزوجية دون معرفة كيف هو الزواج، أو بأن أحد الطرفين، وغالباً ما يكون الشاب، هو ما يعرف ربما أكثر مما يتطلبه الأمر، فيبدأ علاقته بزوجته في انتظار الكثير الذي لن تقدمه له هي الآن..

يختلف الأمر كثيراً ما بين عالمنا العربي والعالم الغربي، ففي الوقت الذي لا يتم فيه ذكر معلومة واحدة عند الأول، يقابل الغرب ذلك باختلاف 180 درجة، حيث يقوم بشرح كل شيء في سن صغيرة، على اعتبار أن سن البلوغ عند الفتاة قد تكون عند إتمامها للحادية عشرة من عمرها، وعليها أن تعلم كل شيء قبل دخولها في هذه المرحلة، بما فيها كيفية منع الحمل، حتى تستطيع تجنب الأمر؛ نظراً لطبيعة العلاقات المفتوحة في هذه المجتمعات.

المبالغة من الطرفين غير مقبولة، ربما بالاعتماد على شرح ما قد يقابل الأطفال وهم على مشارف سن البلوغ من تغيرات مختلفة، فسيكون في هذا ما فيه الكفاية، وما يوفر حقاً فائدة وحماية للطفل، حيث يُقبل على مرحلة البلوغ، عارفاً ما سوف يقابله، متفهماً لكل ما سيصاحب ذلك من تغيرات، ليس السبب فيها أنه قد أصبح شخصاً سيئاً، ولكن اختلاف الهرمونات في جسده سيجعله أحياناً من دون معرفة منه في حالة مزاجية، لن يفهمها هو نفسه. يدخل مرحلة البلوغ والمراهقة، وهو راض عن الاختلافات الجسدية المرافقة لذلك، غير رافض لها، أو خجل منها. يعلم أن ما يقابله هو أمر طبيعي لا قلق منه ولا خوف.

كان من أهم ما تم ذكره لنا، بوصفنا أولياء أمور للطلبة المزمع تدريسهم التربية الجنسية لهذا العام، في المدارس الألمانية، أنه قبل أن يتعرض الطالب للأمر في المدرسة، وسماع المعلومات منها، فعلى أهل كل طالب أن يتحدثوا معه قبلها، فيذكرون له المعلومات بطريقتهم، وأسلوبهم.

ما أراه أن على الأهل الحديث مع أبنائهم بشكل أكثر استفاضة، بلا حواجز للخجل وخلافه، فمهما كان ما سيتم ذكره في المدرسة، فإن الطلبة يتحدثون فيما بينهم عن الأمر مطولاً وكثيراً. فحديث الأب مع ابنه، أو الأم مع ابنتها منذ البداية، يجعلهم يتحكمون إلى قدر كبير في المعلومة الأولى التي يتلقاها الطفل.

فيمكنك حينها التحدث عن الأمر كمعلومات طبية، مطعمّاً بموقف الإسلام كدين من الأمر كله، قواعده وآدابه وحواجزه، مع ترك المجال مفتوحاً دائماً للحديث حوله في حالة وجود المزيد من الأسئلة عند الطفل، لن يتم ذلك بشكل مناسب، إلا بوجود مساحة كبيرة من الصراحة وعدم الخوف من الحديث حول أي موضوع كان، ما بين الآباء وأبنائهم.

عمل محاضرات للأهل للحديث حول التربية الجنسية، واهتمام الأهل بأن يكونوا هم المتحدث الأول مع أبنائهم، مع مراعاة كمية المعلومات المناسبة لكل عمر، ربما يكون هو الحل الأمثل لهذه المعضلة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد