أريد أن أقول “لست بخير” عن سؤال “كيف حالك؟” دون أن يتم استجوابي!

مهما أكْثَر من هم حولك من الادعاء بأنّهم معك، فستكتشف في لحظة أنّهم كاذبون، ستمر عليك أمور في حياتك لا تقولها لهم؛ لأنّك قد فقدت الرغبة في ذلك، أو لست مستعداً للتبرير أو الشرح، تتمنى أن يأتي أحدهم، ينظر بعينيك، يتمتم مقارباً بين شفتيه..

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/28 الساعة 01:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/28 الساعة 01:51 بتوقيت غرينتش

مهما أكْثَر من هم حولك من الادعاء بأنّهم معك، فستكتشف في لحظة أنّهم كاذبون، ستمر عليك أمور في حياتك لا تقولها لهم؛ لأنّك قد فقدت الرغبة في ذلك، أو لست مستعداً للتبرير أو الشرح، تتمنى أن يأتي أحدهم، ينظر بعينيك، يتمتم مقارباً بين شفتيه: "أنا أعرف أنّك لست بخير، ولكنّي لن أستجوبك، سأعطيك من حناني القليل لتدرك أنّني معك، وإن ابتعدت، أنّني لك وإن أبيت، أنا هنا وإن لم تشعر"، وأنت غارق بأحلامك تنتظر تحقيق ذلك، ستصحو في لحظة ما لترى أنّك مبعثر بين أوراق مبعثرة، في غرفة حيطانها بيضاء، يكسر شحوبها أثاث زهري طفولي، على قدر طفولة هذا اللون تتمنى أن تعود طفلاً، ليس لشيء وليس لكي تعود لتشرب حليباً سريع الهضم لا يرهق أمعاءك ولا ليحتضنك أي مكان في البيت لكي تنام، ولكن جل ما أريده الآن هو راحة البال، اشتقت لها كثيراً، ولكنّي أصبّر نفسي بأنّ الله إذا أحب عبداً ابتلاه.

ذكرتني هذه الأيام بمرة فقدت فيها توازني ووقعت، التوت قدمي اليمين وكنت أنا السائق المفترض أن يوصل أمّي للبيت، ابتسمت بوجه أمّي، اتخذت مكاني، ثم التفت إلى الجهة الأخرى دون أن تراني وبت أبكي من الألم، والذي أسعفني في ذلك هو الظلام الذي أحاط بنا، لم أستطِع أن أتماسك وكان كل من بالشارع يطالبني بأن أساير سرعته الجنونيّة، خلاصة الدرس الذي أعطاني إياه ذلك الموقف أنّك عندما تتألم لن يكون معك إلا الله، لن يسعفك إلا الله، ولن ينقذك إلا الله، تألم كما شئت، لن يشعر بك بشر كما تريد، لن يعطيك أحد ما تنتظر، ولن يشفي أحد ما يعتري قلبك من احتياج.

بكلامي هذا، لا أحاول التقليل من قيمة ما يفعله لي الآخرون لكن كل شخص منا لديه ما يشبعه من هموم مثقلات.

في مرة قرأت لشاعر ما معناه أن فكّر بغيرك عندما تفعل الكثير، وكان يدعو بها إلى تقدير النعمة وعدم ازدرائها، وأن يصيب الآخرين من الحب جانب.

اليوم عندما كنت أسير بعدما أن هربت من الدار هروباً، استعرتها منه وأستميحه عذراً لذلك وبت أردد "فكّر بغيرك" ولكنّ ترديدها أخذ مني منحى آخر، فكِّر بغيرك كل ما أردت أن تثبت نفسك على حساب الآخرين، فكِّر بغيرك عندما تفكر أن تناقش والدك بشيء تافه، يغضب فيهتز توازن البيت، فكِّر بغيرك عندما تقرر أن تتزوج كائناً من كانت؛ لأننا وإن لم تدرك فنحن كيان، فكِّر بغيرك عندما تقرر أن ترمي نفسك بالوحل، لعاطفتنا الغبيّة نسارع كي ننقذك، تتناثر علينا بقع الضياع، تنتشر في كل بقاع أرواحنا وكما ضعت أنت فنحن نضيع، فكِّر بغيرك فأنانيتك قد أفقدتنا من أفراحنا الكثير.

صباحاً، كنت مستغربة من نفسي، رغم معرفتي بخبر اعتقدت أنّه لا يوجد ما هو أسوأ، كنت لا مبالية، فقط كنت أبتسم مع من يمر، أتابع نمط حياتي الرتيب وإن انفردت بنفسي فإنّني أنزل دمعة كتصبيرة، وإن مر من جانبي أحد "لا شيء، حساسية فقط"، عدت للمنزل فأخبرت بما هو أسوأ بكثير. أشعر بكبت رهيب، سآوي إلى فراشي، أضحك على نفسي بأنّي سأستطيع النوم، شيء بداخلي يخبرني بأنّ كل شيء سيكون على ما يرام، تلك هي الثقة، وشيء آخر يخبرني بأنّ أمامي من المصائب الكثير، هذا هو المنطق وبينهما أنا أُرمَى.

باختصار.. أنا مطالبة بأن أصحو صباحاً، أجامل الجميع، أستمتع بالعلم الذي أتلقاه، أعود للبيت، أرى عيني أمي المتورمتين من البكاء، لا أبدي أي تفاعل، أحبس نفسي في غرفتي، أضيع بين كتبي ومن بعدها أنام بكل برود، والله أنا بشر، أتأثر بما تعانون، وأخاف أنّ العلم الذي أدرسه سأراه عليكم حقيقة.

حقيقة لا أنكرها هي أنّ من لطف الله بي أنّني مسلمة؛ لأنني لو لم أكن كذلك، لم أكن لأكون هنا منذ زمن وأكثر ما يصبرني على تكالب الناس عليّ "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"، أتعلمون شيئاً، ما أسوأ شيء من الممكن أن يحدث؟ الشيء الذي باعتقادي لا سوء بعده، الشيء الذي سأرجف من البكاء بسببه، سأنهار وسأدّعي بأنّي غدوت أشلاء متفرقة بعده، هو نفسه ذلك الشيء الذي من المؤكد أنّه الخير، بكل وضوح لن يتجرأ أحد على ضري وإن أبدى استعداداً لذلك، سيقترب شيئاً فشيئاً، ابتسامة الشر تفارق بين شفتيه، نظرة الحقد تتبين في عينيه ولكن سيوقفه الله عندما يشاء، أتدرون لماذا؟ لأن الله خالقي، مدبر أمري، ميسر شأني، ومن عليه المتكل، حماني من الصعاب التي مضت، فارق بيني وبين كل من آذاني مسبقاً، أعطاني نعماً لو احتسبت عمري لعدّها ما انتهيت، كفاني شروراً ما اعتقدت أنّها زائلة، أخرج يونس من الحوت الذي قبع تحت الظلمات، وأنجى هوداً من رياح مرسلات عاتيات، وأنجى خاتم الأنبياء من كل المشقيات، فيا قادراً على كل شيء، في القلب علة ويخنقني الكثير، ربّ ففرّج هموماً يا من بيده كل التدبير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد