في الوقت الذي نطأ فيه هذا العالم، يبدأ الكل برسم خطانا، كأننا ضريرات لا نستطيع أن نشق دربنا وسط عتمة التظليل الذي يمارسه الرجال باحترافٍ، في عالمٍ ما زال يؤمن بأن ظل الرجل وحده كفيل بتحقيق الأمان حتى وإن كان ذلك الأخير لا يمتلك من الرجولة غير الاسم.
حين تكتشفين أن لك صوتاً سيقف الجميع على إخراسك كي لا تسببي لهم ألم رأسٍ في مجتمعٍ، وحده صوتُ الرجل يُطرب وإن كان نشازاً ونعيقاً. ستبدئين بالهمس وسينشغلون عنك؛ فإما أن تغادريهم أو تغادري نفسك وتضيعي وسط النسخ، أو حتى تؤمني بأنهم صُمٌّ فتتوقفين عن الحديث.. سيعلمونك الصمت ويقولون إن صمتك موافقة.
في الوقت الذي يُخبرك العالم بماذا تكونين للرجل حتى يظل إلى جانبك ولا يهرب كأنكِ ستصطادين أرنباً.. لا تكوني! حين يهدوك كتب: "ما لا يحبه الرجال في النساء" و"عشر حيل وخطط للفوز بقلبه".. لا تقرئي! هل رأيتِ يوماً ما رجلاً ماسكاً كتاباً تحت عنوان: "كيف تجعل حبيبتك سعيدة؟"! لا ولن تجدي أبداً؛ لأنك كحبيبة تأتين غالباً بعد كل شيء: بعد الأصدقاء، وكرة القدم، والعشيقات السريات، ومن ثم أنت كقطعة أثرية يُزيّن بها الغرفة الأمامية للبيت؛ لأن لكل رجل عربي في مجتمعنا متحفاً صغيراً داخلياً؛ لكل أولئك النساء اللاتي مررْنَ وتركْنَ تذكاراً ما قد يكون: كلمة، ابتسامة، عطراً أو ربما اسماً ظل راسخاً في ذاكرة أَبتْ إلا أن ترتعش لمجرد ذكره.
كلهم يمتلكون هذا البيت في دواخلهم، بالإضافة إلى غرفة سرية مغلقة تحمل بداخلها جثة المرأة الأولى في حياته، تلك التي نظرت إلى العينين العسليتين ونطقت بجبروت: سأرحل وأتركك لنساء الأرض؛ لعلهن يجدن فيك من بعدي ما يستحق الحب.
إنها عقدة ذكرى الحب الفاشل الذي يأبى أن يقتسمها مع شخص آخر فيظل يكابر بانهزام لعله يجد العزاء في أخرى تشتم رائحة نتانة الجثة بداخله، لكنها تداوي الجروح دون السؤال عن الجلاد الذي سلخ جسد الحب وترك خلفه روحاً، لكثرة الألم ضاعت وما زالت تبحث عن بر الأمان في أعينٍ لا تعرف للماضي طريقاً.
بل وحتى في بحث عن الأمان بصدر امرأة تقبله كما هو، يظل يتوجس ويحسب الخطوات كي لا يكون الأكثر حباً والأكثر عطاء؛ لكي لا يفقد السيطرة ويكون سي السيد كما عودوه أن يرى نفسه في المسلسلات التي حاكت لنا أسطورة الفارس العربي المغوار، لذا لا تكوني له تلك المزهرية الجميلة المهملة في أحد أركان قلبه الكبير.
حين يحاصرك الكل بتلك الأسئلة الروتينية والبائسة عن رجل المستقبل وعن وجود أي مشاريع زواج -رغم أنك للتو وضعتِ أول حلم للحياة في سن العشرين- لا تهتمي؛ سيظلون يرونك ناقصة من غير رجل، امرأة غير مكتملة الأنوثة لطالما لم تتمكني من الاستحواذ على رجل في زمنٍ قلّ فيه الذكور وأصبح الرجال عملة نادرة. رغم كل الإنجازات والطموحات الكبيرة، فإنه يجب أن تكوني ظلاً لرجل فاشل، تصنعين منه أمام الناس رجلاً عظيماً لكي تتفاخري به.
حين ستبلغين عقدك الثالث سيجبرونك على التنازل عن بعض من شروطك أو ربما كلها؛ لأنك ما عدت لهم شابة يافعة. وفي الوقت الذي ستبنين فيه مستقبلك وحدك وتبدئين فيه رحلة البحث عن نفسك بدل البحث عن رجل في المناسبات، سيخبرونك بأنه ربما عريسك الأخير وفرصتك للنجاة من لقب العانس.. حينها لا تجادلي فقط لا تتزوجي.
سأخبرك بسرٍّ؛ الرجال لا يعرفون ماذا يريدون حين يتعلق الأمر بالمرأة، فهو يريدها إما بالنهار طاهرةً تتقن الطبخ والغسيل، وبالليل امرأة تتقن العهر بأناقة، ترفعه إلى السماء السابعة كي ينسى معها كل شيء وأي شيء كان يشغل باله. هو يريدها مثقفة، لكن ليس بقدره، جميلة لكن غير واثقة بجمالها، مهنيّة لكن أكبر طموحها رجل لا يهرب؛ كأننا أصبحنا نلعب أو نحارب في قصص الحب! هو يريدها أن تجمع كل المتضادات شرط ألا تكون سكيزوفرينية! باختصار، امرأة من شمع تشعل دربه وتذوب حباً وتفانياً.. فلا تكوني له هذه المرأة، لا تكوني من شمع ولا ورق ولا حتى من خشب فينحتك كما يشاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.