في ظل غياب الوطن.. لنتصالح مع جهلنا

أسفي على كل الأجيال التي لن تحظى برؤية الحضارات وستكتفي بالمرور على رماد الثقافات، وتُردد مُشككة: "أيُعقل أن تكون قد مرَّت حياةٌ مِن هُنا؟".. نعم، مَرّت حياةٌ من هُنا، فرفقاً بكوكبنا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/26 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/26 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش

يقول أحمد مُراد في تُراب الماس: "أظلم الأوقات في تاريخ الأمم هي الأوقات التي يُؤمن فيها الإنسان بأن الشر هو الطريق الوحيد للخير".

أعتقد أن أممنا قد وصلت لأول دهليز في الظلُمات، وأن الشر قد أتقن حقاً ارتداء ثوب الخير المُفصل حسب الطلب، بلا أي نسلة أو خطأ في الدرزة أو القياس أو اللون!

بنظرك، ما الحاجة من استمرار الحياة على هذا الكوكب الهش، كوكب يعتقد بعض قاطنيه أو بالأصح زائريه أن الأعمار تزداد بموت الأغلبية، وأن حق البقاء لا يأتي إلا بفناء الأغلبية الأخرى، وأن الجنة لن تتسع لي إلا إذا قذفتك ببطن النار، اعتقادات قبيحة جداً بعيدة عن الفطرة التي خُلقنا عليها!

في سنوات الدراسة الأولى كانت الكتب والمناهج الدراسية تعج بذكر الحضارات والثقافات الممتدة بين قطبَي هذا الكوكب الأخضر الأزرق، وكانت قشرتنا الأرضية تحتفظ بجزءٍ لا بأس به من صورة القلعة التي في الكتاب، كوكبنا أصبح رماداً مبللاً باحمرار الأوردة، لا حضارة تُذكر، ولا ثقافة يُفتخر بوجودها، ولا حتى نظريات قد تقترب من جدار القلب، جزء كبير من هذا الكوكب بما فيه يحتضر، وأين نحن من كل هذا؟ أين نحن من هذه الإبادة الفكرية؟

أيني أنا وأينك أنت؟ ما الذي ينقصني أنا وأنت لإيقاف هذه المهزلة؟ ما الذي ينقصنا جميعاً لنشر وزرع فكر مضاد لما يُزرع حالياً؟

أتفاجأ أحياناً -بفخرٍ مخدوع- من نسبة الوعي الذي أستطيع رؤيته مختوماً على وجوه من حولي، وقراءته بين سطورهم، وتذوق لسعة حب الدفاع بين خطاباتهم النارية، إن كانوا جميعاً يعون حقاً حجم المُعضلة التي تلم بنا فهذا يعني أن القلة هي التي تتحكم بنا وبزرع وحصد أفكار أغلبيتنا المغشي على أدمغتهم، أو أن هناك انفصاماً حاداً في الشخوص الواعية!

ماذا يعني أن تكون مفصوم الوعي؟

يعني أن تكون واعياً للواقع وما يتخلله من دمارٍ لا يُعجبك ولا يُرضيك، ومع ذلك لست تقوى على المبادرة في التغيير، غير قادر على البوح بفكرك، إن كان هناك مُعارضٌ يسمعك، أن تُجيد الصمت عند اللاحاجة للسكوت، وأن تتحدث عند اللاحاجة للكلام، أن تُدافع عن الإنسانية وتراها تتهاوى أمام ناظريك، ولا تحاول الإمساك بيد أحدهم، أن تتجرد بلحظة من كل قطرة دم تسري في أوردتك لتجعلك شبيهاً بالبشر.

شاهدت فيلماً مرة دار حوار أحد مشاهده بين البطلين، فسأل أحدهما الآخر: ماذا ترى حين تراني؟ فكان الجواب: لا شيء، نسلة قُماش أو غطاء علبة، شيء عليَّ إزالته والتخلص منه!

وكنطاق أوسع وصورة أوضح وفيلم أكثر واقعية، ما قولك حين ترى أمتك نسلة قماش أو غطاء علبة في أعين المؤثرين فكرياً؟ ما قولك حين ترى بيتك غطاء علبة، وحدود وطنك نسلة من خرقة؟ قاسٍ هذا التشبيه!

أرجوك لا تنفصم فكرياً، وكُن حامياً لعلبتك وللرداءِ الذي يتوسد نسلات حدودك، لستُ آسفة على زعيم بكرسي ولا على حي تشققت أتربته، ولا على شجرةٍ بكت غصنها المبتور.

أسفي على كل الأجيال التي لن تحظى برؤية الحضارات وستكتفي بالمرور على رماد الثقافات، وتُردد مُشككة: "أيُعقل أن تكون قد مرَّت حياةٌ مِن هُنا؟".

نعم.. مَرّت حياةٌ من هُنا، فرفقاً بكوكبنا.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد