نسجن إسلام البحيري ونترك أصحاب فتاوى نكاح الجن.. أهلاً بكم فى بلادنا

المفكرون في بلداننا يدخلون السجن ويتعرضون لهجوم الغوغاء... والمكفرون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/24 الساعة 06:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/24 الساعة 06:46 بتوقيت غرينتش

وخرج إسلام البحيري من السجن… خرج تقريبا بعد انقضاء المدة كاملة (الحبس النافذ لمدة سنة) بموجب عفو رئاسي شمله (متأخرا) مع بضعة عشرات من المجرمين.

فهل نفرح؟ أم نبكي لواقعنا البئيس الذي يخاف المفكرين أكثر مما يخاف المجرمين؟ واقعنا الذي يضع الباحثين في السجن، ويتسامح مع ناهبي المال العام ومع المغتصبين ومع القتلة ومع اللصوص. واقعنا الذي تكرس فيه السلطة ويكرس فيه القضاء حكم الغوغاء والجهلة، بهدف كسب شرعية أكبر باسم (استغلال) الدين؛ بينما هما في الواقع، يدعمان استعمال الدين من أجل استغباء الشعوب واستغلالها…

باحث شاب، ذكي، جريء، مثقف… ندخله السجن لمدة سنة كاملة (تقريبا) بتهمة ازدراء الأديان. في نفس الوقت، سنترك أصحاب فتاوى شرب بول البعير وحكم نكاح الجن ونكاح الصغيرات منذ سن السنتين وحكم ضرب المرأة… سنتركهم يتمتعون بالحرية وبالمنابر. كما نترك فقهاء المساجد وإمام الحرم المكي نفسه يدعون ليلا ونهارا على النصارى واليهود بأن يشتت شملهم ويرمل نساءهم وييتم أطفالهم. فازدراء الأديان في مصر وفي معظم بلداننا البئيسة… أحادي القراءة.

المفكرون في بلداننا يدخلون السجن ويتعرضون لهجوم الغوغاء… والمكفرون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

يدخل إسلام البحيري، الباحث المصري الشاب، السجن لمدة سنة… وكأنه يهدد أمن المجتمع.. وكأنه مجرم. بينما هو لم يهدد إلا أعمدة الرجعية والتخلف.

ولكي نكمل الإخراج الدرامي لمأساتنا… ننتظر انقضاء المدة، لكي نجعل باحثنا الشاب يستفيد من عفو رئاسي. قرار يمكننا أن نحاول جاهدين لقراءته إيجابيا: قد يكون انتصارا على صوت الغوغاء ودفاعا عن التنوير؟ ربما… لكنه، في هذه الحالة، جاء متأخرا جدا. جاء بعد أن كرست السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، محاربة التنوير… بل أكثر وأخطر من هذا، فقد تم العفو عن إسلام البحيري، السجين بتهمة رأي، بتهمة فكر، تم الإفراج عنه مع بضع عشرات من المجرمين. هكذا، يلبس هذا العفو الرئاسي ثوب الرحمة، ويربح مرتين حين يجعل إسلام البحيري في كفة المستفيدين من سخائه ورحمته (ليصبح بذلك مدينا له بحريته)… وحين يضعه في خانة المجرمين… بل إن الإخراج الدرامي يذهب بعيدا في ماكيافيليته، حين يجعله يستفيد من العفو، تقريبا بعد انقضاء المدة.

لذلك فبقدر ما فرحت لعودة إسلام البحيري لشغبه الجريء والجميل بحرية… بقدر ما أشعر ببعض المرارة من واقع بئيس ننتمي إليه، يحارب الفكر الحر لكي يصنع أصناما جديدة باسم الدين. يخاف على تدين العامة من حرية الفكر، وينسى أن هذا الخوف يترجم أكبر ازدراء للأديان للإسلام: حين نعتبره هشا لدرجة قد تحاربه فكرة، سؤال أو جملة.

مأساتنا… أننا نحاكم أولئك الذين "يزعزعون" قناعاتنا البالية. الذين يحركون برك المياه الآسنة لأفكارنا المهترئة وغير الصحيحة في مجملها. الذين يدعوننا للتفكير. الذين يرفعون تكلسات التجهيل التي تراكمت على مدى قرون في أذهاننا. نعتبر أنهم يهددون المجتمع كما قد يهدده أي مجرم يقتل ويسرق ويعتدي على حقوق الناس… مأساتنا، أننا نخاف الحرية. حتى التدين نريده تحت الإكراه.

هذه التدوينة منشورة على موقع الحدث انفو.. للإطلاع على النسخة الرئيسية اضغط هنا

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد