تستمر الحرائق التي اندلعت في إسرائيل، لليوم الثالث على التوالي بأماكن عديدة، وذلك مع الجهود المضنية للحكومة الإسرائيلية لمواجهتها، والمساعدات التي قدمتها الدول الأخرى لإطفائها.
ووسط الرعب من استمرار هذه الحرائق بسبب الجفاف في المنطقة، تم إجلاء السكان من بعض المستوطنات الإسرائيلية، وظهرت بعض المزاعم التي تقول بأن الحرائق تقف وراءها جهات سياسية، فالبعض يتهم العرب، والبعض الآخر يشير إلى استغلال الحرائق للتغطية على قضية الفساد الحالية المثارة ضد نتنياهو. فما حقيقة هذه المزاعم، وما سبب استمرار الحرائق حتى الآن؟
حجم الكارثة
يعتبر هذا الحريق هو الأسوأ في إسرائيل منذ حرائق عام 2010 بغابات جبل الكرمل بالقرب من حيفا، والتي راح ضحيتها 40 شخصاً، واضطرت إسرائيل حينها إلى الاستعانة بالولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى بأوروبا لإطفائها.
طبقاً لصحيفة "هآرتس"، يُرَجَح أن السبب في استمرار هذه الحرائق هو الرياح الجافة الشديدة التي تمر بالبلاد. ويتوقع الخبراء أن تزداد شدة الرياح الجمعة، ما يعني إمكانية استمرار الحرائق فترة أطول.
لم ينتج عن الحرائق حتى الآن أية خسائر بشرية، ولكن تفيد التقارير باستقبال المستشفيات بعض الأشخاص المصابين بالاختناق جراء الدخان. أما بالنسبة للخسائر الاقتصادية، فقد دمرت الحرائق عدداً من المنازل والسيارات يومي الثلاثاء والأربعاء.
نظراً للحجم الكبير للحرائق وانتشارها، يشارك عدد كبير من وحدات الإطفاء المدنية والعسكرية بإسرائيل في محاولات الإطفاء. فطبقاً لموقع "جويش نيوز"، وصل عدد فرق الإطفاء المدنية المشاركة في إطفاء الحرائق إلى 30 فريقاً، ويشارك 12 فريقاً إطفائياً تابعاً للجيش الإسرائيلي في محاولات الإطفاء. كما استخدمت السلطات الإسرائيلية عدداً من الطائرات من أسطولها الإطفائي، الذي قامت ببنائه بعد حرائق عام 2010.
مساعدات دولية
في استجابةٍ لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قامت بعض الدول الأجنبية بتقديم الدعم والمساعدة لإسرائيل في إطفاء الحرائق.
فطبقاً لصحيفة "جيروزاليم بوست"، أعلن مكتب نتنياهو مساء البارحة عن إرسال روسيا وكرواتيا واليونان طائراتها للمساعدة على إطفاء الحرائق، وطالب نتنياهو هذه الدول بإرسال مزيد من الطائرات في ضوء الانتشار المتزايد للحرائق، والتي خرجت عن السيطرة بعدة مناطق.
كما أفادت بعض التقارير بانضمام تركيا وإيطاليا وقبرص إلى الدول الأجنبية التي تحاول المساعدة على إنهاء الأزمة.
ووجه نتنياهو أوامره لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي بالتعامل مع الاستغاثات التي تأتي من مختلف الأجهزة الحكومية التي تتعامل مع الحرائق، حتى يمكن التنسيق بشكل أفضل وأسرع مع الدول الأخرى.
أجندات سياسية أم مجرد ظاهرة طبيعية؟
مع حالة الجفاف بالجو والرياح الشديدة التي تمر بالبلاد، ومع تأكيد السلطات الإسرائيلية عدم وجود أدلة حتى الآن على وقوف أية جهات وراء هذه الحرائق، فإن البعض يزعم وجود أجندات سياسية خلفها.
العرب متهَمون
فطبقاً لتقريرٍ نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست"، يقول بعض المسؤولين والسياسيين الإسرائيليين إنَّ سكاناً عرباً يقفون وراء هذه الحرائق، وإن هذه الحرائق يمكن اعتبارها عملاً إرهابياً ضد إسرائيل. وهو ما ظهر في تصريح أمير أوهانا، عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود، الذي قال إنَّ هذه "الحرائق تُظهِر أن العرب يريدون تدمير الدولة اليهودية الوحيدة أكثر مما يريدون إقامة الدولة العربية الثانية والعشرين".
وتتفق وزيرة الرياضة والثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف مع أوهانا في ظنه، وتقول إنَّ "أي شخص لديه عينان ومخ يمكنه استنتاج أن هذه الحرائق بعدة أماكن في إسرائيل ليست طبيعية. يجب أن نجد هؤلاء الإرهابيين الذين يحرقون غاباتنا ويهددون حياة البشر". وهو التصريح الذي يشبه في مضمونه تغريدة وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، التي قال فيها إنَّه فقط من لا تعنيه تلك الأرض وليس له حق بها سيُقدم على إحراقها، في إشارةٍ إلى الفلسطينيين والعرب.
إلا أن المحامي أيمن عودة، رئيس القائمة العربية اليهودية المشتركة بالكنيست، رفض هذه الادعاءات، وقال إنَّه يشعر بالشفقة ناحية الأشخاص الذين "اختاروا استغلال هذا الوضع الرهيب للتحريض". وعبّر أيمن عن آماله في القضاء على هذه الحرائق قريباً.
تغطية على قضية فساد كبرى بالحكومة الإسرائيلية
من ناحيةٍ أخرى، كتب الكاتب جوشوا دافيدوفيتش بصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن اهتمام بعض الصحف الإسرائيلية بتغطية أزمة الحرائق على حساب قضية الفساد المثارة حالياً ضد نتنياهو ومحاميه ديفيد شيمرون، المتهم بالضغط على وزارة الدفاع لشراء عدد من الغواصات من شركة "تيسين كروب" والاستعانة بالشركة في تصليح وترميم سفن البحرية الإسرائيلية، في صفقةٍ مشبوهة كلفت الحكومة الإسرائيلية عدة مليارات شيكل.
وأشار جوشوا إلى اهتمام معظم الصحف ووكالات الإعلام بمسألة الحرائق، وإفراد الصفحات الأولى لها، بينما تراجعت تغطية قضية الغواصات إلى الصفحات الأخيرة، وذلك مع أهميتها التي ربما تعبر عن وصول الفساد إلى أعلى مستويات السلطة الإسرائيلية.