يكثر النقاش في أوساط بعض المثقفين، لا سيما في بعض الجروبات داخل العالم الافتراضي، عن الأولويات الاجتماعية والصراعات والهموم الاقتصادية.
وفي مداخلة لأحد الأصدقاء، أسرد قوله (منقول بتصرف): "الأولويات نوعان:
1- معلنة.
2- حقيقية.
الأولويات المعلنة تتجلى في الخطابات والأدبيات الوعظية أو الصحفية.
الأولويات الحقيقية تتكشف في الإنفاق في المال والوجه والوقت.
وجود تعارض بين الأولويات المعلنة والحقيقية يسمى نفاقاً اجتماعياً أو نفاقاً بمسميات أخرى.
وجود مبالغة بين المعلن والحقيقي يسمى رياء اجتماعياً، ولهذا الرياء مآرب وأهداف لجهات معينة، وعادة تتضح الصورة مع تقادم السنين.
تطابق المعلن مع الحقيقي يكشف عن الصدق والوضوح والاندماج والسعي لخلق ما يصبو إليه ذلك المجتمع.
ترتيب الأولويات مهم جداً؛ لأنه يمكن أن يكشف لنا عما يضحي المجتمع من أجل الحصول عليه"، انتهى النص المنقول.
قد يكون النص المنقول محط اعتراض لدى البعض على بعض مفرداته، أو ينتقد بعض جزئياته، ولكني أعتقد أن روح النص تستحق أن تكون منصة لتقييم المجتمعات ومصداقية أعمالها، لا سيما في مجتمع الأقليات وتجمعات أبناء المهاجر.
لنضرب مثلاً لتقريب الصورة، بعض المجتمعات العربية الآن تعيش فوضى أمنية وشحة اقتصادية، وفقر ابتكارات علمية، وتفشي عولمة سلوكية، وزيادة سلوك استهلاكي، وانحداراً في القطاع الصحي، وزيادة بطالة، وغشاوة في الرؤية الاستراتيجية، وهجرة أدمغة وتلاشي أموال.
عندما تجلس تحت منابر الخطباء، ثم بعد ذلك تفتح جهاز التلفاز، ثم تقرأ الصحافة المطبوعة، وتعرّج على منتدى ثقافي في النت وتتابعه بالحديث مع عامة الناس في المقاهي الشعبية، ستسجل عشرين أولوية ووصفة علاج للواقع، وكل تلك الوصفات متداخلة مع بعض، ولكن حتماً لن تجد ذاك المجتمع قد نجح في صياغة جدول أولويات، وفرز آليات لمعالجتها، مع جدول زمني واضح لفترات زمنية في المعالجة؛ ليتم التتابع في الحل للأولويات الثانية ثم الثالثة وهكذا، كل ما ستسجله هو أحد الأمور الثلاثة المذكورة آنفاً.
على النقيض من تلك الصورة تجد في بعض المجتمعات الناهضة الواعية والساعية للحفاظ على وحدتها الاجتماعية وأمنها الاجتماعي ومكتسباتها التراكمية، ستسجل سعياً حثيثاً للتطور والرقي، والسعي للصدارة.
لن أطيل في السرد والاستشهاد، ولكن بدراسة ميدانية لواقع تشرذم الأقليات داخل وطنها الأم في بعض الدول الشرق أوسطية، وكذلك تشرذم الأقليات العربية فيما بينها في مواطن المهاجر الأميركية والكندية والأوروبية والشرق الأقصى، تؤكد ما ذهب إليه قائل المقالة السابقة بعالية من تفاوت الخطاب الواقعي والحقيقي.
من أحد أهم ما تعلمته من دراستي الجامعية قبل ثلاثين عاماً من أستاذي الفاضل الأردني الفلسطيني الأصل محمد أبو الليل، هو ممارسته العملية من خلال استطلاعه الثقافي بين ما يقال في الجامع والشارع والصحافة والمجالس الشعبية حيثما حلَّ؛ ليرسم واقع الصدق أو الرياء أو النفاق، والاستحواذ في ذاك المجتمع أو هذا.
ختاماً أتساءل بيني وبين نفسي: ما هي الأولويات والبرامج والآليات ومعايير قياس الإنجاز التي وضعها أبناء بعض مجتمعاتنا العربية ولو على مستوى المثقفين أو العلماء لعام 2017م.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.