تسعى خطة طرحتها الأمم المتحدة لإحلال السلام في اليمن لحرمان جماعة الحوثي المسلحة من ترسانة الصواريخ التي تملكها، والتي تقول مصادر أمنية يمنية إنها تضم عشرات وربما مئات الصواريخ الباليستية من العهد السوفييتي والمصوّبة نحو السعودية.
لكن من الصعب الإجابة عن سؤال ما إذا كانت الجماعة المتحالفة مع إيران ستتخلى عن الصواريخ المخبأة في وديان جبلية والتي منحتها قوة رغم استمرار الحرب منذ 20 شهراً.
وقالت المصادر الأمنية لـ"رويترز" إن الجماعة تملك صواريخ سكود، وصواريخ توشكا الأقصر مدى، وصواريخ مضادة للسفن، وصواريخ غراد غير الموجهة، وصواريخ كاتيوشا؛ بل إنها قامت بتصنيع صواريخ أصغر محلياً أطلقت عليها أسماء مثل البركان والصمود.
والاحتفاظ بهذه الصواريخ قد يحصّن الحوثيين في جيب مسلح بصفة دائمة مثل حزب الله المتحالف مع إيران، الأمر الذي يعمّق الصراع الإقليمي على النفوذ بين السعودية وإيران ويهدد ممرات ملاحية رئيسية مثل خليج عدن الذي تمر عبره معظم حركة نقل النفط على مستوى العالم.
وكانت القوى الغربية والإقليمية تشعر منذ فترة طويلة بالقلق من أن تدفع منافسات داخلية معقدة وفرع تنظيم القاعدة النشط باليمن إلى حالة من الفوضى، وتحقق جانب كبير من هذه المخاوف العام الماضي.
وقد شن التحالف العسكري العربي الذي تقوده السعودية آلاف الغارات الجوية على الحوثيين منذ أطاحت الجماعة بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترَف بها دولياً وانتشرت في مختلف أنحاء البلاد في مارس/ آذار عام 2015.
ورغم أن إيران نفت، بشدةٍ، مساعدة الحوثيين، فقد تدخلت السعودية بسبب مخاوفها من أن يكون الحوثيون يعملون لحساب عدوها الإقليمي.
شكوك في مصير الخطة
وسقط في الصراع حتى الآن عشرة آلاف قتيل بينما انتشر الجوع والمرض في البلاد التي كان يشيع فيها السلاح والفقر حتى قبل الحرب.
لكن الحوثيين قد يشعرون بأن التنازل عن أقوى أسلحة اليمن لضباط محايدين والتحول إلى حزب سياسي وفق خطة الأمم المتحدة قد يضعفان مركزهم ويجعلانهم عرضة للهجوم عليهم.
وقال مسؤول أمني يمني كبير: "عندما استولى الحوثيون على صنعاء تولوا السيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة وعلى المناصب الرئيسية في الجيش وعلى الصواريخ".
وأضاف: "التخلي عن الجهاز الأمني سيكون أهم خطوة صوب ما تحتاج إليه البلاد أشد الحاجة وهو توحيد الدولة".
وانتهى الإثنين أجل وقف لإطلاق النار لمدة 48 ساعة لتمهيد السبيل لمحادثات السلام وتشكيل حكومة وحدة ليصبح أحدث حلقة في سلسلة من مساعي السلام الفاشلة، الأمر الذي يثير الشكوك حول مصير خطة الأمم المتحدة.
وأصابت عمليات القصف التي قادتها السعودية مخابئ الصواريخ تحت الأرض مراراً وأطلقت سحباً من الدخان الكثيف فوق صنعاء.
وفي أوائل الحرب، قال التحالف إنه دمر 80% من مخزون اليمن البالغ 300 صاروخ باليستي.
لكن الحوثيين تمكنوا من إطلاق عشرات الصواريخ على القوات المؤيدة للحكومة داخل اليمن وعلى السعودية خلال الحرب؛ منها صاروخ تم إسقاطه قبل أن يصل إلى مدينة مكة المكرمة على مسافة 600 كيلومتر تقريباً شمال الحدود.
ورغم أن صواريخ سكود معروف عنها عدم دقتها وأسقطت صواريخ باتريوت التي حصلت السعودية على معظمها من الولايات المتحدة، فقد سببت تلك الصواريخ القلق لدى دول الخليج العربية.
من مخازن الجيش
والصواريخ اليمنية التي استولى عليها الحوثيون من مخازن الجيش بعد سيطرتهم على العاصمة تراكمت على مدار عشرات السنين من خلال مشتريات قانونية من الاتحاد السوفييتي وكوريا الشمالية.
وقام الحوثيون بتطوير بعض الصواريخ لزيادة مداها، ويقول محللون عسكريون إن اهتمامهم التقني بالتصنيع المحلي لصواريخ أصغر ربما يشير إلى دعم خارجي.
وأسفر هجوم بصاروخ توشكا الباليستي في سبتمبر/ أيلول 2015 عن مقتل أكثر من 60 جندياً إماراتياً وسعودياً وبحرينياً خارج مدينة مأرب وسط البلاد، وتسبب آخر في مقتل رئيس عمليات المخابرات السعودية في اليمن وضابط إماراتي كبير بجنوب غربي البلاد.
وقال قيادي من القبائل المناهضة للحوثيين إن أفراد الاستطلاع التابعين له رصدوا أعضاء في جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة المدعومة من إيران قدموا المساعدة في الهجوم الذي وقع في مأرب.
وقال القيادي مشترطاً عدم الكشف عن هويته: "رصد رجالي القاذف الصاروخي ترافقه عدة عربات تحمل مستشارين من حزب الله ونقلنا المعلومات للتحالف، لكننا لم نتلق رداً".
وأوضح العميد أحمد عسيري المتحدث باسم التحالف، أن التحالف لا يملك دليلاً على وجود صلة لجماعة حزب الله بهذه الهجمات، لكنه يعتقد أن الحوثيين تلقوا مساعدة منها.
وقال عسيري إن التحالف لديه معلومات عن وجود لبنانيين يعملون مع المقاتلين الحوثيين ينتمون إلى حزب الله وعلى علم بوجودهم ومساعدتهم في تجديد الصواريخ وصيانتها.
وقال مسؤولون يمنيون وغربيون وإيرانيون إن طهران صعّدت عمليات نقل الصواريخ وغيرها من الأسلحة للجماعة في الأشهر الأخيرة.
ونفى العميد شرف لقمان، الناطق بلسان قوات الجيش اليمني المؤيدة للحوثيين، في بيان صدر هذا الشهر، أن تكون قواته قد تلقت مساعدات إيرانية، كما نفت إيران وحزب الله أيضاً، وبشدة، تقديم أي مساعدات للحوثيين.
باب المندب
كما هددت صواريخ الحوثيين حركة الملاحة عبر مضيق باب المندب على البحر الأحمر؛؛ فقد أطلقت الجماعة صاروخاًً تقليدياًً على سفينة حربية إماراتية في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول وصاروخاًً باليستياً بعد أسبوع على قوات مؤيدة للحكومة على جزيرة ميون الصغيرة عند أضيق نقطة في الممر البحري الذي يبلغ عرضه 25.6 كيلومتر.
وقصفت الولايات المتحدة مراكز للرادار على امتداد الساحل الخاضع لسيطرة الحوثيين بعد أن قالت إن سفينة حربية أميركية في المضيق تعرضت لمحاولة هجوم فاشلة بصواريخ أطلقت من البر. ونفى الحوثيون هذا الاتهام.
وقال دبلوماسي، طلب عدم الكشف عن هويته: "هذا مؤشر مقلق للغاية والتكنولوجيا المستخدمة من قوارب سريعة صغيرة إلى الصواريخ تبين محاكاة على أقل تقدير للأنماط البحرية التي استخدمتها إيران في الخليج".
غير أن توسيع نطاق الصراع بحراً ربما يقنع السعودية والولايات المتحدة بأن الحوثيين يرفضون التنازل عن وضعهم السياسي الذي ما زال مهيمناً داخل اليمن رغم الصراع الطويل.
وقال دبلوماسي آخر: "يبدو أن هذه طريقتهم في قول: (انظروا، هنا نحن قادرون على تدويل هذا الصراع. فلتأخذوا موقفنا على محمل الجد)".
صراع على السلطة
وبمقتضى خطة السلام التي تقترحها الأمم المتحدة، يقدم الرئيس هادي الذي يعيش في السعودية استقالته فعلياً مقابل خروج الحوثيين من المدن الرئيسية وتسليم سلاحهم لوحدات عسكرية محايدة.
ورغم أن هادي يعارض هذه الخطة بشدة، يقول دبلوماسيون ومسؤولون يمنيون إن مؤيديه في التحالف سئموا من جمود الصراع وقد يقبلون بخروجه من الصورة إذا أدى ذلك إلى إزالة الخطر العسكري الحوثي من على حدودهم.
وقد قبل الحوثيون خطة الأمم المتحدة التي ستسمح لمقاتليهم الذين اكتسبوا خبرة بالاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة وهو ما قد يتيح لهم الاحتفاظ بنفوذ على الساحة السياسية بالبلاد.
وقال مصدر دبلوماسي: "الحوثيون طالبوا بضمانات أنهم لن يتعرضوا لهجوم مفاجئ من داخل اليمن وأن يحتفظوا بدور سياسي رئيسي".
وأشار مسؤول حوثي إلى أن رفضهم تقليل حجم قواتهم يمثل مقاومة "وطنية" للمؤامرات الخارجية ويضمن النظام.
وقال الكاتب حميد رزق على موقع المسيرة التابع للجماعة الشهر الماضي: "من المهم الإشارة هنا إلى أن المؤامرة على القوة الصاروخية في اليمن سبقت القصف السعودي".
وأضاف: "كما بدأت في مرحلة صعود هادي إلى الرئاسة المؤامرة الأميركية لتفكيك الجيش اليمني من خلال ما يسمى بالهيكلة التي كانت بمثابة كلام حق يراد به باطل… وتمهيد الطريق أمام الفوضى وانتشار عناصر داعش والقاعدة".
ومنذ قرابة العامين، تشن طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية ضربات جوية وعمليات عسكرية على مدن سيطر عليها الحوثيون في 2015.