في مواجهة أزمة غير مسبوقة.. أعلن مجلس نقابة الصحفيين المصريين عن تشكيل لجنة لمتابعة أزمة الحكم بالسجن بحق النقيب واثنين من أعضاء مجلس النقابة بسبب اتهامهم بإيواء صحفيَّيْن في مقر النقابة كانا مطلوبين للأمن، على خلفية الاحتجاجات على تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية في أبريل/نيسان 2016.
كما قرر المجلس في اجتماع طارئ عقده يوم الأربعاء 23 نوفمبر/تشرين الأول 2016 تشكيل لجنتين أخريين لمتابعة القانون الموحد للصحافة والإعلام، وتداعيات القرارات الاقتصادية الأخيرة.
وأعلن المجلس عقب انتهاء الاجتماع المفتوح الذي حضره ما يقارب 1000 صحفي داخل مقر النقابة الشهير في وسط القاهرة، أنه بناء على ما ستتوصل له تلك اللجان سوف تتم مناقشة مدى الحاجة إلى عقد جمعية عمومية لعموم الصحفيين طارئة أم لا.
ويأتي اجتماع الصحفيين في أعقاب الحكم الصادر من القضاء المصري بحق نقيب الصحفيين يحيى قلاش، وعضوي مجلس النقابة خالد البلشي وجمال عبدالرحيم، لإدانتهم بإيواء مطلوبين أمنياً.
وقضت المحكمة، في حكم ابتدائي عليهم، بالحبس عامين مع الشغل وكفالة 10 آلاف جنيه لكل منهم، وهي القضية التي تم تداولها على مدار 10 جلسات خلال 5 أشهر.
وخلال الاجتماع، أَعلن مجلس النقابة ضرورةَ تحويل "محنة الحبس إلى منحة بوحدة الصف لمناقشة قضايا المهنة".
وقال المجلس "يجب ألا تشغلنا تلك الأحكام عما يدار لها من قانون مريب، أو أوضاع اقتصادية مزرية للصحفيين".
غضب نقابي لا سياسي
ومع حالة الغضب التي سيطرت على أروقة نقابة الصحفيين، أثناء أعمال اللقاء المفتوح للجمعية العمومية بمقر النقابة، بعد الكلمات المتتالية لبعض الكتاب الصحفيين، إلا أن يحيى قلاش والحضور رفضوا أن يتحول الغضب من غضب نقابي إلى غضب سياسي، وقرروا رفض كافة الهتافات ضد النظام الحالي، أو دخول السياسة في أعمال الجمعية العمومية، حرصاً على وحدة الصحفيين.
وجاء الموقف واضحاً مع رفض قلاش هتافات ذات بعد سياسي من بعض أعضاء الجمعية العمومية، أثناء حديث عمرو بدر رئيس تحرير بوابة يناير، وأحد الذين اعتصموا داخل النقابة، مما أشعل شرارة الأزمة مع النظام الحالي، حيث تعالت الهتافات داخل القاعة مع كلمة بدر بـ"عيش حرية الجزر دي مصرية"، وهو ما رفضه قلاش قائلاً: "نلتزم بأعمال الجمعية العمومية، ولا ندخل في أي سياسة أو هتافات أخرى".
النعش
وشهد مقر النقابة في وسط القاهرة أجواءً ساخنة منذ الصباح الباكر، حيث بدأ التوافد لحضور الجمعية العمومية غير الرسمية منذ العاشرة صباحاً، كما توافد الصحفيون من الأقاليم، وكانت محافظة الإسكندرية الأكثر حشداً بعد أن خصصت نقابة الصحفيين في المحافظة أتوبيساً خاصاً لنقل الراغبين لحضور الجمعية العمومية.
في المقابل، حشدت الأجهزة الأمنية قواتها في محيط النقابة؛ تحسباً لأي مظاهرات تخرج عن سلم النقابة الشهير، وفرضت قوات الأمن طوقاً في الشوارع المحيطة، مع عدم وجود أي عراقيل لدخول الصحفيين إلى مقر نقابتهم.
وانتشرت في أروقة النقابة اللافتات الداعمة لمجلس النقابة، والرافضة لأحكام الحبس ضد النقيب ورفيقيه من أعضاء المجلس، وحملت اللافتات عدة شعارات، مِن بينها "الحرية للصحافة"، "الصحافة مش جريمة"، "الصحافة خط أحمر".
وصنع الصحفيون المتواجدون داخل نقابة الصحفيين "نعشاً لحرية الصحافة"، للتنديد بالحكم ضد النقيب وعضوي المجلس، وخرجت مجموعة من الصحفيين حاملين النعش على سلم النقابة، وتحت الوشاح الأسود الذي تصدَّر واجهتها، وسط هتافات تطالب بحرية الصحافة بمصر.
"قولوا للسيسي حبس الصحفي يساوي إقالته – علِّي الصوت أكتر أكتر.. كرامة الصحفي خط أحمر – باسم الشهدا والأحرار الصحفي ما يسبش الدار – علِّي علِّي في الأسعار بكره الثورة تولع نار". تلك كانت أبرز الهتافات التي واكبت وقفة النعوش التي خرجت عقب انتهاء الاجتماع من مقر النقابة للوقوف على سلمها الشهير، دون تخطيه، في ظل الحصار الأمني الحازم.
كلمة النقيب
وقال يحيى قلاش، نقيب الصحفيين، إن البعض حاول تحويل النقابة إلى قسم شرطة، وكأنه لا يحق للنقابة الدفاع عن أعضائها، ولكن تواجد الصحفيين والتفافهم حول نقابتهم حوَّل المحنة إلى منحة لدعم الكيان النقابي، حسب تعبيره.
وقال قلاش، خلال كلمته في اللقاء المفتوح لأعضاء الجمعية العمومية، إن هدفنا الحرص على تماسك النقابة، وأن تتكاتف من أجل قضاياها، وإذا وصف البعض موقفنا من الدفاع عن حصانة النقابة بأنه تورط فإنني أعلن أنني أفتخر بأنني تورطت، مثل كثيرين من رواد هذه المهنة في الدفاع عنها، وأنا أرحب بالحبس لأنه ثمن بخس إذا كان دفاعاً عن هذا الكيان.
وأكد نقيب الصحفيي على "ضرورة استثمار المحنة للحديث عن ملفات لا بد من الحديث عنها، في بدايتها أزمة الأجور، والتشريعات الصحفية، والأزمة التي دخلتها النقابة منذ اقتحامها من قبل قوات الأمن".
وقال قلاش إن نقابة الصحفيين تعمل في إطار مؤسسات الدولة، ولا يمكن أن نكون في مواجهة مع الدولة، ومخطئ من يتصور أن تلك المعركة هي لتكسير عظام مع السلطة الحالية، ولكن قضيتنا هي الدفاع عن النقابة والمهنة التي تم الاعتداء عليها. وأردف قائلاً: "نحن مَن طالبنا بقوة القانون، ونحن من طالبنا باستقلال القضاء، وسيظل هذا موقفنا".
وأضاف: "نحن نشعر بقلق من التعامل معنا في مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام، وحين ندافع عن ذلك القانون فلا نخدم الصحفيين فقط، فحرية الصحافة ليست حرية الصحفي، ولكنها حق لكل مواطن في الحصول على حقه في المعلومات".
هويدي وحجازي وداود وبدر
وحرص عدد من رموز الصحافة بمصر على إلقاء كلمات للتعبير عن تضامنهم مع النقابة أثناء حضورهم الاجتماع، وكان لافتاً وجود أطياف سياسية مختلفة بعد أن تفتت وحدة الصحفيين جراء الصراعات السياسية بالبلاد.
وكان أبرز الحاضرين، الكاتب الصحفي فهمي هويدي (إسلامي)، الذي قال: "إننا نشهد حالة من قمع للحريات غير مسبوقة، ليست على الصحافة فقط، بل تطال كل الجمعيات الأهلية وغيرها من منظمات المجتمع المدني".
وأكد هويدي، في حواراته مع الصحفيين، أن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي حول قضية النقيب يحيى قلاش، الذي قال إنه يحاكم ليس كونه صحفياً، ولكن على جريمة جنائية، يدل على أن من ينقل المشهد للقيادة السياسية يحاول توريطها.
قرنان من الزمان
من جانبه، قال الشاعر والصحفي أحمد عبد المعطي حجازي (يساري)، إننا هنا لندافع عن هذه الجدران، ونواجه كل صور القمع التي ارتكبت في حق الصحفيين ليس من اليوم، فمنذ ظهرت الصحافة المصرية التي عمرها قرنان وخلال هذا التاريخ لم يكف الصحفيون عن الدفاع عن حريتهم.
وتابع: "نحن ندافع عن حريتنا، والحريّة للجميع، مطالباً بالوقوف دقيقة تضامناً مع نقيب الصحفيين.
بينما عبَّر الكاتب الصحفي، عبد العليم داود، عن اختلافه مع يحيى قلاش نقيب الصحفيين، وقال: "موقف النقابة والجمعية العمومية في عام 1996 (اجتمعت آنذاك احتجاجاً على ما عُرف بقانون اغتيال الصحافة) كان أقوى من الآن، وذلك بسبب ضعف المجلس الحالي".
واعتبر خلال اللقاء المفتوح مع الجمعية العمومية بمقر النقابة، أن مجلس النقابة الحالي ليست لديه رؤية سياسية، مطالباً بالتصعيد، مشيراً إلى أن كافة الأنظمة منذ أيام الرئيس الراحل أنور السادات تحترم الصحافة والصحفيين".
وخاطب داود النظام الحالي قائلاً: "احترم عقولنا، نريد حلاً إصلاحياً لمصلحة البلد".
وفي كلمته، قال عمرو بدر رئيس تحرير بوابة يناير: "عندما تم حبسنا في زنزانة 3 أمتار، وصلتنا أنباء عن جمعية عمومية غير مسبوقة (التي عقدت بعد اقتحام النقابة للقبض عليه هو ورفيقه)، مضيفاً: "إننا رفعنا رأسنا عالياً عندما علمنا أن النقابة انتفضت ضد اقتحامها من قبل قوات الشرطة".
واستدرك قائلاً: "إن حكم حبس النقيب غير مسبوق في تاريخ الصحافة المصرية، مشيراً إلى أن مصر توصف الآن أنها بلد ديكتاتورية، مؤكداً أن قضية الصحفيين الأساسية الآن هي القوانين التي يجب أن يكونوا متيقظين لها".
وقال: "خلال تحقيق النيابة العامة نفينا الحديث عن التستر علينا داخل النقابة"، مطالباً بالدعوة لعقد جمعية عمومية حتى تكون القرارات الصادرة عنها إلزامية.