حماتي التي لا ترجو مماتي

بعض وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئي تروج لاختلاف وجهات نظر الزوج مع والدة زوجته على أنه معركة طاحنة كبرى، ولأسباب تسويقية، تبني افتراضات غير واقية، بل تضخم أحداثاً واقية لتصبح معضلات بحجم الكوارث.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/23 الساعة 02:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/23 الساعة 02:10 بتوقيت غرينتش

المؤمن الحقيقي عادل في نفسه فلا يظلمها، وعادل مع الآخرين فلا يهضم حقوقهم، المؤمن الحقيقي ينصف الكبير والصغير، القريب والبعيد، المسلم وغير المسلم.

صيغة الإنسان الذي يطالب بحقوقه ويهمل واجباته هي صيغة غير إسلامية نهائياً، المسلم يعترف بأخطائه من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يلاحق أخطاء الآخرين، وهكذا فهو محبوب من قِبل الجميع، ويحب هو الجميع.

وإذا كانت هذه التوطئة للأباعد، فالأقارب هم أولى بهذه الأريحية في التعامل، ومن أقرب من الزوجة وأهلها للإنسان المسلم المؤمن المحسن؟

إن زوجتك الصالحة هي شكل من أشكال رضا الله عنك، بل هي منحة وعطية وبركة، أسكنك الله إليها، كي يسهّل عليك مهمة عبادته، وأنت ناعم البال، مرتاح الخاطر.

والدة زوجتك هم أم حبيبتك التي أنجبتها وربتها وكبرتها لك؛ كي تعينك على متاعب الحياة، وكي تشاركك السراء والضراء، فمن باب الذكاء يجب عليك أن تتعايش مع زوجتك ومع والدتها؛ لأنهما سيفك الذي تقاتل به الصعاب، ودرعك الذي تتقي به الضراب.

إياك ثم إياك أن تنطلي عليك تلك التمثيلية، بل تلك التمثيليات والمسلسلات الهابطة التي توهمك بوجود حرب ضروس واجبة الوجود بينك وبين حماتك.

لا، أبداً، نهائياً، لا يوجد خلاف حتمي أزلي أبدي بين الزوج ووالدة الزوجة، إلا إذا لم يتحليا بالخلق الإيماني القويم.

بعض وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئي تروج لاختلاف وجهات نظر الزوج مع والدة زوجته على أنه معركة طاحنة كبرى، ولأسباب تسويقية، تبني افتراضات غير واقية، بل تضخم أحداثاً واقية لتصبح معضلات بحجم الكوارث.

مرة أخرى "لا.. لا" هذا غير دقيق، بل غير إسلامي، لنعد من جديد، المؤمن الحقيقي عادل، يعطي زوجته ووالدتها حقهما، ولا يثور بسبب توافه يومية لا بد منها، المؤمن الحقيقي متسامح، طيب، هين، لين، غفّار لزلات زوجته حبيبته، وغفار لزلات، أو تدخلات والدتها "حَبيبٌ إلى قَلْبي حَبيبُ حَبيبي".

كما أنفقت والدتك عليك من جيبها وقلبها حتى نشأت وترعرعت، كذلك أنفقت والدة زوجتك على ابنتها من جيبها وقلبها حتى صارت زوجة صالحة لمشاركتك أفراح وأتراح الحياة.

فكما أنك تكنّ لوالدتك الكريمة كل حب واحترام، كذلك زوجتك تكنّ لوالدتها الكريمة كل عرفان بالجميل وامتنان.

إن أنزلت والدة زوجتك منزلاً مباركا طيباً في قلبك، ارتحت وأرحت نفسك وزوجتك ووالدتها ووالدتك، وإن ركزت على سلبيات حماتك ستخسر الهناءة الزوجية وستكون علاقاتك الأسرية غير المستقرة مجلبة للتعاسة لك ولزوجتك وللعائلتين.

اختصر الخلق الإسلامي القويم كل هذا بحضه على دوام الإحسان للآخرين كل الآخرين: "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، تدخل حماتك ضمن إخوتك وفق الرؤية الإسلامية للمجتمع، "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، تدخل حماتك ضمن المسلمين والمسلمات الواجب أن يسلموا من ضررك.

لماذا نبرز أحياناً أفضل مكارمنا في العمل ومع الأصدقاء، وننسى أن والدة الزوجة هي من المسلمات القريبات الواجب الإحسان إليهن؟ "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِي حَمِيمٌ" (فصلت: 34).

ألا يجب أن نقابل إساءة الحماة بالتفضل والتودد حتى يردها برنا عن تكرار الإساءات؟
أين يذهب صبرنا في التعامل مع الآخرين عندما يأتي دور تعاملنا مع حمواتنا؟ فضيلة الصبر فضيلة مفيدة ونافعة جداً للصابر في الدنيا والآخرة: "وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور" (الشورى: 43).

لنجدد نيتنا الآن بتطبيق معالي الأخلاق.. التسامح.. الصفح.. الغفران.. التغاضي عن الزلات الصغيرة والكبيرة..
كم ستحلو الحياة الزوجية لو طبقنا هذه الآية: "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ" (النحل: 126).

كم ستعلو في عين زوجتك إن صبرت على أذى والدتها! كم سيزداد حب زوجتك لك إن أكرمت والدها ووالدتها! كم سيستمتع أبناؤك في الحياة الأسرية المنزلية حين تعد أن حماتك هي والدتك الثانية!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد