كيف تكون مغموراً على مواقع التواصل؟!

مواقع التواصل الاجتماعي تخلق واقعاً جديداً يتجاوز بعض أعراف الكتابة المستقرة وطرائق تشكيل الوعي؛ ليصبح الحكم على الآراء والأحداث والأفكار هو الأهواء الشخصية لصاحب الصفحة، وتبعية بعض الناس وتشجيعهم بالمتابعة والإعجاب، ولن يكلفك الأمر أكثر من فتح الجهاز لتكتب أي شيء.. الأمر سهل إذاً، فلنفعلها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/17 الساعة 02:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/17 الساعة 02:15 بتوقيت غرينتش

يطلب الكثير من الناس الشهرة عبر مواقع التواصل، وهذه آفة نفسية لم نتعلمها في مدارسنا ولم ينبهنا إليها أحد.

هل سمعت يوماً مَن يحدثك عن أن الشهرة مرض، وأن طلب مدح الناس نقص، وأن رؤية الخلق مضاد للإخلاص، وأن العمل من أجل الناس رياء، وأن العلو في الأرض مضاد للعبودية؟

في هذا الزمن الذي لم يشهد فيه الناس قدوات من الربانيين أهل العلم والعمل، ولم يتأدبوا فيه بأدب احترام النفس قبل الإدلاء بالرأي بالبحث والتقصي، تصبح ضحالة الفكر سوقاً رائجة، وتغدو السطحية علامة عبقرية، والشهرة دليلاً على العلم، وعدد المتابعين أو "اللايكات" إجازة لتتحدث في كل شيء، ظناً منك أنك تقول الكلام الأهم.

يعجبني في كتابات المستشرقين -رغم ضعف الأدوات الشخصية وضحالة الفهم مع توافر الإمكانات البحثية- أنهم يحرصون على توثيق ما يكتبون، فلا يخلو سطر من مصدر،، وليس الأمر مجرد فكرة "تنط" أو "تفط" في دماغ الواحد منهم فيقوم بكتابتها.

مواقع التواصل الاجتماعي تخلق واقعاً جديداً يتجاوز بعض أعراف الكتابة المستقرة وطرائق تشكيل الوعي؛ ليصبح الحكم على الآراء والأحداث والأفكار هو الأهواء الشخصية لصاحب الصفحة، وتبعية بعض الناس وتشجيعهم بالمتابعة والإعجاب، ولن يكلفك الأمر أكثر من فتح الجهاز لتكتب أي شيء.. الأمر سهل إذاً، فلنفعلها.

كان مما عبته وأعيبه على من اشتغل بالصحافة أنهم يصابون بأمراض قلبية، أقلها: الاعتداد بالرأي، وامتلاء النفس بوهم الفكر العميق، والرأي السديد، الذي يناطحون به أهل العلم، لمجرد أن أتيحت لهم الفرصة ليكتبوا على موقع أو في جريدة!

وليس الأمر متعلقاً بالصحفيين، بل بثقافة تنتشر، تتبعها نواح خلقية وأعراف اجتماعية وعلمية تنهار.

الآن: مواقع فيسبوك وآسك وتويتر ونحوها جعلت كل الناس صحفيين!

فما هي أهم أعراف الكتابة التي تتجاوزها هذه المواقع، وكيف يمكن تفاديها؟

1- التوثيق، لا تكتب شيئاً إلا مصحوباً بمصدره قدر الاستطاعة.

2- فرّق بين شعورك نحو الأشياء أثناء الكتابة، والأشياء في ذاتها، فشعورنا ليس تعبيراً عن الواقع دائماً.

3- لا تكتب ما يعجب الناس أو يجلب الإعجاب، بل اكتب ما تعتقد صوابه، رضي الناس أو سخطوا.

4- اجعل نيتك في وجودك هي التعلم قبل التكلم، ولا تسارع بالإنكار قبل أن تفهم مراد الكاتب تماماً، ومحاولة معرفة وجهة كلامه.

5- اعلم أن غالب الناس هنا لا يحق لهم الإدلاء بآرائهم في كثير من الأمور لضعف أدوات الفهم وقلة المعلومات، والهري الذي لا ينتهي في كل شيء تقريباً، فصنف الناس وخذ من المتخصصين أو من علمت منهم التحري، ولا تبالِ بكلام غيرهم.

6- الأدب ثم الأدب ثم الأدب، في الطرح والتعليق والاستفسار والمخالفة،، فغاية العلم الأدب، ويدرك المرء بالأدب ما لا يدرك بغيره.

7- لا تكتب كثيراً، قبل أن تقرأ كثيراً، وينبغي أن يكون ما تكتب عُشر ما تقرأ، وجدد النية قبل الكتابة، واعلم أنك مسؤول عما تكتب.

8- التحري، لا تنقل كل ما تراه، بل استوثق وتأكد من النقل والناقل قبل الكتابة أو النشر "فَتَبَيَّنُوا".

9- مواقع التواصل، كالشارع، لا يصح فيها كلام خارج، ولا هزار أو تعليقات مما يكون بين الزوج وزوجته فقط، ولا ما يكون بين الصديقات في جلساتهن الخاصة.

10- إن كتبت في مسألة علمية، أو لها بُعد علمي، فلا تكتب قبل الرجوع لأهلها، ولا تكتب شيئاً ليس لك فيه سلف أو قبل قتله بحثاً.

أما أمراض النفس المتولدة عن هذا الواقع الجديد، فحديث آخر، وطريق آخر أوله: الصدق مع النفس، ووسطه: تزكيتها، وآخره: طلب الوجه الكريم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد