أترجم الآن نصّاً عن الألمانية به كلمتا "رابي" (Rabbi) و"رابين" (Rabbiner)، وبينما أبحث عن المقابل العربي للكلمتين تذكرت الآية الكريمة التي تقول: "وكَأَيِّن مِن نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" (سورة آل عمران: آية 146).
ووقفت عند كلمة "رِبِّيُّونَ"، وقبل أن أنظر في التفاسير الإسلامية رجعت لمعجم يتناول الدخيل في اللغة الألمانية وغيرها من اللغات الأوروبية المعاصرة، وهذا النوع من المعاجم مهم جداً لمن يترجم عن أي لغة من اللغات الأوروبية المعاصرة.
المهم وجدت أن كلمة "رِبّي" (Rabbi) أصلها سامٍ، وأنها في العبرية والآرامية، وتعني أستاذي أو معلمي أو سيدي، وأن تلاميذ المسيح -عليه السلام- كانوا ينادونه "رِبِي"، أي: معلمي، وكانوا بالمناسبة يتكلمون الآرامية لا العبرية، وعن الآرامية أو العبرية أو كليهما انتقلت الكلمة إلى اليونانية، ثم إلى اللاتينية الكنسية، ومنها إلى اللغات الأوروبية المعاصرة.
أما كلمة "رابين" (Rabbiner) فتعني مدرس دين أو خطيباً أو فقيهاً في الشريعة (اليهودية بالطبع)، أي أن كلمة "رابين" تعني بكل بساطة "شيخ"، وبالتالي فإن "إسحاق رابين" يعني بالعربية "إسحاق الشيخ".
وعندما عُدت للتفاسير الإسلامية وجدت أن المفسرين المسلمين اختلفوا كالعادة في معنى كلمة "رِبيون"، فمنهم من قال إنها تعني "جموع أو ألوف"، وهذا في رأيي غير دقيق؛ لأن الآية الكريمة تقول "رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ"، فلأن كلمة "جموع" توحي بالكثرة، فلا معنى للتوكيد هنا.
ومنهم من قال إنها تعني "الرَّبانيين"، أي: نسبة للرَّب سبحانه، ولكن لو كانت كذلك لكانت بفتح الراء أي "رَبيون"، أنا أعرف أن العرب يمكن أن تغير التشكيل في حالة النسبة، ولكن على الأرجح ليس للكلمات غير العربية.
المهم لا بد أن تفهم أنني أشرح لك كيف كنت أفكر في الأمر آنذاك.
أحيانا يشعر المرء أن التراث العربي الإسلامي "مسلّك" على بعضه، ولا يفرق كثيراً إذا كنت تقرأ في تفسير أم في معجم أم في شرح ديوان من الدواوين، فالمعاني نفسها يعاد صياغتها وترتيبها بما يتناسب مع نوعية الكتاب الذي تقرأه، وليس من المستغرب أحياناً أن تجد فكرة ما خاطئة تتكرر عبر القرون بصياغات متنوعة ولا يهتم أحد بتصحيحها، وهنا على سبيل المثال لو كان أحد هؤلاء المفسرين المسلمين يعرف الآرامية أو العبرية لأراح واستراح.
وعندما قلت لنفسي: "خلاص، سأجعل الكلمة بمعنى تلاميذ أي حواريين أو صحابة أو أتركها كما هي ويكون كل هذا الكلام في الهامش"، هنا فقط تذكرت أن الفلاحين لدينا في مصر عندما يحشّون نبات البرسيم يسمون ما ينبت بعد الحشّة الأولى "رِبَّة"، هكذا بنفس التشكيل القرآني، أي: بكسر الراء وتشديد الباء، ولكنها هنا مفتوحة، وهذا طبيعي.
فمن أين جاءت هذه الكلمة؟ هل هي قبطية قديمة أم دخلت القبطية من الآرامية أو من العبرية -كما حدث في اللاتينية- ثم انتقلت من القبطية المتأخرة إلى العاميات العربية في الأرياف المصرية؟ وكما نعرف فإن العلاقة بين المجال الديني ومجال الزراعة والفلاحة أقوى من أن يشار إليها.
لكن لاحظ أن الفلاحين لا يطلقون هذا الاسم "رِبَّة" على أول حشَّة من البرسيم، ولكن على ما ينبت بعد هذه الحشة الأولى، فلو قلنا إن الفلاح مثل النبي، لكن الفلاح يفلح الأرض، والنبي يفلح القلب والعقل، فالحشّة الأولى لأي نبي أو رسول هي التلاميذ أو الصحابة أو على الأقل الجيل الأول منهما، أما الحشّة الثانية فهي تلاميذ التلاميذ أو التابعين، وبالتالي فكلمة "رِبيون" يمكن أن تشمل جزءاً كبيراً من التلاميذ أو الصحابة، بالإضافة إلى تلاميذ التلاميذ أو التابعين، والله أعلم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.