تواجه القوات المسلحة العراقية الكثير من العثرات في معركة الموصل. وتناضل القوات الخاصة وإحدى الفرق المدرعة من أجل السيطرة على الأحياء الواقعة بالضواحي الشرقية للمدينة وحمايتها من الهجمات المضادة لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذين يستخدمون شبكات الأنفاق في الانتقال خلسة.
تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، الإثنين 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، نقل عن أحد كبار المسؤولين العراقيين السابقين قوله: "فقدنا خلال يوم واحد 37 شخصاً، بينما أصيب 70 آخرون"، مضيفاً أن القوات العراقية فوجئت على حين غرة بحجم شبكة الأنفاق التي شيدها تنظيم داعش، والتي يبلغ طولها 45 كيلومتراً.
تكتيك داعش
وتسعى إدارة مكافحة الإرهاب العراقية والفرقة المدرعة التاسعة منذ أسبوعين من أجل شق طريقها إلى هذه المنطقة من مدينة الموصل، شرقي نهر دجلة.
ويرسل تنظيم داعش موجات من الانتحاريين بصفة منفردة لتفجير أنفسهم أو داخل عربات محملة بالمتفجرات والقناصة وفرق المدفعية لاستئناف القتال في عشرات الأحياء التي ذكر الجيش العراقي أنها خضعت لسيطرته بالفعل.
ونقلت صحيفة الإندبندنت في حوار حصري لها نقلاً عن خصرو جوران، أحد كبار القادة الكردستانيين قوله "كنت متفائلاً في البداية من القدرة على استعادة الموصل خلال أسبوعين أو 3 أسابيع، ولكني أعتقد الآن أن الأمر سيستغرق شهوراً".
وذكر أنه غيّر رأيه حول فترة الحصار حينما شهد ضراوة القتال في صفوف الدفاعات الخارجية للموصل. وأضاف أنه "إذا ما استمر تنظيم داعش في القتال بهذه الصورة، سوف يتم تدمير الجزء الأكبر من الموصل. وأود ألا يكون الأمر على غرار حلب".
أزمة تواجه ترامب
ومن الأرجح أن يؤدي استمرار حصار الموصل لفترة مطولة وسقوط الكثير من الضحايا المدنيين وإمكانية التدخل العسكري التركي إلى نشوب أزمة دولية تواجهها الإدارة القادمة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. وسوف يؤدي التقدم المتباطئ للقوات المسلحة العراقية تجاه المدينة إلى استمرار الاعتداءات حتى تاريخ تنصيبه في واشنطن في 20 يناير/كانون الثاني.
ويتعين على ترامب أن يقرر ما إذا كان يرغب في التصديق على تصعيد الضربات الجوية التي تتزعمها الولايات المتحدة من أجل تدمير دفاعات تنظيم داعش، رغم أن ذلك سيؤدي حتميا إلى وقوع خسائر هائلة في الأرواح بين سكان الموصل البالغ تعدادهم نحو 1.5 مليون نسمة.
ومن الأرجح أيضاً أن تتدخل تركيا عسكرياً إذا ما تكبدت الوحدات القتالية العراقية خسائر فادحة وبحثت عن تعزيزات من خلال قوات الحشد الشعبي شبه العسكرية الشيعية وقوات البيشمركة الكردستانية.
وبموجب الاتفاق الذي أبرمته الولايات المتحدة، يتم حشد هذه القوات خارج حدود مدينة الموصل ذاتها لتجنب أي وقوع أي مشكلات طائفية وعرقية بينهم وبين السكان العرب السنيين.
وقد أرسلت تركيا دبابات إلى الحدود التركية العراقية وذكرت أنها قد تقوم بالهجوم إذا ما شرعت قوات الحشد والبشمركة في القتال داخل الموصل.
وتتمثل مشكلة القوات المسلحة العراقية في أنها اعتمدت إلى حد كبير في الماضي على الضربات الجوية التي تتزعمها الولايات المتحدة من أجل تدمير مقاتلي داعش في مواقع ثابتة. وقد تعرضت العراق لعدد 10300 ضربة جوية منذ عام 2014.
وفي معركة الرمادي عام 2015، تم تدمير حوالي 70% من المدينة، إلا أن معظم سكان المدينة البالغ عددهم 350 ألف نسمة قد فروا منها ولم يقاتل تنظيم داعش حتى آخر قطرة دم. وقد انسحب ذلك أيضاً على المحيط الأوسع نطاقاً للمدن المحيطة بالموصل، مثل بارتيلا وقرقوش اللتين تبعدان عشرات الأميال عن المدينة، وكانتا خاويتين من السكان المسيحيين، مما يسر استهداف وتدمير المباني التي يسيطر عليها داعش عن طريق الجو.
ولا يمكن استخدام نفس الأساليب في الموصل، نظراً لأن سكانها لا يزالون بالداخل وبسبب اتساع مساحة المدينة. وقد حققت هجمات الحكومة العراقية التي بدأت في 17 أكتوبر/تشرين الأول بعض النجاحات حتى وصلت إلى ضواحي الموصل منذ أسبوعين.
ومنذ ذلك الحين، تأرجح القتال كراً وفراً حيث تمت السيطرة على بعض الضواحي ثم الانسحاب منها لثلاث أو أربع مرات.
وكان هناك بعض الدلالات على تبعثر قوات داعش في بداية الحصار. ويذكر هوشيار زيباري، وزير المالية والخارجية العراقي السابق أن تلك كانت هي "المفاجأة الكبرى التي واجهت داعش منذ شهور حينما اتفقت الحكومة العراقية وقادة الحكومة الإقليمية الكردستانية على توحيد الصفوف ضد تنظيم داعش في الموصل". ولم يتوقع داعش ذلك – فلم تكن بغداد والحكومة الإقليمية الكردستانية تتفقان على شيء بسبب النزاعات الاقتصادية والإقليمية.
وحينما هاجمت القوات العراقية شرقي الموصل للمرة الأولى، ظهرت تقارير حول تراجع المعنويات بين بعض مقاتلي داعش، ولكن قيادة التنظيم تمكنت من إحكام سيطرتها بلا هوادة أو رحمة.
وتذكر الأمم المتحدة أن التنظيم قد أعدم 70 مدنياً في الموصل بتهمة التعاون مع القوات العراقية خلال الأسبوع الماضي. وقد ارتدى 40 شخصاً يوم الثلاثاء الماضي وحده ملابس برتقالية وتم إعدامهم بالرصاص الحي بتهمة "الخيانة والتعاون" قبل أن يتم تعليقهم على الأعمدة الكهربائية.
وتم إعدام 20 مدنياً آخرين بسبب استخدام الهواتف المحمولة في تسريب معلومات إلى الجيش العراقي وتعليق أجسادهم على إشارات المرور.
الفارون من المدينة
ولا يتضح مستوى الدعم الفعلي الذي يحظى به تنظيم داعش في الموصل. ويعرب 54 ألف مواطن ممن فروا من المدينة وسعوا إلى الأراضي الواقعة خلف قوات البيشمركة أو الجيش العراقي عن كراهيتهم للتنظيم وما يقترفه من أفعال شنيعة.
ومع ذلك، يتشكك المسيحيون والأكراد المحليون في المدنيين الفارين من تنظيم داعش ويعتبرونهم من المؤيدين السريين للتنظيم. وذكر أحد المسيحيين الذي يقود سيارته على امتداد الخيام البيضاء التي يقطنها النازحون في الخضر، شرقي الموصل "أعتقد أن مقاتلي داعش ينقلون أسرهم إلى مواقع آمنة".
ويعد جوران خبيرا في السياسة الداخلية للموصل، حيث كان يعمل نائباً لمحافظ المدينة فيما بين عامي 2003 و2009 وقائداً للحزب الديمقراطي الكردستاني بالمدينة حتى عام 2011. وذكر متحدثاً عن الانحيازات السياسية لشعب المدينة أن "ثلث سكان المدينة يؤيدون داعش، بينما يتسم أغلبية الباقين بالسلبية وهناك نسبة مئوية ضئيلة للغاية تشارك في المقاومة بفعالية".
ويعتقد أن تقارير المقاومة المسلحة المناهضة لداعش داخل المدينة كانت مجرد دعاية كبرى تستهدف الوصول إلى وسائل الإعلام. وأشار إلى إمكانية وجود الكثير من المقاتلين الأجانب بالموصل، إلا "أن أغلبية المقاتلين من العراقيين".
وخلال العامين ونصف العام التي سيطر خلالها تنظيم داعش على زمام الأمور بالمدينة منذ احتلالها في يونيو/حزيران عام 2014، ركز التنظيم على تجنيد المراهقين لصالحه. وقد تم تدريب هؤلاء عقائدياً وتقنياً من أجل تحويلهم إلى مقاتلين متعصبين أو انتحاريين.
يتمكن التنظيم من الصمود بفعالية شرقي الموصل وربما يتمكن من تحمل الحصار الذي دام لشهور، ولكن من الأرجح أن يخسر المعركة على المدى الطويل. وتقترب وحدات الجيش العراقي من الموصل من ناحية الجنوب وتتولى قوات الحشد الشعبي إغلاق طرق الفرار نحو الغرب. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي صمود داعش بالمدينة إلى تدميرها.
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.