خريطة التناقضات الاجتماعية بين عمليتَي التحديث والتغريب

كل ذلك من شأنه إيضاح ماهية التفكير لما بعد ثورات الربيع العربي.. من خلال إبراز الاقتصاد القائم على المعرفة، وكذلك أشكال التناقض والتنافر بين الفضاء الفكري والفلسفي من جهة، والفضاء الحقوقي والسياسي والاقتصادي من جهة أخرى

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/12 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/12 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش

التنمية والتدريب صنوان متلازمان ويمكن من خلالهما إعداد القيادات في مجالات متعددة تعتمد على رؤية واضحة لاستيعاب دور التنمية كمشروع حداثي ضمن برامج إصلاح الليبرالية الجديدة ضمن الهيئات الرئيسية التي تعتنق فضائل العولمة الاقتصادية وعلاقتها بمفهوم الاقتصاد الذي يرد إصطلاحياً بمعنى "اقتصاد المنزل"..

أما المعنى الإجرائي، فيمكن أن ينتج عنه مفارقتان؛ المفارقة الأولى: عندما نجد أن تلك العلاقة تقترب إلى ما يُسمى "المنطقة الدانية للتنمية" بحيث تكون المفارقة بين ما يعرفه الأفراد وما يفعلون تُترجم دائماً إلى مسافة بين ما هم عليه وما يريدون أن يصبحوا عليه.

والمفارقة الثانية، أن تلك المفارقة قد تقود إلى: أن اللامساواة مشروعة إذا كانت تعود بالنفع على نحو مستدام على المعوزين في المجتمع في إطار السياقات الاجتماعية والسياسية والأبيستيمية المؤسسة للديناميات المعرفية.

كل ذلك من شأنه إيضاح ماهية التفكير لما بعد ثورات الربيع العربي.. من خلال إبراز الاقتصاد القائم على المعرفة، وكذلك أشكال التناقض والتنافر بين الفضاء الفكري والفلسفي من جهة، والفضاء الحقوقي والسياسي والاقتصادي من جهة أخرى لمعرفة أين يكمن التراكم المعرفي لتلك الأشكال من حيث أولوية الترجيح الضمني، الذي من شأنه أن يقدم إطاراً فكرياً معاصراً تتوافق ضمنه الحرية الفردية مع مستلزماتها الاجتماعية.. ودراسة التأثيرات المباشرة لتلك الأشكال في الحريات السياسية والاجتماعية والثقافية إذا ما كانت الحركة الاحتجاجية الراهنة في العالم العربي تهدف إلى "دمقرطة المجتمع"، وإلى تحقيق سياسات اقتصادية واجتماعية.

فهل لذلك من تحدٍّ في الوقت نفسه للنظام الدولي بمعنى أنها تسائلٌ أيضاً حول مكانة الدول العربية من النظام العالمي، وهل يتطلب الأمر مشروعاً بديلاً من النظام الاقتصادي (من النظامين الاشتراكي والرأسمالي النيوليبرالي)؟ في ظل مقاربات معيارية تربط الحراك المجتمعي والسياسي الحالي بأولويات البناء الاقتصادي والاجتماعي في المرحلة المقبلة؛ لكون الثورات الجارية لم تستطع بعدُ استيعاب أبعادها المعرفية المركّبة والمساهمة في توظيفها الأبيستيمي في البلاد العربية عبر مقاربة معيارية تدحض التسويفات الواهية للأرثودكسية النيوكلاسيكية المؤسِّسة للسياسات النيوليبرالية في مجالات استفهامية متعددة حول ماهية البعد الاجتماعي والديمقراطي داخل الاقتصاد.

وفي ضوء تلك التساؤلات، نجد "أزمة القيم"، التي تنبئ بأن هنالك تآكلاً آخر مسَّ مجموعة القيم والمعتقدات السائدة في المجتمع؛ ففي يوم من الأيام كان العمل هو مصدر كل قيمة، وقد تحولنا إلى وضعٍ أصبح الثراء مصدر القيمة، وفي وقت من الأوقات كان الاستقلال الوطني قيمة، وكان الانتماء القومي قيمة، وكانت فكرة العدل الاجتماعي قيمة، وكان حق العمل قيمة، وكان حق التعليم قيمة… ولكن القيم الآن اختلفت شكلاً ومضموناً، سواء تلك القيم الموروثة منها أو المكتسبة في عصر الثورة، نظراً لغياب الفرق الواضح بين عملية "التحديث" Modernization وعملية "التغريب" Westernization.. مما أدى إلى إعادة صياغة خريطة "التناقضات الاجتماعية" في الوطن العربي عبر سوسيولوجيا التحالفات الدولية.

وهكذا، أصبح من الضروري، في المرحلة الراهنة، إيجاد ثقافة سياسية جديدة تهدف إلى إيضاح الاتجاهات المعاصرة لدراسة تلك الثقافة من منظور سوسيولوجي، بحيث تعمل على إعادة النظر في كثير من السياقات الفكرية التي ساهمت في بلورة العديد من القيم السائدة وذات الصلة بسيادة العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية من خلال الخطوات الإجرائية اللازمة لمرحلة استراتيجية ضمن الأطر المفاهيمية المعتمَدة في كثير من السياقات، وتنسحب على الظروف والملابسات المترابطة بدقة التقديرات المتعلقة بالخطوط العريضة لفلسفة النظام القائم الذي يعتبر حجر الزاوية في تحقيق التضامن الاجتماعي في سياقات فكرية واجتماعية من خلال صيرورة متلازمة بين الرؤية السياسية الشاملة وسياسات الأقليات والجنوسة
(Gender) التي نتج عنها:

• وضع الخطوط العريضة لمرتكزات التنظير السياسي التقليدي وفقاً لمعادلة سياسية: إما تتجه صوب التفكك للتكتل الاشتراكي وإما انفراد الولايات المتحدة بساحة (السياسة الدولية)، وقد يمكن المواءمة بين طرفي هذه المعادلة بناء على "حوكمة الديمقراطية" من خلال منهجيات قائمة على "النهج التشاركي" و"الاستعباد الاجتماعي"، وحسب توافر المناخ السياسي المناسب، والحد الأدنى من الخيال السوسيولوجي..

• دراسة السياسات الاقتصادية والسياسية من منظور العلاقات الاجتماعية التي أشبه ما تكون بـ(نظرية الدومينو) التي قد تتطلب حركة "بديلة" يمكن من خلالها صياغة توجهات جديدة لمضامين قد تبدو مختلفة عن الأنساق التي أوجدتها، ولكن لإدراك حجم التباينات الاجتماعية ومدى مساهمة الأفكار الملائمة في إنجاز خطوات ترشيد "الخطاب السياسي والإعلامي" للبدء في مرحلة قد تكاد تكون ملبية للرؤى الجديدة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد