يوم وُلدت

صديقي أنت كل يوم يولد فيك شيءٌ جديد، لكن هذه الولادات تلاحظها، أم أنك في سُباتٍ عنها؟ شئت أم أبيت سيولد فيك هذا النورُ قريباً، كما ولدْتُ في هذا اليوم المسرور، الذي أشرق به وجه أبي، نالت أمي أحلى التهاني والسرور، سائلاً ربي أن يحفظهما من كل سوء وشرور.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/07 الساعة 01:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/07 الساعة 01:00 بتوقيت غرينتش

أكثر ما يُسأل الإنسان عنه، وقد يكون السؤال الأبرز، خاصة في العلاقات الحديثة والأصدقاء الجدد، كم تبْلغُ من العمرِ؟ وأي يومٍ أشرقت الحياة بوجودك؟

حتماً لكل منّا تاريخ ميلاد وُلِد فيه، وفي ساعة معينة خرج للحياة، ترى تاريخ ميلادك ما يعني لك، ما يقدم لك، ما يضيف لك، ترى كم مرة وُلدت؟!

تاريخ الميلاد للإنسان قد يعني شيئاً من الناحية القانونية والرسمية والحكومية، أعني بتاريخ الميلاد اليوم والشهر والسنة التي وُلدت فيها.

كلٌّ منّا يعرف هذا، ويحفظُ جيداً تاريخ ميلاده، وقد يختلف من حوله معه بناء على انطباعاتهم عن شخصيته، وما يملك من مقوماتٍ، بأنه أقل من عمره، أو أكثر.

الميلاد، يوم الميلاد، عيد الميلاد، الكل ينهمك بهذه الزاوية، كيف سأقيم حفلة ميلادي؟ بكل الأحوال تستطيع أن تقيم حفلة ميلادك،وبكل الأحوال ستفرح أو تتصنع الفرح بيوم ميلادك، اصنع ما شئت، وافرح كما شئت، واستمع إلى الأغاني التي شئت، افرح لا مانع من ذلك..

أودُّ أن أسالك سؤالاً صديقي: ترى كم ولادة يولدها الإنسان؟

ستختلف الإجابات حسب طبيعة الإنسان وميوله واتجاهاته، سأخبرك صديقي العزيز بأن الإنسان يولد كراتٍ ومراتٍ كثيرة في الحياةِ، بعيداً عن الولادة التي يأتي فيها من رَحِمِ أُمه.

1- ميلادي الأول: يوم أن تنطقَ حرفك وكلمتك الأولى، يوم النّطق، الذي منه تتشكل المفردات والجُمل في قاموسِك، فتّشْ صديقي العزيز في قاموسِك، وانظر ماذا غُرِس فيه، وأي يومٍ ولدتِ الكلمة الأولى.

2 – ميلادي الثاني: يوم تخطو خطوتَك الأولى في هذه الحياة، هذا اليوم الذي توزع فيه الشوكولاتة، لقد مشى فلان، لقد خطا خطوته الأولى، صديقي هل ما زالت خطواتُك في الشكل الصحيح؟ هل تسيرُ بك إلى هدفك المنشود؟ أم أنها خطواتٌ عبثيةٌ، كالذي يسيرُ عكس التيّار؟!

3- يوم ميلادي الثالث: الحب وما أدراك ما الحب! متى ولِد فيك الحب؟ في أي يومٍ؟ متى شعرت بأنك بحاجة للحب؟ أم أن الحب لم يُولدْ عندك إلى هذه اللحظة؟ إذا تجاوزت الثلاثين، أو مشى بك العمرُ مسرعاً إلى الخمسين، ولم يُولدْ الحب، ترى متى تحين ولادته؟ عسى أن يكون قريباً.

4- يومُ جميلٌ من أيامي، كان الكلام مساءً، يحلو الحديث ليلاً؛ لأن الليل إذا سجى سكن وأصبح هادئاً، لكن ليلي لم يكن هادئاً ذاك المساء؛ لأن الليل تبْزغُ فيه النجوم، هناك بزغ وحي كلماتي، في لحظاتٍ من الصفاء، ولادة مفهوم المصارحةِ، انتهى عصرُ الخوفِ في نفسي، رغم فشلها، لكنّها مليئةُ بالدروس والعبر، كانت هذه الولادة الرابعة في حياتي.

5 – الولادة الخامسة: أتدري ما أصعب قرار في الحياة؟ هل اتخذت قراراً صعباً؟ القرار الفارق والنقلة في الحياة الشخصية، يوم أن قررتَ الخروج من بطنِ الحوت، ما علاقة الحوت بالولادة والميلاد؟ أجل الحوت هو التعبيرُ الحقيقي له، ولكن الحوتَ قد يكون فكرةً بائسةً حكم الإنسان فيها نفسه، أجل قررْتُ الخروجَ من بلادي، مدينتي، منطقتي من بين أمي وأبي وإخوتي وأصدقائي؛ لأشقَّ طريقاً جديداً، فكان السفرُ، ولن تُدركَ الفكر والعبر، إلا في السفر، ولن يُشرِق وعيك، إلا في مهجرك.

6- ميلادي السادس: أن ترى نفسك تعيش نفسك، كم منا من تقمّص دوراً غير دوره، أو شغل غير مكانه، أو عاش دوراً في الحياة لم يُحسن تمثيلَهُ وإن نجح فيه مُتصنعاً، تُرى اكتشفنا أنفسنا؟ هل نعيشُ حياتَنا وأنفسنا بشكلٍ صحيح؟ ترى ما زال المُجتمعُ يُسيّرنا والعادات والتقاليد الخاطئة تحكمُنا؟ تُرى نفسك هي نفسك؟ أم هي نفسٌ غُصِبت أن تعيشها، رغم أنفك؟ اسأل نفسك عن نفسك.

صديقي يوم الولادة: هو المكان الأول لولادتنا، هو ذلك المكان الذي نلقي فيه لأولِ مرة نظرة ذكية على أنفسنا.

صديقي أنت كل يوم يولد فيك شيءٌ جديد، لكن هذه الولادات تلاحظها، أم أنك في سُباتٍ عنها؟ شئت أم أبيت سيولد فيك هذا النورُ قريباً، كما ولدْتُ في هذا اليوم المسرور، الذي أشرق به وجه أبي، نالت أمي أحلى التهاني والسرور، سائلاً ربي أن يحفظهما من كل سوء وشرور.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد