ألقت صحيفة الغادريان البريطانية الضوء على أبرز القضايا التي سيواجهها الرئيس الأميركي القادم، سواءً كان دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون، وذلك عبر إجراء حوارات مع 8 خبراء في تخصصات مختلفة. وتعد أبرز هذه القضايا: عدم المساواة، الرعاية الصحية، الفساد.
نفوذ الحكومة: ديفيد بواز
نائب رئيس معهد كاتو مؤلف كتاب "العقل التحرري: بيان للحرية"
كان الناس يتحدثون في عام 2014 عن "لحظة تحررية" في السياسة الأميركية. وفي خضم انتخابات تنحصر المنافسة فيها بين مرشح قومي محافظ ومرشحة ديمقراطية ذات ميول اشتراكية، انتهى الحديث عن هذه اللحظة التحررية. رغم هذا، تظهر استطلاعات الرأي لمؤسسة غالوب ارتفاع عدد الناخبين الذين يميلون إلى التيار الليبرالي أو التحرري، ما قد يضع بعض القيود على أجندة الرئيس القادم.
بعد مرور 8 سنوات على حكمه، أدت سياسات الرئيس الحالي باراك أوباما، منها رفع معدل الضرائب ومستوى الدين العام وفرض الكثير من التشريعات، إلى تباطؤ شديد في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ولن يصبح الوضع الحالي أفضل مع وعود دونالد ترامب بشن حرب تجارية ووقف الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية أو في ظل وعود هيلاري كلينتون بمضاعفة السياسات الحالية لأوباما.
ومن ناحية أخرى، يرى صقور واشنطن ومؤيدو الحرب أن أوباما، الذي قصف 7 دول خلال فترة حكمه، لم يكن حازماً بما فيه الكفاية. ويتطلع هؤلاء إلى سياسات خارجية أكثر حزماً إذا ما تولت كلينتون الحكم.
بينما استطاع ترامب أن يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري بمعارضته حرب العراق والتدخل الأميركي عالمياً، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الرفض لدوامة الحرب اللانهائية ومزيد من القيود التي يضعها الكونغرس على صلاحيات الرئيس بشأن شن حروب ضد دول أخرى.
المحكمة العليا: جون مالكوم
مدير مركز الدراسات القانونية والقضائية بمؤسسة التراث
لا شك بأن مصير المحكمة العليا معلق بصندوق الاقتراع. فعلى مدار السنوات الأخيرة، كان هناك انقسام بالمحكمة حول عدة قضايا مثيرة للجدل منها: التعديل الأول والثاني في قانون الحرية الدينية وحقوق التصويت والتمييز العرقي، وزواج المثليين، وعقوبة الإعدام، وغيرها من القضايا.
وتسود تكهنات حول من سيخلف قاضي المحكمة العليا أنطونين سكاليا في المرحلة القادمة. كما يتوقع استبدال 3 قضاة آخرين بالمحكمة، هم: غينسبورغ وكنيدي وبراير، بعد أن تجاوزت أعمارهم متوسط العمر المتوقع لأي رجل أو امرأة في الولايات المتحدة الأميركية.
من يجلس في البيت الأبيض سيشكل فرقاً كبيراً في المحكمة العليا. كان رونالد ريغان يبحث عن قضاة قادرين على "حماية كرامة الدستور، دون إضافة أو حذف شيء منه أو إعادة كتابته"، بينما رآى باراك أوباما أن مسؤولية المحكمة تكمن في "التعاطف وفهم آمال الشعب وكفاحه وتضمين مطالبه ضمن أي قرارات تخرج عن المحكمة".
أوضح النائب العام السابق إد ميس أهمية علاقة الرئيس الأميركي بالمحكمة العليا بقوله: "يتجلى نفوذ الرئيس الأميركي وتأثيره في اختياره القضاة الفيدراليين".
الاقتصاد والتجارة: ويل مارشال
مدير ومؤسس معهد الدراسات التقدمية
ورغم وصف دونالد ترامب للاقتصاد الأميركي بـ"الكارثة"، فإن هناك أدلة تشير إلى تحسّن الأوضاع وبداية تمتع الطبقة العاملة ببعض المكاسب، فمتوسط الدخل يرتفع ومعدل الفقر ينخفض.
وعانى الناس من فترات ركود اقتصادي طويلة واتساع فجوة الدخل وعدم المساواة داخل المجتمع الأميركي، لكننا أمام نقطة تحول، لا ينبغي عندها تبني سياسات قد تدفع الاقتصاد مرة أخرى إلى منحنى هبوطي.
إن التهديد بإنهاء مفاوضات تجارية أو الوعد بإعادة التفاوض بشأن اتفاقيات قائمة، مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، أمر غير منطقي إذا كنا نريد دعم الاقتصاد الأميركي الآخذ في التعافي.
ولا تتوقف أهمية اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي على البعد الاقتصادي، فالأمر يتعلق أيضاً بالنفوذ السياسي والمصالح الأميركية في آسيا. فالتخلي عن هذه الاتفاقية سيكون بمثابة منح الصين هدية كبيرة لأن الدول الآسيوية الأخرى ستسارع بإبرام اتفاقات بديلة مع بكين وسينحسر النفوذ الأميركي بالمنطقة تباعاً.
وينبغي على هيلاري كلينتون معالجة هذا الوضع حال فوزها بالرئاسة. ويبقى السؤال حول كيفية نفاذ الشركات الأميركية أكثر إلى الأسواق الآسيوية الآخذة في النمو.
الشرق الأوسط: أنطوني كرودسمان
باحث في في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية
تواجه الإدارة الأميركية القادمة تحديات أمنية كبيرة في الشرق الأوسط منها: تنامي نفوذ الدولة الإسلامية، تأثير الغزو الأميركي للعراق، والتعامل مع حالة عدم الاستقرار والحروب التي تشهدها العراق وسوريا وليبيا واليمن.
ومع وصول الرئيس القادم إلى البيت الأبيض، ستتغير مجريات اللعبة على الأرجح. فإذا ما هُزمت الدولة الإسلامية في العراق، وهو ما قد يتزامن مع تولي الإدارة الأميركية الجديدة مقاليد الحكم، سيكون على هيلاري أو ترامب اتخاذ قرار بشأن كيفية تأمين العراق والمضي قدماً في الحرب بسوريا.
ولم يكن تنظيم داعش يوماً الخطر الإرهابي الوحيد الذي يهدد المنطقة. ففي 2015، بينت إحصاءات أن تنظيم داعش مسؤول فقط عن 20% من الهجمات الإرهابية التي شهدتها المنطقة. لذا فإن هزيمة داعش، سيجعلنا متأهبين لتهديدات جديدة. هل سينتقل أفراد إلى حركات متطرفة أخرى؟ هل سنشهد نمواً لنفوذ تنظيم القاعدة، الذي حقق مكاسب كبيرة في اليمن ولديه فصيل قوي في سوريا؟ وهل سيؤجج هذا من التوترات الطائفية والعرقية والقبلية في المنطقة؟
هناك حاجة إلى إعادة بناء العلاقات الأميركية – العربية والتركيز على بناء مجتمعات مدنية مستقرة.
ويبين الربيع العربي كيف يمكن أن تؤدي القوى المدنية وضعف الحكومات والتباطؤ الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة إلى إشعال الثورات والعنف في المنطقة. لن يكون هناك ضمانات أمنية في الشرق الأوسط إن لم يكن هناك استقرار.
أوروبا: فرانسيس بورويل
نائب رئيس المبادرات الخاصة والاتحاد الأوروبي بالمجلس الأطلنطي
ستدشن الانتخابات الحالية تحولاً في علاقة الولايات المتحدة وأوروبا، فبدلاً من كون الأخيرة شريكاً لواشنطن في سياساتها الخارجية، ستصبح هدفاً في حد ذاتها لهذه السياسات. بدأ هذا التغير فعلياً منذ فترة لكنه سيصبح أكثر وضوحاً خلال السنوات القادمة.
وتمثل روسيا التحدي الأول للرئيس ترامب أو الرئيسة كلينتون. فترامب يعتقد أنه قادر على إبرام صفقة مع موسكو، لكن الأمر أصعب مما يعتقد. فأثناء محاولته توطيد علاقته بروسيا، قد يخسر في الطريق علاقته بالعديد من حلفاء الولايات المتحدة الأميركية.
وبالنسبة لهيلاري فإن التسريبات الأخيرة من حزبها الديمقراطي وحملتها الانتخابية، التي تسبب بها هجوم إلكتروني تشير إلى أن مواقفها ستكون مختلفة على الأرجح. ومن المهم أن نسأل: إلى أي مدى ستتبنى هيلاري سياسيات أكثر حزماً وكيف ستتعامل مع روسيا؟ وسيكون هناك على الأرجح مزيد من التعاون الاستخباراتي بين واشنطن وأوروبا.
ويعد تشجيع أوروبا على عدم الاكتفاء بالتركيز على شؤونها الداخلية والاهتمام أكثر بقضايا أخرى دولية تحدياً آخر أمام الإدارة الأميركية الجديدة. وقد أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتباطؤ الاقتصاد والسياسات المحلية إلى الانحراف أكثر صوب الأحزاب أو السياسات اليمينية.
وستجري هولندا وفرنسا وألمانيا انتخابات خلال العام القادم. وأعتقد أن فوز ترامب بالرئاسة قد يدفع بالعديد من الأحزاب اليمينية في أوروبا إلى سدة الحكم. ويعني فوزه أن أوروبا ستشهد تنامي الحركات المعادية للولايات المتحدة وتبني سياسات يمينية أكثر معادية لواشنطن.
أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى صعوبة موقف الولايات المتحدة التي تحاول إرضاء طرفين في طلاق فوضوي. فينبغي على واشنطن بناء علاقات جديدة مع أوروبا وبريطانيا، وهو أمر يحتاج إلى مجهود.
الرعاية الصحية للنساء: هيذر بونسترا
مدير السياسة العامة بمعهد غوتماشر
وسمحت القوانين الأميركية بالإجهاض على مدار 40 عاماً، لكنه لا يزال أحد أكثر القضايا السياسية جدلاً في المجتمع الأميركي. وعلق ترامب على هذا الأمر في إحدى الحوارات التلفزيونية عندما قال: "في حالة تجريم الإجهاض قانونياً ينبغي تطبيق عقوبة جنائية على النساء التي تسعى للإجهاض". وحاول ترامب تعديل تصريحاته بعد ذلك بقوله: "إنه مؤيد لحق الحياة مع إعطاء استثناءات للحق في الإجهاض".
وحدد الحزب الجمهوري بوضوح موقفه من الإجهاض وهو أن "للجنين حقاً في الحياة لا يمكن انتهاكه"، ويؤيد الحزب إجراء تعديل دستوري لتأييد حق الإنسان في الحياة. في المقابل، يؤيد الديمقراطيون "حق النساء في الإجهاض بغض النظر عن المكان الذي تعيش فيه، أو مستوى دخلها أو حصولها على تأمين اجتماعي من عدمه".
وبجانب قضية الإجهاض، تشكل أمور كالقدرة على الوصول إلى وسائل منع الحمل وخدمات الإنجاب قضايا هامة في سباق الانتخابات. فقد دعا الجمهوريون إلى إلغاء قانون Affordable Care Act، كما شنوا هجوماً على برامج التخطيط العائلي القومي Title X وعيادات صحة الوالدين. بينما تعد هيلاري كلينتون أحد أكبر مناصري توفير خدمات الصحة والإنجاب للنساء.
الفقر: كارولين راتكليف
زميل واقتصادي بالمعهد الحضري للسكان والخدمات الإنسانية
ويعاني نحو 14% من الأميركيين ونحو 20% من الأطفال الأميركيين من الفقر. ولفقر الأطفال تداعيات طويلة الأجل على صحتهم وتعليمهم وقدرتهم على كسب الدخل وغيرها. ويعد تلبية احتياجات الأطفال الفقيرة وعائلاتهم أمراً حيوياً.
وقد يسهم اقتراح هيلاري كلينتون بمضاعفة تمويل برنامج (Early Head Start) إلى توسيع مظلة التعليم والخدمات الأخرى لدعم الأطفال الصغيرة وعائلاتهم، مثل برامج الزيارات المنزلية للأمهات الجدد. وسيؤدي الاستثمار في برامج دعم رعاية الأطفال إلى توفير رواتب لأمهات الأطفال الصغار وتخفيف العبء المالي عن هذه الأسر. كما ستؤدي زيادة حجم الخصومات الضريبية للأطفال وإعادة بعض المستحقات الضريبية إلى هذه الأسر إلى مساعدتها مادياً. وأشار ترامب إلى تحسين برامج دعم رعاية الأطفال، لكن العائلات ذات الدخل المرتفع ستكون المستفيد الأكبر.
وتتكبد الولايات المتحدة حوالي 500 مليار دولار سنوياً بسبب فقر الأطفال، وذلك بسبب خسارة محتملة في الإنتاج، والجريمة، وتدهور الصحة العامة. وتعد هذه التكلفة أكبر بكثير من تكلفة انتشال حوالي 60% من الأطفال خارج دائرة الفقر عبر إنفاق 77 مليار دولار سنوياً. إن الاستثمار في الأطفال الفقيرة وعائلاتهم سيعود بالنفع على المجتمع الأميركي ككل.
التغيّر المناخي: كاثلين كيلي
زميل في فريق البيئة والطاقة بمركز التقدم الأميركي.
ينتظر الرئيس القادم العديد من القضايا المتعلقة بالتغيّر المناخي وأمن وسلامة كوكبنا وصحة الناس عالمياً. وسيكون على الرئيس القادم التحرك سريعاً لتنفيذ الالتزامات الأميركية التي أقرّها اتفاق باريس بشأن خفض الانبعاثات بحوالي 26 إلى 28% بحلول 2020 من المستوى الذي بلغته في 2005.
ويبقى السؤال في هذه الانتخابات: من الأقدر على الوفاء بهذه الالتزامات محلياً ودولياً؟ تبدي هيلاري كلينتون تفهماً لخطورة وتكلفة التغير المناخي. وقد وعدت بتطبيق إجراءات حازمة تدعم ابتكارات الطاقة النظيفة وخلق فرص عمل جديدة.
وفي المقابل، يعتقد ترامب أن التغيّر المناخي أمر غير ضار وأنه خدعة ابتكرها الصينيون. وقال أيضاً إنه سيلغي اتفاق برايس وسيسارع وتيرة استخراج الوقود الحفري.
وتحتاج الولايات المتحدة الأميركية والعالم إلى رئيس يمنع خطر التغيّر المناخي. وعدت كلينتون بهذا وهي أفضل مرشحة للحد من المخاطر التي تهدد كوكبنا.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية، للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.