سابِق نفسك قبل أن يسبقك الآخرون، يجب ألا تكون الأول، بشرط أن تكون الأول بتفوق، فلا تنخدع إذا كان الجميع في مستوى منخفض وسبقتهم، لا تجعلهم معيارك، وابنِ لنفسك معايير خاصة تضمن لك التفوق الدائم، والتعب الدائم!
حقاً أنهكت، استهلكت كلياً من اعتماد التفوق أسلوب حياة، فالمتفوق لا يكفيه التفوق الدراسي ولا يرضيه إلا التميز في كل شيء، وبالتالي لا يرضيه شيء، ولا يرضي هذا القدر.
القدر موجود حتمي لا أؤمن به إيماناً قلبياً إلى الآن، أو بمعنى أدق أؤمن به بشكل جزئي، أؤمن به فيما يخص الآخرين، أما عني، فأنا مسؤولة عن كل شيء يحدث لي، إلى الآن لا توجد مشكلة ولم أنهك بعد، إلى أن جاء تيم ولدي؛ ليضرب بكل هذا عرض الحائط، كأنه جاء ليزلزل كل ما أؤمن به، بل وما حملته في صفاتي الوراثية، فمهما فعلت يمرض، ومهما حرصت واقتربت يسقط ويصاب وينزف دماء.
المرض والإصابات المتكررة سُنة الحياة البشرية، أشياء عادية ومتوقعة يجب ألا تلفتني، وهي بالفعل لا تلفتني، بل تقتلني، أتمنى أن يكون كل ذلك حلماً طويلاً ينتهي عند نقطة ما قبل الزواج؛ لأنني لست تلك الأم والزوجة المثالية التي سلمت بوجودها قبل أن أقبل على مهمة الزواج والإنجاب، فالحياة مهمات.
الحياة مهمات
الحياة -سيدي القارئ- كانت بالنسبة لي مراحل، ولكل مرحلة مهامها الواضحة ومعاييرها التي أحددها بنفسي؛ لأكون أنا المنفذ والرقيب، مرة أخرى كانت إلى أن جاء ولدي، فليس في التربية معايير واضحة، وليس كل شيء متوقعاً، وليس كل متوقع مقبولاً لديَّ، ولهذا لجأت لطبيب نفسي.
الطبيب شخص حالتي، على أنها ولله الحمد لا تصنف تحت بند المرض النفسي، لكن سلوك يحتاج إلى تقويم، طابع تطبعت به منذ الصغر، وكبر معي بداخلي، لن أستطيع التخلي عنه بسهولة، لكن بتقويم سلوكي .
المجتمع الذي يبدأ بأهلك، مروراً بمدرستك وأصدقائك ومدربيك.. مجتمع ضاغط، لا يرضى، والويل كل الويل إذا ما رفعت سقف توقعاتهم عنك، فأنت حينئذ أجرمت في حق نفسك؛ لأنك مهما تفوقت فهذا أمر متوقع، وإذا حصلت على المركز الثاني فقد خذلتهم "وليه مش الأول؟"، وإذا سقطت منك نصف درجة على سبيل أنك كائن بشري يصيب ويخطئ يأتي السؤال السخيف غير المفهوم: "فين راحت النص درجة؟".
روى لنا أحد خبراء التنمية البشرية قصة عادية، كان هناك شخص عادي عاش حياة عادية، مجموعهُ عادي، التحق بكلية عادية، ثم وظيفة عادية، تزوج بفتاة عادية، وأنجب أبناءً عاديين عاشوا حياة عادية ثم مات عادي! السؤال: هل تود أن تكون حياتك مثل هذا الشخص العادي المنبوذ اجتماعياً، خاصة بعد تلك المحاضرة؟ أم الأفضل أن تكون ياللهول شخصاً متميزاً؟
الخلاصة:
مطلوب منك أيتها الفتاة أن تكون زوجة مغرية وسيدة منزل لا يعلى عليها، وأماً ممتازة وامرأة عاملة تسر زوجها داخل المنزل، وتشرفه خارجه، فأنتِ سفيرة للمرأة نصف المجتمع، بل وسيدة اجتماعية غير منعزلة أو منطوية؛ لأنك ستنعكس حينها أنك انطوائية "برَّاوية" في حق الأصدقاء، لا قدر الله.
مطالبة أنتِ أيتها السوبر كائن أن تنجحي دراسياً وعملياً واجتماعياً وأخلاقياً وروحانياً وصحياً وعاطفياً، بل وأن تبلغي في ميعاد معين، وتتزوجي في ميعاد معين، وتنجبي ثم تنجبي ثم تنجبي ثم تنجبي في ميعاد معين، بل ونوع معين، وعدد معين خاضع لظروف كل شخص يقوم بإسقاط تجربته عليك، لتتوارثي تلك الدوامة، وتورثيها لنسلك من بعدك، حتى تقوم القيامة.
أخيراً ما كتبت لا يكفي لوصف ما مررت به وأمر وسأظل، فأنا ما بين بلاهة وسوء تقدير لأي إنجاز قمت أو ألوم له كبر أو صغر، وإحباط وشعور متواتر بالفشل، ورغبة في التوقف عن الحياة، والهروب من تلك المسؤوليات الإلهية التي أوليها لنفسي، فالإنهاك منظومة تسري في دمي، وجَلد الذات كذلك، كل ما أود أن أوضحه للقارئ ألا تحاول أن تنضم لتلك المنظومة، إذا استطعت أن تهرب منها فهو الفلاح، وهنيئاً لولدك إذا قُدّرت له أباً يسانده أمام مجتمع تنافسي يرفض الهدنة، لا يؤمن بالهدنة، ولا بالضعف، ولا بالقدر، يسقط طموحاته وضغوطه وأحكامه ونقائصه وأوهامه عليه، فالتفوق ليس دائماً راحة، وأحياناً نحتاج أن نكون شخصاً عادياً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.