يمكنني تذكر حادثتين، أو ثلاث، تسببت في إصابتي بحالة حادة من الاكتئاب، صاحَبتها بلادة وغضب، مع عدم رغبة في الفعل، ثم وقت طويل للتعافي. الأمر يتكرر الآن، وتحديداً منذ 6 أشهر، منذ أن اضطررت إلى ترك عملى في الجريدة التي قضيت فيها 5 سنوات، لأتحمّل تقلبات سوق العمل؛ لكوني محققة حرة، أرفض بيع رأسي لأحد.
أرق وكوابيس، فقدان رغبة في الحياة وتعاسة، تأجيل لمشاريع شخصية ومهنية، غضب من تهاون الأصدقاء، وانشغالهم بشؤونهم الشخصية، غضب مضاعف من المهتمين الناصحين، بعبارات يحكمها العقل والمنطق، في أكثر فترات حياتي عبثيةً وتمرداً.
كل ما سبق، أعراض جانبية لوضعي الجديد في الحياة، حيث لا تُخفي ألفة الأماكن الغربة النفسية، والضيق من كل شيء، لكنني مع ذلك حاولت ألا أستسلم، ليتحول جرحي الشخصي، إلى مجرد ندبات، أفخر بها حين أتذكر معاركي القديمة، وكأنها نوع من هِبات الحياة، كالحُب والحرية.
التكنيك الذي لجأت إليه هذه المرة، ليس جديداً على الإطلاق، ويعتمد على المثابرة في الأساس، ويصلح لأنواع المصائب كافة، وخاصة تلك التي تصيب النساء؛ من ظلم شديد، إلى قصص حب فاشلة، ومن فقد عزيز عليهن، إلى شرخ عميق في حلم كبير، يستحيل معه الإصلاح والتغاضي.
أولاً، لجأت إلى قلبي، فتَّشت فيه عن الحب، حتى يعمل كمضاد للوجع، قبل أن أغلقه على أسرار إخفاقي، فالحزن يجعلنا مثيرين للرثاء والشفقة، والشفقة تجعل الجروح تتقيح، ويزيد من ألم الروح، كل من يبدي تفهمه لألمك، كاذب لطيف، لا يعرف شيئاً.
كذلك، لا تنتظر التعويض السريع، فربما لو جاء لا نستطيع تعلم قسوة الحياة، التي تجعلنا أكثر حذراً وقوة، ربما أكثر حرصاً على ما خسرناه، فالوجع يغيّرنا، يبدل جلدنا وصفاتنا الخارجية والداخلية، في حين يمنع التعويض السريع هذا التحول.
هناك أيضا ًعبارة، كثيراً ما قرأتها وكانت تشعرني بعدم الرضا، نصها: "لا أحد مدين لك بشيء"، وكأن كاتبها يعني أنه حين تتعرض لصدمة حقيقية، فإن أحداً من المحيطين بك، ليس مضطراً إلى تكريس وقته ومشاعره لمعالجتك، فالجميع لهم مشاغلهم واهتماماتهم، وربما مصائبهم، التي عليهم الاهتمام بها أيضاً، والتجربة وحدها أكدت لي صدق تلك العبارة.
لا تَعدَّ الخسائر، فالخسائر وقعت وانتهى الأمر، ومكسبك من مصيبتك أو أزمتك الحقيقية يكمن في التعافي، ليس تعويض الخسائر، ولا حتى النسيان، فالمرأة التى تكتشف خيانة زوجها بعد 10 أعوام من علاقة فاترة، لن يعوضها شيء عن 10 سنوات عاشت فيها مخدوعة.
قد تلجأ بعض النساء في تلك الحالة إلى ارتكاب الجرائم العاطفية، أو حتى الانتحار، وذلك في حالة التركيز على الخسائر التى لا تعوَّض، بدلاً من التركيز على التعافي – القيمة الأهم، والأكثر منطقية، في المصائب من ذلك النوع.
عليك أيضاً أن تتغير، فالحل ربما يكمن في ضرورة تغيرك أنت، حتى لا تتكرر معك الأزمة، بتفاصيلها الموجعة نفسها، واعلم أن المصائب ربما تكون محطات مهمة، لتغير اتجاهاتنا ومعتقداتنا وتفكيرنا في الحياة.
لا يهم هنا أن يكون التغير لأفضل أو لأسوأ، أكثر نضجاً أو أقل، ولا يهم أن تحوِّلك التجربة بقسوتها إلى إنسان أقوى، أو أرقَّ، فالحياة أكثر تعقيداً من حساباتنا الإنشائية. أما الوقت، فعليك أن تعلم أنه دائماً سيكون في صالحك، كلما ابتعدنا عن تاريخ وقوع الحادث، وضحت الرؤية واتسعت الزاوية.
وحين تشعر بتوقف النزف، هنا فقط يمكنك أن تغسل روحك من الوجع، فاختر يوماً سماؤه صافية، تفاصيله واضحة، ووجوه الناس خلاله أقل بؤساً، واستعن بأشعة الشمس المتسكعة على الطرقات، اعبرها على مهل، واغمر روحك بحرارتها، فهي قادرة على قتْل قدر لا بأس به من أوهام الهزائم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.