بدأت حياتي الصحفية من خلال التدوين في منتصف عام 2007، وأنشأت لذلك مدونة أطلقت عليها اسم "إوعى تخاف"، مارست من خلالها أجمل لحظات حياتي، فيها تعلمت الصحافة، وباتت تشغل حيزاً كبيراً من اهتماماتي، وبدأت في تعلم فنونها.
مدونتي الصغيرة كانت بمثابة دفتر أكتب فيه وأدون ما أراه في مجتمعي، في ذلك الوقت كنت في الفرقة الثانية بكلية التجارة، وحينها بدأ اهتمامي بالصحافة والعمل الإعلامي يزداد يوماً بعد يوم، وتقمصت دور الصحفي الشغوف بنقل وتصوير ما يراه، وصرت أصور وأنشر على مدونتي، واتخذت من اسمها هدفاً لي "إوعى تخاف"، وبفضل الله في وقت قصير صرت مدوناً لي تدوينات أكتبها وتلاقي استحسان أساتذة بالنسبة لي في تلك الفترة من عمري.
ثم بعد ذلك اتخذت من المدونة طريقاً لتطوير النفس وتحقيق الهدف بأن أكون صحفياً، وهو الهدف الذي لم يكن يوماً على قائمة أهدافي وأولوياتي، فقد كنت مثل كثيرين من أبناء جيلي أحلم بأن أصبح لاعب كرة، والحمد لله وضعت برنامجاً لمدونتي وصرت أنشر عليها أخباراً أنتجها، وحوارات أنفرد بها مع قيادات ورموز سياسية ودعوية.
كانت تجربة غاية في الأهمية شجعني كثيرون عليها، أكسبتني ثقة وشغفاً أكثر على التعلم والتطوير والبحث عما هو جديد في عالم الإعلام الإلكتروني، ولم يقتصر الأمر على التدوين فقط، بل تطور الأمر إلى كتابة تحقيقات صحفية، في مواضيع شائكة فتحت آفاقي المعرفية، وزادتني إصراراً على مواصلة التجربة.
بل نجحت مع عدد من زملائي المدونين في مصر والوطن العربي في تدشين رابطة "مدونون من أجل فلسطين"، إبان حرب غزة 2009، نصرة للقضية الفلسطينية، وكلفني زملائي بأن أكون منسقاً عاماً لها، وشاركت في مؤتمرات للجنة الإغاثة الإنسانية في اتحاد الأطباء العرب، وأتذكر منها مؤتمراً في نقابة المحامين بالإسكندرية في يوم اليتيم الفلسطيني، في أبريل/نيسان 2009، وألقيت كلمة باسم المدونين نقلت خلالها قصصاً وتدوينات لأبطال من المقاومة الفلسطينية في الحرب على قطاع غزة، بمشاركة المجاهد الأسير في سجون الانقلاب العسكري المستشار محمود الخضيري، وصديقي الصدوق محمد صلاح سويدان، المعتقل حالياً في سجن برج العرب لقضاء حكم عسكري ظالم صادر بحقه؛ لعلها كانت تجربة أكثر من رائعة.
أكسبتني تجربة التدوين مزيداً من الخبرة والنجاح، وصرت على مدى قرابة العامين والنصف أكتب وأنشر أخباراً وصوراً وتقارير أنتجها بمفردي، وكان هناك تشجيع كبير من عدد من أساتذتي في العمل الإعلامي، وبعدها أتقنت المهنة وصرت صحفياً أكتب وأعمل في الفضاء الإلكتروني، فكان التدوين عبر مدونة صغيرة يشاهدها المئات حيناً والعشرات دائماً بداية انطلاق لما وصلت إليه من عملي الصحفي في مواقع إلكترونية وصحف ورقية عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، وما أنا فيه الآن من عملي محرر أخبار ومعد برامج بقنوات فضائية.
ما أردت إيضاحه فيما أوردته سابقاً أن التجربة دائماً تفيد، فلا تتكاسل عنها، حاول ثم حاول، فلن تنجح في المرة الأولى ولا الثانية وربما الثالثة، لكن كن على يقين بأن نجاحك في هدفك سيكون حليفك في يوم من الأيام، فكبار الكتاب والإعلاميين كانوا صحفيين صغاراً تعلموا واجتهدوا حتى صاروا إلى ما هم فيه الآن، كما قال لاعب البيسبول الأميركي السابق "فيرنون ساندرز لو": "التجربة معلّمة قاسية، تجعلك تخوض الامتحان أولاً، ثم تعلّمك الدرس".
ولذلك أقول دائماً لمن يسألني عن العمل الإعلامي بأنه إذا كان يحب الإعلام، ولديه شغف البحث عن الحقيقة والسعي وراءها، ولديه هواية الكتابة وحب المعرفة فليتقدم ولا يخف؛ لأن الإعلام في وجهة نظري ليس مهنة يمتهنها من لا عمل له، بل هو رسالة يحملها كل من عمل بها، وسيحاسب عليها أمام الله.
ويُعد العمل الإعلامي من أعظم الأعمال في وقتنا هذا، فمن خلال الإعلام تستطيع أن تدير معركة الوعي مع شعبك لتصحيح المفاهيم والموروثات الخاطئة التي بناها إعلام بلا ضمير أورثنا شعباً بلا وعي، كما قال "جوبلز" وزير إعلام "هتلر"، حينما سأله آنذاك ما هي الآليات التي سوف تقدمها لي للسيطرة على آراء الجمهور؟ فما كان من جوبلز إلا أن قال له: "أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطك شعباً بلا وعي".
فالتدوين طريق سلكته وأحببته، ونجحت في أن أصنع منه حالة نجاح على المستوى الشخصي والمهني، فأشكر الشبكات الإعلامية التي بدأت في إحياء تلك التجربة الفريدة مرة أخرى، وأتاحت الفرصة لكثيرين أن يكتبوا، فكم من رموز شبابية وإعلامية حالياً صنعها التدوين، وعُرفت من خلال مُدوناتها وكِتاباتها المتميزة في مدونات صغيرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.