هيك دارج!

هذه الآفة هي حب المظاهر الكارثية التي تضرب عقول معظم الشباب المقبل على الزواج وتفرغ جيوبهم، لأنه وكما يُردد على مسامعنا "بدنا نعمل عرس كبير ما انعمل مثله، وسهرة ولا أفخم مثل ما هو دارج".. بالرغم من أن الأوضاع الاقتصادية غير مساعدة ولا تسمح بالبذخ وتحمل الديون وتراكم أعباء إضافية كان من الممكن الاستغناء عنها، إنما وللأسف لا، فالمظاهر أو "البرستيج" وشوفة الحال يأتيان أولاً!

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/04 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/04 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش

داخل كل بيت عربي أب وأم يكدّان ويتعبان في بناء بيت متين الأسس وتكوين أسرة جميلة، تشكل لهما جزءاً كبيراً من الاستقرار والدعم المعنوي والنفسي فيما بعد..

فنجدهم ومن اليوم الأول يصبّان جام اهتمامهما على مولودهما، وهذا الاهتمام غالباً لا ينحصر تحت سقف فترة زمنية محددة، بل هو مستمر إلى ما لا نهاية. وطبعاً كما بات معروفاً عن مجتمعاتنا العربية بأنها الأكثر حفاظاً على الروابط الأسرية وحرصاً على إحاطة أسرتهم بالكثير من حس الالتزام والمسؤولية والعاطفة.

يكبر الأبناء وتكبر معهم الهموم وحجم تلك المسؤوليات، وتكبر مع مرور السنوات أحلام الأهل، وبالتالي تزيد مساحة التمنيات والتوقعات والاستحقاقات المرتقبة من الأبناء اتجاه من ربوهم، إنه حق الأهل على أبنائهم بعد كل ما قدموه لهم..

وبعيداً عن الغوص أكثر في تفاصيل واجبات الأبناء اتجاه آبائهم، سأروي لكم هماً من هموم أبناء جيلنا الشاب في زمننا الحاضر، وآفة تهدد المعنى الأسمى بين شريكين في طور تأسيس حياة جديدة وفتح بيتهما معاً وانتقالهما من مرحلة إلى أخرى مستقبلية ومصيرية جديدة وهامة..

هذه الآفة هي حب المظاهر الكارثية التي تضرب عقول معظم الشباب المقبل على الزواج وتفرغ جيوبهم، لأنه وكما يُردد على مسامعنا "بدنا نعمل عرس كبير ما انعمل مثله، وسهرة ولا أفخم مثل ما هو دارج".. بالرغم من أن الأوضاع الاقتصادية غير مساعدة ولا تسمح بالبذخ وتحمل الديون وتراكم أعباء إضافية كان من الممكن الاستغناء عنها، إنما وللأسف لا، فالمظاهر أو "البرستيج" وشوفة الحال يأتيان أولاً!

هناك ثغرة تزداد فجوتها أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، لا أعلم متى سنتخلص من عقدة المظاهر الكاذبة والفارغة من أي معنى؟! فتارة نسمع عن حفل زواج أقيم لفلان وفلانة كلف تلك الحسبة الباهظة بآلاف الدولارات لأجل فرحة ليلة واحدة مزدحمة بالشكليات المتطرفة، والصادمة، بالنسبة لليلة يمكن أن تكون كاملة ورائعة بأقل طرطقة صحون وتطبيل فرقة فولوكلورياً يصرعك إيقاع زحمتها والحيز الكبيرالذي تشغره..

أما مواكب سيارات جلب العروس فحدث بلا حرج وتكاليف استئجارها، فالعروس لم تعد تقبل بفارس أحلام يأتي بكل شهامة على حصان أبيض أو بسيارة جميلة وحسب، لا بل أصبح من المعيب أن تكون بلا مرافقة بلا موكب سيارات فخمة وفارهة تتشابه ألوانها بلون فستانها الأبيض والذي لم يعد بالعادي كذلك، بل إن لم يكن سعره قاطعاً لظهر البعير فهو حتماً غير مناسب وغير لائق تماماً!

وللعروس العربية دور مساهم في تعقيد الأمور أثناء مرحلة التجهيز لما قبل الزفاف، وهناك من تعمل من الحبة قبة، فتضغط على شريكها المستقبلي قائلة له على سبيل المثال "إن كنتَ فعلاً تحبني يجب أن تلبسني في ليلة العمر هذا الفستان ولا يعنيني إن كان باهظاً أم لا" ما هذا؟! أيعقل هذا التفكير والسلوك؟ وهل يكمن مقياس المحبة الحقيقية في التكلفة المادية الخيالية لليلة العمر؟!

لو تأملنا جيداً بالموضوع لوجدنا أن مفهوم السعادة أبسط بكثير من معتقداتنا وسلوكياتنا الحالية مقارنة بعاداتنا الجميلة والمنسية، فما عاد صالون المنزل أو حديقته يتسع لمحبة المعازيم والأهل.. فالقاعات موجودة ومبدأ (هيك دارج) غالب ومسيطر، السعادة غير مرتبطة بالشكليات التي يقوم كلا الفريقين والمختصون والقيمون على رسمها والتخطيط لها والعمل على تطبيقها لكلا الشريكين بمقابل مادي كبير لفرحة مكانها الأصلي القلب.

كمغيبين للعقل والوجدان بتنا نتصرف! ولو وجهت محور الموضوع بأكمله ووضعنا الفتاة الغربية في مكان الفتاة العربية، فمن المؤكد أننا سنجد اختلافاً شاسعاً بينهما، فعقلية الفتاة الغربية ستمنحها الثقة التامة في الإقدام على الارتباط بمجرد القبول وتوفر خاتم الزواج والرضى عن الشريك ليس إلا، بينما في عالمنا الغارق بحب المظاهر (الخاتم) بات ثانوياً ولمواكب السيارات وتوابعها الغلبة. (وما زالت الأفراح في دياركم عامرة).

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد