لو كنتِ رجلاً أبيض هل تتلقين الإهانات؟.. سيدة أعمال بريطانية تتعرض لانتقادات بسبب مغادرة الاتحاد الأوروبي.. وهذا رأيها

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/04 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/04 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش

المرأة التي وضعت خطط تيريزا ماي لمغادرة الاتحاد الأوروبي على المحك مقتنعة بأنها فعلت الشيء الصحيح، رغم النقد اللاذع

قالت سيدة الأعمال التي تتصدر المعركة القضائية من أجل ضمان استشارة البرلمان قبل تفعيل تيريزا ماي إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، إن الدافع وراء هذه القضية التاريخية هو تخوفها من أن تواجه بريطانيا "مستقبلاً غادراً".

وفي مقابلة مع صحيفة "الغارديان" قالت جينا ميلر، إنها تعرف أن الحكم سوف يسبب لها عداوات مع الكثير من المصوتين في استفتاء الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تعتقد أن المملكة المتحدة قد خذلت نفسها وباقي الاتحاد الأوروبي، بالتصويت لصالح مغادرة هذا التكتل، بدلاً من إصلاحه من الداخل.

وأضافت ميلر "لا يعنيني أبداً البقاء أو المغادرة. كان لدي ميلٌ كبير، وما زال لدي، نحو البقاء، والإصلاح، والمراجعة. لدى المملكة المتحدة بالفعل مكانة قوية جداً في أوروبا… ونحن بهذا لم نخذل أنفسنا فقط، بل أعتقد أننا خذلنا أوروبا بأكملها بعدم تصدّينا لهذا التحدي".

خشيت المستقبل الغادر

قبل إطلاق قضيتها، قضت السيدة التي تبلغ من العمر 51 عاماً، والتي تشارك زوجها آلان إدارة شركة "إس سي إم برايفت" الاستثمارية، 10 سنوات في حملة من أجل الشفافية في صناديق الاستثمار والتقاعد، والإصلاح في القطاع الخيري. وقالت "لقد تصدّيت لأمورٍ وفقدت شعبية كبيرة. إلا أن الأمر لا يتعلق بفقدان الشعبية، ولكن بفعل الشيء الصحيح".

وأضافت ميلر لصحيفة "الغارديان" أنها شعرت بأنها مضطرة إلى اتخاذ أي إجراء بأي شكل بعد نتيجة الاستفتاء في يونيو/حزيران، فقامت بالتعاقد مع مكتب ميشكون دي ريا للمحاماة من مالها الخاص، قائلة: "أنا ببساطة لم أعُد أستطيع أن آوي إلى الفراش كل ليلة وأنا أفكر، حسناً، ما الذي يعنيه [التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي] لأطفالي، وماذا يعني هذا للمستقبل، ما الذي يعنيه للجميع؟" وأضافت: "مع علمي أنه لا توجد أي خطة، ومعرفتي بأننا بالفعل بصدد مواجهة مستقبل غادر… شعرت حينها بأنه ليس لدي أي خيار آخر".

أرفع صوتي عندما أرى أن شيئاً يشوبه الخلل

ويشارك الكثيرون أيضاً جينا ميلر في هذا القلق الذي شعرت به بعد نتيجة الاستفتاء، إلا أن غالبية الناس لم يستدعوا محاميهم، ولم يرفعوا دعاوى قضائية رفيعة المستوى. وأضافت ميلر: "هذه هي طبيعتي فحسب، وهذا هو ما أفعله. أحب أن أتصدَّى وأرفع صوتي، عندما أرى أن شيئاً يشوبه الخلل يحدث".

وقد جعلتها حملاتها السابقة لا تحظى بالشعبية في بعض الدوائر، وقد صرحت لصحيفة "نيويورك تايمز" الشهر الماضي، أن بعض الناس في المدينة كانوا يلقِّبونها بـ"الأرملة السوداء". إلا أن هذا لا يُعد شيئاً مقارنة بالنقد اللاذع، بل وتهديدات القتل التي تعرضت لها، منذ أن أصبحت تمثل التحدي القانوني الرئيسي أمام خطط الحكومة للخروج من الاتحاد الأوروبي. وعقب صدور قرار المحكمة، تحدث الناس على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي يصفونها بأنها "العاهرة الغنية"، و"المولودة في الخارج"، ويتساءلون، من تظن نفسها.

لو كنتِ رجلاً أبيض هل تتلقين الإهانات؟

ولم تتناول ميلر هذه الإساءات التي تلقتها بحرفيتها، واكتفت بالقول إن هذه الإساءات "كانت كبيرة"، مضيفة: "كل ما أستطيع قوله، هو أن الناس الذين يريدون دعمي يفعلون هذا بأصوات خافتة، بدلاً من التصريح بذلك بوضوح، لأنهم خائفون".

تعود أصول ميلر إلى غيانا، ولكنها تعيش في المملكة المتحدة منذ أن كانت في العاشرة. ورداً على سؤال عما إذا كانت تعتقد أنه إذا كان مكانها رجل أبيض، فهل كان من الممكن أن يتلقى نفس المستويات من الكراهية، ضحكت ضحكة مقتضبة وأجابت "لا"، "الجواب بسيط: بالتأكيد لا".

لا يمكن أن يكون لدينا هذا المجتمع الممزق الذي نراه الآن

في بعض الأحيان ترى أن تردد الآخرين بتقديم الدعم العلني لها، أمر مؤسف. وقالت: "ولكن عموماً يمكنني أن أعتقد أن هذا هو بالضبط السبب في أنني يجب أن أفعل هذا، لأننا علينا أن نعمل معاً"، مضيفةً: "لا يمكن أن يكون لدينا هذا المجتمع الممزق الذي نراه الآن".

عشت الفقر والثراء

وقالت ميلر لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنها عاشت الفقر والثراء: فقد ولدت فيما كان يعرف آنذاك بـغويانا البريطانية، وقد أرسلها والداها إلى المملكة المتحدة للالتحاق بمدرسة ريودان، وهي مدرسة ساكس الداخلية المرموقة، ولكنها هربت بعد تعرضها للمعاملة القاسية، وأضافت: "إن هذه التجربة جعلتني أكثر صلابة في وقت مبكر للغاية".

وقد وصفت نفسها بأنها "مدفوعة بإحساس عدم الملاءمة"، فقد كانت في مرحلة ما تطمح إلى أن تكون محامية، إلا أنه قيل لها "إن القضاء الجنائي لا مكان فيه للمرأة".

عملت خادمة وعارضة أزياء

تزوجت في سن صغيرة، وكانت لها ابنة معاقة، والآن ابنتها في أواخر العشرينيات من عمرها، ولا تزال تعيش معها. وكان لديها طفلان آخران بداية أربعينيات عمرها، من زوجها الثالث، آلان.

وقد عملت في مراحل مختلفة من حياتها المهنية خادمةً، وعارضة أزياء، ورائدة أعمال. كتبت تقول: "لقد كنت أتوجه دائماً إلى المهن التي يهيمن عليها الذكور، والتي تحتاج إلى مجهود من نوع خاص".

رأيها "القانوني" بنتيجة الاستفتاء

وكانت ميلر هادئة في أعقاب الحكم، وهي تواجه عشرات الصحفيين، وأطقم قنوات التلفزيون، أمام محكمة العدل الملكية. وصرحت قائلة: "النتيجة اليوم تمس كل واحد منا، ليست من أجلي أنا أو من أجل زملائي في الفريق"، وأضافت: "إنه شيء من أجل وطننا، المملكة المتحدة، ومن أجل مستقبلنا… هذه القضية لا تخص السياسات، وإنما الإجراءات".

وفي حديثها لـ"الغارديان" نفت ميلر أن تكون قضيتها محاولة لتقويض نتيجة الاستفتاء، قائلة: "لا أعتقد أن هذا ممكن". وقالت إنها محاولة للتوضيح القانوني، حول مسألة هل يحق للحكومة تفعيل المادة 50، أم يجب أن يوافق عليها البرلمان أولاً.

وأضافت: "كل الناس الذين كانوا يقولون "نحن بحاجة لاستعادة السيطرة"، "نحن بحاجة إلى السيادة"، حسناً، لا يمكنكم امتلاكها بهذه السهولة، ثم تديرون ظهوركم وتقولون "سوف أتجاوز ذلك الآن، ولن أسعَ إلى التشاور مع نواب البرلمان". "لا يمكنك الحصول على الأمرين معاً".

"جميع الذين صوتوا –سواء بالبقاء أو المغادرة– فعلوا ذلك وهم يريدون تغيير الأمور إلى الأفضل، وهم يشعرون الآن بالإحباط، وأنا أتفهم هذا تماماً".

إلا أنها أضافت: "ما لم نحصل على تأكيد قانوني لمعرفة ما نقوم به ونحن نمضي به قدماً، فمن يدري ما الذي يخبئه لنا المستقبل؟ ربما نسير الآن عبر كثير من التحديات القانونية، والكوابيس المزعجة. أليس من الأفضل أن تتحقق الشرعية القانونية على ما نقرره الآن، وليس بعد ذلك؟"

الإجراءات أشكال الخدمة العامة

ولدى ميلر كذلك مشاريع خيرية، مثل حملة الحق والعدل من أجل تحقيق الشفافية والتدقيق في صناديق المعاشات.

وقد صرحت لصحيفة "الغارديان"، بأنها تنظر إلى الإجراءات القانونية بوصفها شكلاً من أشكال الخدمة العامة. تقول: "إن أحد معتقداتي، ومبادئي الأساسية في الحياة، هو ما أسميه أنا بالرأسمالية الواعية… لقد عملت في كل شيء، ولا يسعني إلا أن أعتقد أنه ليس هناك طريق أفضل من الوقوف والجهر بما هو صحيح، وما هو مطلوب لبناء مجتمع أفضل. ولذلك فإن هذا بالنسبة لي، هو امتداد كبير لعملي الخيري".

وتموِّل ميلر قضيتها من جيبها الخاص، ورغم ذلك فإنها لم تذكر حتى الآن كم أنفقت، أو مقدار ما تتوقع أن تنفقه. تقول: "لقد كان الأمر بعيداً عن مجرد الإنفاق النقدي"، وهي الآن بصدد الدفعة الأخيرة، إذ حُوِّلت القضية إلى المحكمة العليا، لتُنظر في الخامس من ديسمبر/كانون الأول، بعد تخطي محكمة الاستئناف.

وعلى الرغم من ابتهاجها بحكم المحكمة العليا، فإنها صرحت بأنها أصيبت بخيبة أمل بمسارعة الحكومة إلى إعلانها أنها ستستأنف على الحكم، وقالت: "بدلاً من أخذ الوقت الكافي لقراءة الحكم بالكامل، وإعادة النظر في موقفهم". "أنا بالفعل لا أرى أنهم سوف يحصلون على أي نتيجة مختلفة في المحكمة العليا، عما لديهم اليوم".

كانت ميلر أكثر يقيناً من أي وقت مضى في أن التحدي القانوني الذي قامت به هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله. وقالت: "لم يسبق لي أن تراجعت أبداً، والذي تكشف بالفعل، هو أن مستوى الانقسام جعلني [أكثر اقتناعاً] بأنه لم يكن ثمة بديل آخر"، مضيفة أن "هذا هو ما كان يجب أن يتم".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة "الغارديان" البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد