تحتفي الجزيرة بالذكری العشرين لانطلاقها علی وقع صفيح ساخن تشهده المنطقة العربية والإسلامية، لعبت الجزيرة دوراً بارزاً في نقل الكثير من جوانبه، وتطوراته، انطلاقاً من "الرأي والرأي الآخر" شعار الجزيرة الذي اعتمدته منذ لحظة انطلاقها في العام 1996.
استطاعت الجزيرة كسر الخطوط الحمراء من وجهة نظر الأنظمة العربية، التي لم يكن بمقدور أي وسيلة إعلامية عربية تجاوزها، أو حتی مجرد الاقتراب منها؛ نظراً لانعدام الأفق المتاح للعمل الإعلامي وحرية النشر في العالم العربي بشكل عام، واستطاعت الجزيرة بدعم القيادة القطرية تجاوز مربع الرقابة السلطوية إلی مربع المهنية الشعبوية التي مكنتها من الوصول إلی الجمهور العربي خلال وقت قصير من انطلاقها.
ولأن الجزيرة بدأت بالعمل وفق رؤية أكثر انفتاحاً علی قضايا لم تكن مألوفة من قبل بالنسبة للحكومات العربية كان من البديهي أن تخوض الجزيرة معركة وجود مع قرارت رسمية بإغلاق مكاتبها في أكثر من بلد عربي، وهي قرارات اتخذت لوقف انتشارها المتسارع وبغية إخضاعها لمسار معين يتجنب الحديث عن قضايا تمس مصالح الشارع العربي، لكن ذلك لم يغير من سياستها التحريرية التي بقيت ثابتة، وإن تأثرت بمتغيرات معينة تتعلق بتوجيهات رسمية في البلد المستضيف.
الجزيرة لم تكن مجرد قناة إخبارية فقط بل امتد دورها ليصبح أكثر فاعلية في قضايا مصيرية تهم الشارع العربي والإسلامي مثل الحرب في أفغانستان التي عوقبت فيها الجزيرة بحبس صحفييها كثمن لدورها المهني في كشف الانتهاكات، وهو ذات الأمر الذي تكرر في العراق بعد نشر الجزيرة للكثير من الانتهاكات بحق السجناء والمواطنين وتفردها بتغطية معركة الفلوجة، ونقل معاناة أهلها للعالم، لكن الثمن في العراق كان استهدافاً متعمداً لمكاتبها وقتل مراسلها هناك طارق أيوب، وتعدی الأمر ذلك إلی التهديد بنسف القناة من قبل إدارة بوش الابن بعد فشل ضغوطها علی القيادة القطرية.
امتلكت الجزيرة صحفيين مهنيين يمتازون بقدرة عالية من المخاطرة والمغامرة جعل الجزيرة الأكثر قرباً من مواقع الأحداث المهمة في تغطية إخبارية اقتربت من المشاهد الفلسطيني من بوابة غزة والشجاعية، ومن المشاهد اللبناني من بوابة حرب تموز ومجزرة قانا الثانية، واقتربت من الشعوب الثائرة في يوميات الغضب الشعبي الذي طالت شرارته أكثر من دولة عربية.
كانت الجزيرة في 2011 يمنية وتونسية وليبية ومصرية وسورية في وقت واحد، وفق تصنيف متابعيها في هذه الدول التي شهدت ثورات شعبية خالصة امتزجت بالدم المقرون بخطايا الأنظمة العربية، وهذه الفترة كانت المرحلة الأكثر تضييقاً التي واجهتها الجزيرة؛ نظراً لتعرضها لحملة تحريض ممنهجة بدأت بإغلاق المكاتب وتهديد المراسلين، مروراً بوقف بثها عبر القمر الصناعي المصري "نايل سات"، وانتهاءً بالتشويش المتعمد الذي طالها أكثر من مرة.
ومثلما وثقت الجزيرة لحظات ويوميات الحرب في غزة ولبنان فإنها كانت حاضرة في المشهد المصري طوال ثمانية عشر يوماً هي عمر الثورة المصرية، ولم تكن بعيدة عن سرت في يوم مقتل العقيد، أو عن صنعاء في يوم مجزرة الكرامة، لقد كانت حاضرة حتی في زوايا الثورة السورية رغم عدم وجود مراسلين لها هناك.
ويتفق الجمهور العربي في الدور الذي لعبته الجزيرة في أحداث الربيع العربي، لكن نقطة الاختلاف تكمن فيمن يری انحيازها للشعب في مطالب مشروعة وبين من يری أنها سبب الفوضی والدمار من خلال تحريضها علی الثورة!
وسواء اختلفنا مع الجزيرة أو اتفقنا معها، فإن ذلك لن يغيّر من أن الجزيرة أصبحت إمبراطورية إعلامية عالمية تجاوزت الجغرافيا ووصلت إلی أصقاع المعمورة عبر قنوات بلغات مختلفة ومحتوی متنوع يتماشی مع الجمهور المستهدف.
للجزيرة إيجابياتها وسلبياتها من وجهات نظر متعددة، ولست هنا بصدد تقييمها، فهذا متروك لمن هم أهل لذلك، لكن ما أعرفه أن الجزيرة كانت النواة الأولی للإعلام العربي الحر، الذي يقترب من الجمهور بشكل أكثر مهنية وواقعية ويبتعد عن تنميق الكراسي وذوي الجاه والسلطان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.