وقوف التمثال المهيب للقديس الشفيع التشيكي، ووجود الطُرُق المُشْجِرَة الواسعة التي تؤدي إلى مدينة براغ، العاصمة التاريخية، يجعل من ميدان فاتسلاف المكان المثالي لتحديد الهوية الوطنية للدولة، أو على أقل تقدير، لتحديد اسمها.
ولذا، عندما قررت السلطات التلاعُب في الاسم الرسمي لجمهورية التشيك، فقد أحسنوا الاختيار عندما أجروا تجربة على الاسم الجديد في ميدان فاتسلاف، حيث يتم في أغلب الأحيان التأكيد على التطلعات الوطنية المختلفة، أو سحقها بطريقة درامية في بعض الأحيان، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان.
لكن، حتى بعد مرور 6 أشهر على اعتماد الاسم الأقصر -تشيكيا- بشكلٍ رسمي من قِبل قادة البلاد، والذي من المفترض أن يكون أقوى وأفضل، يبدو أن مواطني الدولة الواقعة في وسط أوروبا البالغ عددهم 10 ملايين مواطن، في شك حول الاسم الذي يجب أن يطلقوه على وطنهم.
اختاروا اسم بلادهم
"جمهورية التشيك"، كان هذا هو الرد الأكثر شيوعاً من شخص تلو الآخر عندما طُلِب منهم تسمية بلادهم. وكان البعض يتلقّون السؤال وهم يحدقون النظر في من يسأله وكأنهم ينكرون عليه سؤاله، وفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الثلاثاء 25 أكتوبر/تشرين الأول 2016.
لوكاس هاسيك، البالغ من العمر 40 عاماً، والذي يعمل مهندساً للبرمجيات، عندما كان يتحرك مُسْرِعاً في اتجاه ميدان فاتسلاف لرؤية الدالاي لاما الذي كان يزور مدينة براغ في ذلك الوقت، قال، "الأمر مُربِك قليلاً. لا يطلق عليها أحد اسم تشيكيا، ولا أدري ما السبب وراء ذلك. اعتاد المواطنون على اسم جمهورية التشيك، وأظن أن علينا الإبقاء عليه".
تشيكيا لا يبدو جيداً
أما زدينيك تشيك، الطالب بكلية الطب بجامعة تشارلز في براغ، والذي يبلغ من العمر 30 عاماً، فقال "بالطبع أريد اسماً أقصر، ولكن تشيكيا لا يبدو جيداً بالنسبة إلي. يبدو صغيراً جداً، أو كأننا نتحدث بلهجة مختلفة عن لهجتنا الأم".
في شهر أبريل/نيسان الماضي، أعلن بعض قادة التشيك، وعلى رأسهم الرئيس التشيكي، ميلوس زيمان، والذي كان وراء فكرة تغيير الاسم، أن اسم تشيكيا سيحل محل اسم جمهورية التشيك، ويتم التعامل به كلقب مشترك في المعاملات اليومية، بنفس الطريقة التي تتبعها معظم الدول الأخرى المعروفة بأسماء تُسقِط وضعها الدستوري الرسمي.
أما الشعار القديم، جمهورية التشيك، والذي دار الخلاف حوله، فلن يختفي بالكلية. وقيل إن سبب الجدال حول الاسم أنه كان طويلاً للغاية ولا يجذب الانتباه على الساحات العالمية أو الاستثمارات الأجنبية. أما تشيكيا، فسيكون سبباً في تسهيل المعاملات ويصبح اسماً أسهل في تمييزه.
الاعتراف بـ تشيكيا
استخدم زيمان الاسم المُختصر خلال المُقابلة الأخيرة التي أجرتها معه صحيفة الغارديان البريطانية. وحازت المُبادرة التي أطلقها على قبول كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، إضافةً إلى بعض الدول الأخرى.
وأوصت لجنة الحكومة البريطانية الدائمة للأسماء الجغرافية الشهر الماضي، أن يتم تعريف الدولة باسم تشيكيا من الآن فصاعدا، بعد أن دخل ذلك الاسم إلى قاعدة بيانات الأمم المتحدة. كما اعتمدت وزارة الخارجية الأميركية رسمياً، الاسم تشيكيا، ليكون النسخة المُختصرة من جمهورية التشيك، جنباً إلى جنب مع النسخة الأطول.
وقد دفع هذا التغيير في دفع بعض وسائل الإعلام لتغطيته تغطيةً كبيرةً جزئية. فقد صدر مقال الأسبوع الماضي تحت عنوان "لم يعد اسم 'جمهورية التشيك' يعني شيئاً، بينما لم ينتبه الكثيرون لذلك". وصرح قائلاً "جمهورية التشيك لاقت حتفها: فلنعلن الهتاف تحيةً لتشيكيا".
ولكن، تكمن المشكلة هنا في أن الاسم تشيكيا، لا ينتشر بين المواطنين. واستمرت السلطات التشيكية في استخدام مصطلح جمهورية التشيك في المراسلات الرسمية والمواقع الإلكترونية التي تستخدم اللغة الإنجليزية، بما في ذلك الموقع الإلكتروني الرئاسي لزيمان.
تضارب رسمي
وقد استخدم المتحدث باسم رئيس الجمهورية المصطلح الطويل أيضاً في إحدى تغريداته على تويتر هذا الأسبوع، ينتقد فيها وزير الثقافة التشيكي بعد لقائه بالدلاي لاما. أما أندريه بابيس، وزير المالية وحليف زيمان الذي ينحدر في الأصل من سلوفاكيا المجاورة، ومن المتوقع أن يتولى منصب رئيس الوزراء المُقبل، فقد أشار إلى البلد باسم جمهورية التشيك بدلاً من تشيكيا في اللقاء الأخير الذي أجراه مع وكالة Bloomberg الإخبارية.
وأوضح جان إيربان، الأستاذ والمحلل السياسي بجامعة نيويورك في براغ قائلاً "ليس تشيكيا، الاسم المُكون من كلمة واحدة، للاستخدام الرسمي من قبل أجهزة الدولة. بل هو للاستخدام غير الرسمي، مثلما يطلق الصحفيون البريطانيون اسم بريطانيا على دولتهم بدلاً من بريطانيا العُظمى، أو كما يُطلَق على الجمهورية الفرنسية اسم فرنسا".
وترجع الخلافات حول تسمية الدولة إلى 1992 على أقل تقدير، عندما كانت تشيكوسلوفاكيا السابقة مُقسّمة – فيما يسمى بالطلاق المخملي- لتشكيل دولتين مستقلتين وهما جمهورية التشيك وسلوفاكيا.
خلاف قديم
رُفِض اسم بوهيميا لأنَّه يستثني بوضوحٍ مورافيا وسيليزيا التشيكية شرق البلاد. ورُفِض اسم تشيكيا في البداية لأسباب مماثلة، بما أنَّه مشتق من اسم القبيلة السلافية التي تعود إلى القرن السادس والتي استقرت في بوهيميا، وهو الاسم الذي تقرَّر لاحقاً أن يكون الاسم اللاتيني البديل للمقاطعة.
قال بعض الناس أيضاً إنَّه قبيح جداً، أو أنَّ وقعه مثل جمهورية الشيشان الروسية. عاد الاسم الآن ثانيةً، مغضِباً بعض مَن يظنُّون أنَّه يسيء تمثيل صورة البلد ويتسبّب في سخرية الآخرين، الذين يعدُّونه نكتة.
قالت يانا ستيسكالوفا، طبيبة النساء والتوليد المنحدرة أصلاً من مورافيا "أحب اسم جمهورية التشيك لأنَّه لا يبدو عنصرياً". وقالت معلِّمة اللغة التشيكية لمجتمع المغتربين الأجانب الكبير في براغ، إليزكا تشميركوفا "يبدو اسم تشيكيا شرقياً جداً، ليس وقعه مناسباً لدولة غربية".
وأضافت أنَّ تسمية البلاد تشيكيا سيكون مبرَّراً تاريخياً ولكنَّه لن يعلق في أذهان الناس على الأرجح. ثم تابعت قائلةً "في اسم تشيكيا بعض المنطق من الناحية التاريخية، ولكنَّ عامة الشعب سيطلقون عليها جمهورية التشيك. لا يمكنك تغيير اللغة بالقانون، فهي كالكائن الحي. لا يهتم بهذا الأمر سوى علماء اللغة والقوميون. عندما أتحدث عن تشيكيا مع أصدقائي، نسخر منها ولا نستخدمها مطلقاً".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.