كان شعرها مجعداً بشكل جميل، ووجهها أخّاذاً ومزيناً بمساحيق تجميل، ونبرة صوتها رصينة وهادئة، هكذا كانت أسماء الأسد عندما أجرت الأسبوع الماضي أول حوار تلفزيوني لها منذ 8 أعوام.
وقالت أسماء لمحاورها بلكنتها الإنكليزية الخفيفة: "مثل كل السوريين، أشعر بالألم والحزن عندما أرى الجرحى والأرامل وضحايا الصراع في بلدي وأحاول مساعدتهم. هل يمكنك تجاهلهم؟ في سوريا، نحن نؤمن بضرورة احترام عالمنا. هذا أمر مهم"، وفقاً لما جاء بصحيفة "الغارديان" البريطانية.
ولم يُثر محاورها، خلال لقائها في قناة "24" بالتلفزيون الروسي الرسمي، أية مواضيع تتعلق بقصف المدنيين بالبراميل المتفجرة أو الدعم الروسي لنظام الأسد عبر قصف معارضيه الذي أدى إلى اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، لكن كان هناك اعتراف ضمني بوجود معاناة غير مسبوقة لدى طرفي الصراع.
وبدلاً من إثارة المواضيع السابقة، سأل المحاور الأسد عن السبب وراء إصرار الإعلام الأجنبي على انتقاد عائلتها بدلاً من التركيز على أعمالها الخيرية. لترد الأسد بـ"هذا سؤال ينبغي أن توجهه إليهم".
ورغم أن اللقاء التلفزيوني لم يحتوِ على أية مصارحة أو مكاشفة، فإن قرار الخروج عن صمتها والتحدث لأول مرة منذ 8 سنوات أثار مشاعر كثيرين تجاه السيدة التي حظيت بألقاب كثيرة؛ تبدأ من "وردة الصحراء"، لتنتهي إلى لقب "سيدة الجحيم الأولى". كيف يتماشى ذكاء ورقي هذه السيدة التي تتحدث بلكنة لندنية متعاطفة مع وحشية نظام زوجها بشار الأسد؟ ولماذا خرجت للحديث الآن؟
يرى ديفيد ليش، أستاذ التاريخ بجامعة ترينتي بسان أنطونيو بولاية تكساس الأميركية ومؤلف كتاب "سوريا: سقوط بيت الأسد"، أن قرار السيدة الأولى بالظهور الآن علامة على الثقة وكيف يرون أنهم منتصرون في الصراع الدائر بالبلاد. ويعتقد ليش أن ظهور الأسد جزء من حملة علاقات عامة ينفذها النظام لرسم صورة الاستقرار وحتمية سيطرته على مجريات الأمور بالبلاد.
وتابع أستاذ التاريخ بقوله: "أعتقد أنهم يشعرون بالأمان تجاه المستقبل القريب بسبب الدعم الذي يتلقونه من النظامين الروسي والإيراني".
وعلى العكس من زوجها، لم تتربَّ أسماء الأسد في قصر ديكتاتور وحشي؛ بل عاشت في بيت عادي بمنطقة أكتون بمدينة لندن مع والدها طبيب القلب. وقد درست في مدرسة كنيسة إنكلترا، حيث كانت طالبة عادية ودودة تعرف باسم "إيما".
استأنفت الأسد دراسة الفرنسية وبرمجة الحاسوب في الكلية الملكية بلندن، ثم عملت مصرفية في مدينة نيويورك. كان لقاؤها الأول ببشار في مدينة لندن، حيث كان يتلقى تدريباً كطبيب عيون وتواصلوا بعدها في عام 2000، ليتزوجا سراً. بعدها بأشهر، أصبح الأسد رئيساً لسوريا عندما توفي والده وكانت أسماء حينها تبلغ من العمر 25 عاماً.
كانت آمال كبيرة معلقة على الزوجين في بداية عهدهما على الأقل. فبعد سنوات من الديكتاتورية الوحشية التي اتسم بها عهد والده حافظ الأسد، اعتقد كثيرون أن طبيب العيون الذي تلقى تعليمه في الغرب وزوجته الجذابة بريطانية المولد سيدشنان عهداً جديداً من الانفتاح والحرية.
ويقول كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني: "لقد كان الناس يتحدثون عن ربيع دمشق عندما خلف بشار والده في الحكم. كان هناك تغيرٌ وإحساس بالانفتاح بعض الشيء. كان الرئيس الجديد أكثر سهولة في التواصل. تم الاستغناء عن بعض الحرس القديم في نظام والده. ووظفت حملات علاقات عامة باهظة الثمن لرسم صورة جيدة عن الزوجين على المستوى المحلي والعالمي".
بحلول عام 2010، حاورت كاتبة بمجلة "فوغ" الأميركية أسماء ووصفتها بـ"أكثر السيدات الأوائل نقاءً وحيوية وجاذبية". لكن منذ ذلك الحين، بدأت الصورة الخيالية لأسماء بالتصدع.
بعد نشر المقال بعام، اشتعلت الثورة السورية عندما ألقي القبض على مجموعة من طلاب المدارس يتراوح أعمارهم بين 10 و 15 عاماً. عُذّب الأطفال بسبب عبارات معارضة كتبوها على جدران مدارسهم في مدينة درعا تقول: "الشعب يريد إسقاط النظام".
خرج مئات السوريين في مدينة درعا للاعتراض على معاملة الأطفال وانتشرت الحركة الاحتجاجية سريعاً في مناطق أخرى. بعدها، سحبت الكاتبة أنا وينتور وصفها للسيدة الأولى وتم مسح المقال من موقع مجلة "فوغ".
كان هناك شكوك وتساؤلات في بداية الصراع حول مدى معرفة أسماء بأفعال زوجها. وسجلت زوجتا السفيرين البريطاني والألماني لدى الأمم المتحدة مقطع فيديو في 2012 يناشدان خلاله أسماء "المخاطرة والتحدث بصوت عال للمطالبة بوقف حمامات الدم"، وقالتا أيضاً في الفيديو: "لا يمكن أن تظل مختبئة خلف زوجها".
ويقول دويل: "بعد سنوات من الصراع الطويل والوحشي، يصعب اعتقاد أن أسماء لا تعرف حتى الآن ما يفعله زوجها. إنها تغض الطرف عما يحدث. أعتقد أن الأفراد يصبحون أكثر ارتياحاً في موقع القوة. والسلطة تفسد الأشخاص. مع الوقت، يتنامى حبهم المناصب ويقعون في شرَك السلطة ويصبحون أكثر تأقلماً مع الممارسات الديكتاتورية".
وتابع دويل بقوله: "بعد 5 سنوات من معايشة كل هذه المذابح والدمار والتهجير، من الصعب اعتقاد أن أسماء وغيرها في مواقع السلطة لا يعون جيداً ماهية الذي يحدث في سوريا".
شراء مجوهرات وملابس
وقُطع الشك باليقين عندما نشرت صحيفة "الغارديان" تسريبات من البريد الإلكتروني الخاص بالزوجين يظهر إنفاق أسماء مبالغ ضخمة لشراء مجوهرات وديكورات داخلية وملابس في الوقت الذي يتعرض فيه السوريون للقصف المتواصل.
وتوضح الرسائل الإلكترونية أيضاً قوة وقرب علاقة الزوجين. ففي رسالة بعثت بها لزوجها، قالت أسماء: "إذا ظللنا متماسكين معاً، فسنتجاوز هذه المحنة معاً. أحبك".
انتشرت هذه الرسائل عبر سوريا، بالإضافة إلى صور على فيسبوك تظهر خلالها النخبة الحاكمة وهي تستمتع بحفلاتها السخية في الوقت الذي يتضور فيه كثيرون من السوريين جوعاً.
ورغم مرور 5 سنوات على هذا الصراع المدمر، لاتزال هناك أجزاء من مدينة دمشق، التي يسيطر عليها نظام الأسد، تتمتع بحياة طبيعية نسبياً. ورغم أن القصر الرئاسي، القابع بأعلى تلة بالمدينة، لم يمسسه أي ضرر، يعتقد كثيرون أن الزوجين وأبناءهما، حافظ ذا الـ14 عاماً، وزين ذا الـ12 عاماً، وكريم ذا الـ 11 عاماً، يعيشون في بيت آخر شديد الحراسة بحي المالكي.
تذهب أسماء بأولادها كل صباح لمدرسة مونتسوري. وبدأ ابنها حافظ بالظهور في الفعاليات الشبابية برفقة أمه، ما يراه البعض إعداداً لتولي أعمال الأسرة مستقبلاً. ويحب حافظ برمجة الحاسوب ويتعلم الروسية، وهو طويل القامة كوالده.
ورغم انسحاب أسماء من الظهور التلفزيوني أو الظهور علناً في المدينة طوال الأعوام السابقة، فإنها لاتزال حريصة على تلميع صورتها العامة عبر حسابات رسمية لها ولزوجها على موقع إنستغرام. وتظهر على الحساب صور متواصلة لزياراتها الإنسانية للجنود الجرحى والأطفال المبتسمين، يرافقها هاشتاغ: "نحبك يا أسماء".
ولا تزال صور العائلة الحاكمة تزين الحلي المنتشرة في المحلات الصغيرة بالعاصمة، لكن قليلين باتوا يصدقون هذا الوهم حتى بين أفراد الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.
ويقول مصدر مطلع لصحيفة "الغارديان": "أعتقد أن هناك استياء عاماً بين السوريين، حتى بين العلويين، تجاه نظام الأسد؛ لأنهم يشعرون بأنهم من يدفعون فاتورة هذا الصراع . في القرى العلوية، يمكنك سماعهم يقولون: (القبور لنا والقصور لهم!)"، في إشارة إلى عائلة الأسد.
وتعقيباً على شعبيتهم، يقول ليش: "بكل تأكيد، خسرت عائلة الأسد جاذبيتها السابقة لاندلاع الحرب. بالنسبة إلى الكثير من السوريين، لقد خسرت العائلة شرعيتها في الحكم. لذا، فإن السؤال المهم الآن هو: هل يدركون ذلك؟ هل يدرك النظام إلى أي مدى تحول العامة بعيداً عنه؟".
– هذا التقرير مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.