أسد يركب “توك توك”

أنهى الرجل حديثة بنداء: ألا يوجد أحد ممن يحبون مصر يقول لا لما يحدث فيها اليوم، يقول لا للتجار الذين يتاجرون بأحلام الناس في العدالة والديمقراطية؟ وطلب من المذيع طلباً واحداً فقط، هو أن يذيع صرخته هذه كاملة ولا يقتطع منها حرفاً واحداً.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/19 الساعة 04:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/19 الساعة 04:42 بتوقيت غرينتش

شحنة غير عادية من الصدق والألم والغضب احتشدت في فيديو سائق التوك توك البليغ، الذي انتشر في ساعات معدودة كانتشار النار في الهشيم، النار كانت هي كلماته التي خرجت من صدره الذي يموج بالغضب والاستغراب من الخراب الذي حدث ببلاده في وقت قياسي، والهشيم هي نفوسنا التي جفت من الألم الذي أصبح كصداع مزمن لا يفارقنا حزناً وكمداً على بلد لا يمر يوم إلا هو أسوأ عليه من الذي قبله.

عبَّر الرجل في الفيديو الذي لم يتجاوز الثلاث دقائق والنصف عمَّا يجيش في نفوس معظم أهل مصر المخلصين؛ متعلمهم وجاهلهم، فقيرهم وغنيهم، عاملهم وعاطلهم، طرح الرجل تساؤلات في قمة المنطقية والعقلانية، إلا أنها بسيطة غاية البساطة، تساءل الرجل عن كيفية وصول دولة كمصر بها من المؤسسات والوزارات ما بها إلى المستوى الذي وصلت إليه، وهاجم الرجل الإعلام المنافق الذي يظهر الدولة المصرية بالمظهر المثالي، وهي على العكس تماماً من ذلك، ويتعامى تماماً عن ذكر معاناة المواطن ومشكلاته اليومية فقال: "نتفرج على التلفزيون نجد مصر فيينا ننزل الشارع نجدها بنت عم الصومال".

قارن الرجل الأوضاع المعيشية قبل انتخاب السيسي وبعده، قائلاً: "كان عندنا ما يكفينا من السكر، وكنا نصدر الأرز قبل انتخاب الرئيس، فما الذي حدث الآن؟"، في إشارة منه إلى أزمة السكر والزيت الموجودة في مصر في الوقت الحالي.

تساءل الرجل عن جدوى المشاريع القومية العملاقة لشعب غير متعلم، وقال مستنكراً: "إن التعليم عندنا الآن متدنٍّ لأسفل مما تتخيل".
وتكلم الرجل عن أهمية التعليم والصحة والزراعة، وقال إنهم إنها توفرت للمواطن المصري فلن يقدر عليه أحد، وعقد الرجل مقارنة بين مصر اليوم ومصر من مائة عام، والتي كانت بريطانيا العظمى مدينة لها، والتي كانت اليابان تدرس نهضتها، وختم هذه المقارنة بثورة قائلاً إن "مصر حرام يحصل فيها كده".

أنهى الرجل حديثة بنداء: ألا يوجد أحد ممن يحبون مصر يقول لا لما يحدث فيها اليوم، يقول لا للتجار الذين يتاجرون بأحلام الناس في العدالة والديمقراطية؟ وطلب من المذيع طلباً واحداً فقط، هو أن يذيع صرخته هذه كاملة ولا يقتطع منها حرفاً واحداً.

شجاعة هذا الرجل وصدقه وحرارة عاطفته أدت لانتشار هذا الفيديو بسرعة غريبة، هذه السرعة تعني أن هذا الرجل صرخ بما تجيش به الصدور، ولكن يمنعها عن الصراخ به الخوف أو اليأس من جدوى الكلام، شجاعة هذا الرجل تجلَّت في تمسكه بإذاعة كل كلمة قالها مع ما يشكل هذا من تهديد لأمنه الشخصي، في الوقت الذي رجعت فيه مصطلحات من قبيل: "اخفض صوتك فللجدران آذان".

تجرد هذا الرجل بلغ منتهاه عندما سأله المذيع عن تعليمه، فرد عليه قائلاً: "أنا خريج توك توك"، مع أنه كان من الممكن جداً أن يتحول للكلام عن شخصه، بأن يقول إنه لم يجد وظيفة، واضطر أن يعمل على توك توك.

صدقني يا سيدي، يا من لا أعرف اسمك، أنك أثرت فينا جميعاً، أحييت الأمل في نفوس كانت تتخيل أن هذا الشعب مات، نفوس تخيلت أن وعي الشعب نضب، سعادتي بوعيك لا تعدلها سعادة، احترامك لمهنتك النابع من احترامك لذاتك سيغير نظرة الكثير من الناس لأصحاب المهن التي يستهين بها البعض، وأنا لا أجد وصفاً يليق بك سوى البيت الذي قاله كثير الشاعر:

ترى الرجل النحيف فتزدريه ** وفي أثوابه أسد هصور

فتحياتي لك أيها الأسد الهصور.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد