"تونس تهمِّش وتحارب اللغة والثقافة الأمازيغية!"، هكذا زعم تقرير أصدرته لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة الأسبوع الماضي، مما فتح الجدل حول وضع الأقليات في تونس، ولاسيما الأمازيغ منهم، وفجر نقاشاً حاداً بين ناشطين مدافعين عن الثقافة الأمازيغية من جهة، والحكومة التونسية التي نفت الأمر واعتبرته ضرباً من المزايدة والمبالغة.
واتهمت الناشطة والمدافعة عن حقوق الأمازيغ في تونس مهى الجويني في تصريح لـ"عربي بوست" الحكومات التونسية المتعاقبة قبل الثورة التونسية وبعدها بتهميش القضية الأمازيغية وإقصائها من النسيج المجتمعي في تونس، حسب قولها.
وقالت: "التقرير الأممي الذي ورد مؤخراً ليس فيه أي مغالطات فنحن كأمازيغ محرومون من أبسط حقوقنا كأن نسمي أبناءنا أسماء أمازيغية كما أنهم لا يزالون يطلقون علينا اسم البربر".
وتابعت قولها: "في سنة 1966 رفض الحبيب بورقيبة تأسيس متحف شمتو الأمازيغي بالشمال الغربي التونسي، وفي فترة حكم الرئيس السابق بن علي رفض الأخير الاعتراف بما يسمى "الشعوب الأصلية" أو السكان الأصليين "لكن مع ذلك تم تأسيس المتحف الأمازيغي بعد سنوات من النضال وحتى بعد الثورة ورغم مناخ الحريات الموجود تم رفض تضمين اللغة الأمازيغية في الدستور التونسي، كما تم رفض مطلب تقدمنا به لتأسيس مركز ثقافي للغة الأمازيغية بالإضافة لتغييب نشاطات الجمعيات الأمازيغية عن الإعلام الرسمي ولا سيما مهرجان تمزرت الذي لا يحظى بالتغطية الإعلامية الكافية"، حسب قولها.
وأكدت أنه بالرغم من وجود مدن تونسية مثل الدويرات وتامزرت وشنني وتكرونة لا تزال ناطقة باللغة الأمازيغة وحاملة لكل تفاصيل الهوية الأصلية إلا أنها تقابل بالتهميش من قبل الدولة التونسية.
وحول العدد الإجمالي للناطقين باللغة الأمازيغية، تؤكد الجويني أن عددهم ناهز 500 ألف ناطق باللغة من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ نحو 11 مليون نسمة غير أنها استدركت قائلة: "مع الأسف لا توجد أرقام رسمية وهذا دليل آخر على غياب الاهتمام بهذه الثقافة وأهلها".
وختمت الجويني تصريحها بدعوة الحكومة التونسية مجدداً لإيلاء قضية الأمازيغ الأهمية اللائقة، مضيفة "نريد وطنا يتسع للجميع، نريد تونس متنوعة ضاربة في القدم فخورة بأصولها و بشعبها الأصلي الذي أسس هذه البلاد وسالت دماؤه من أجلها نريد أن تعترف الدولة بالتاريخ الأمازيغي، وأن تعتمد اللغة الأمازيغية كلغة وطنية، وأن تُدرَّس في الجامعات كلغة اختيارية على غرار لغات أجنبية أخرى.
وكان نشطاء مدافعين عن حقوق الأقليات تفاعلوا عبر الشبكات الاجتماعية بمجرد صدور التقرير الأممي:
وشن بعض هؤلاء النشطاء هجوماً على العرب ومن وصفوهم بالمستعربين وعلى ما سموه الوجه العروبي لتونس.
الحكومة ترد
من جانبه اعتبر الوزير المسؤول عن العلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان المهدي بن غربية أن ما جاء في التقرير الأممي حول واقع "الأمازيغ في تونس" وتهميش ثقافتهم فيه كثير من التجني والمبالغة بحق تونس، وتساءل في تصريح لـ"عربي بوست": "متى كانت لنا في تونس مشكلة مع الأقليات الأمازيغية وهل نحن مطالبون بتدريس اللغة الأمازيغية في المناهج الدراسية بحجة وجود أقلية أمازيغية؟".
بن غربية نفى تلقيه أي شكاوى من بعض الجمعيات الحقوقية عن تعرض هذه الأقلية للتهميش، مضيفاً: "الدستور التونسي يكرس الهوية العربية الإسلامية في البلاد، لكن ذلك لا ينفي وجود أقليات سواء أمازيغية أو يهودية أو غير ذلك.
وأوضح الوزير المكلف بحقوق الإنسان، أن وزارته بصدد العمل على دراسة علمية لمعرفة أعداد الأقليات المتواجدة في تونس بمن فيهم الأمازيغية، مشدداً في ذات الوقت على دعوته كل الناشطين في المجتمع المدني والمهتمين بحقوق الأقليات للتقدم للوزارة ومراسلتها حول كل ما يهم هذه الفئة من الشعب التونسي.
الأمازيغ بين التراث والسياسة
وتحتوي اللهجة التونسية تحتوي عشرات المفردات الأمازيغية، وأشهر الأكلات التونسية مثل الكسكسي، والملابس مثل البرنوس، وهو لباس رجالي يصنع من الصوف، ما هي إلا تراث أمازيغي خالص.
وتشير بعض المقولات والتقديرات، إلى أنّ نسبة الأمازيغ في تونس لا تتعدى حدود الـ5% من تعداد سكان البلاد، وأنّ 2% منهم فقط يتحدثون اللغة الأمازيغية، (نسبة أقل كثيراً من الجزائر والمغرب)، كما أن الحركة الأمازيغية بتونس أضعف مقارنة بالمغرب والجزائر.
ولم تلعب الحركة الأمازيغية بتونس على تسييس مطالبها، على عكس الجزائر والمغرب وليبيا، فلم يكن حراكها راديكالياً، بل حاول نشطاء الحركة الأمازيغية التونسية أن يناضلوا على المستوى الثقافي وكانت أغلب مطالبهم ثقافية بحتة لا تمتّ إلى المستوى السياسي بشكل مباشر، مثل المطالبة بحماية الأماكن الأثرية الأمازيغية في الشمال والجنوب، إلا أنهم فشلوا في التأثير على القوى السياسية الفاعلة في البلاد، حسب الكاتبة والناشطة التونسية خولة الفرشيشي.
وترى الفرشيشي أَن الدولة التونسية عملت بعد الاستقلال على منع تداول اللغة الأمازيغية، لإدماج الشعب التونسي في كتلة متجانسة، وذلك لتسهيل بناء الدولة الوطنية، التي كانت حسب مؤسس الجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة لا تحتمل الاختلافات الثقافية والعرقية بين أبناء الشعب التونسي، وهو ما تجلى في سياسته الواضحة التي تقطع مع الانتماءات العرقية، فأجهز على القبلية ورفض الاعتراف بالهوية الأمازيغية.
ولكن بعد الثورة ، نجح أمازيغ تونس في تكوين أولى جمعياتهم سنة 2011 تحت اسم الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية، والتي طالبت أساساً بحماية التراث الأمازيغي، وبلغ عدد الجمعيات الأمازيغية اليوم أكثر من عشر جمعيات تنشط في المجال الثقافي بشكل أساسي.
ودأبت هذه الجمعيات على إحياء رأس السنة الأمازيغية، غير أنه يبقى حضور هذه الجمعيات باهتاً، حيث اقتصرت على أنشطة الصالونات والتظاهرات المعزولة، وفشلت في استقطاب مدّ جماهيري حتى من بين الناطقين باللغة الأمازيغية أنفسهم.
واستهجن نشطاء الحركة الأمازيغية في تونس الفصل 38 من دستور البلاد، الذي يقول "تعمل الدولة التونسية على تجذير الناشئة في هويتهم العربية الإسلامية وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها"، واعتبروا هذا الفصل تعدياً صارخاً على الهوية التونسية، التي تعتبر الأمازيغية مكونًا أساسيًا من مكوناتها، وهو ما جعلهم يتظاهرون أكثر من مرّة أمام مبنى البرلمان للمطالبة بتغيير هذا الفصل، الذي أخرج تونس من محيطها الطبيعي حسب رأيهم، ولكن محاولاتهم، الباهتة في أغلبها، تكللت بالفشل، حسب الكاتبة.
وتقول الفرشيشي إن أمازيغ تونس تميزوا بميلهم إلى الاندماج في الثقافة العربية الإسلامية، فرغم تكوينهم لدول ووصولهم للحكم أكثر من مرة في التاريخ، إلا أنهم لم يبدوا عداء للثقافة العربية الوافدة، ومن الناحية الدينية تبنى أمازيغ تونس المذهب السني والفقه المالكي، وهو ما ينبئ بفشل أي حراك أمازيغي ذي طابع انعزالي ويبقى المستقبل الوحيد لأمازيغ تونس هو محاولة إثراء الثقافة التونسية بهذا التاريخ العظيم ضمن معادلة المواطنة والحقوق المتساوية والاعتراف المتبادل، حسب الفرشيشي.
ألف عام
يشار إلى أَن تعريب المغرب العربي قد بدأ بشكل محدود بعد الفتح الإسلامي العربي في القرن السابع الميلادي، إلا أنه توسع بشكل كبير في القرن الحادي عشر الميلادي إثر ما يعرف بالغزوة الهلالية التي وقعت إثر هجرة قبائل عربية بتشجيع من الفاطميين من صعيد مصر لتونس والجزائر، وقد دمر الهلاليون دولة بني زيري في تونس، وانتشروا في بقاع تونس والجزائر، فقد اندمج بنو هلال وحلفاؤهم وتزاوجوا معهم، ولم يكد يمر جيل واحد حتى انصهر بنو هلال والبربر في بوتقة بشرية واحدة هي بوتقة العروبة. بحيث صار الملاحظ لا يفرق بين من هو أصله هلالي، أو من هو أصله زناتي أو صنهاجي (قبائل أمازيغية شهيرة).
ويرى الدكتور عثمان سعدي رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية (أمازيغي الأصل) أن هذا دليل آخر على عروبة البربر التاريخية، حيث إنهم اندمجوا مع الهلاليين لارتباطهم بهم بأصل واحد، بخلاف القبائل الجرمانية الوندالية البدوية، التي انتشرت بالمغرب في القرن الخامس الميلادي، في غزوة شبيهة بغزوة بني هلال، وبالرغم من أن الوندال استطاعوا تأسيس دولة قوية بالمغرب، إلا أنهم لم يستطيعوا إذابة البربر فيهم، وتحويلهم الى شعب جرماني. وما إن سقطت دولتهم حتى محيت آثارهم من المجتمع المغربي، أما بنو هلال فإنهم لم يؤسسوا دولة بعد غزوتهم، لكنهم أسسوا مع البربر مجتمعاً عربياً مسلماً.
ورغم أن المغرب العربي الكبير حكمته بعد غزوة الهلالية عدة دول بربرية صنهاجية استوعبت الهلاليين سياسياً وتحالفت معهم، إلا أن عملية التعريب توسعت حكم هذه الدول الأمازيغية.
ويعلق -في رده على كلام الصحفي الجزائري العربي محي الدين عميمور بشأن العنف والتدمير الذي اتسمت به الغزوة الهلالية- بأنه من سمات كل الغزوات البدوية في كل الشعوب، مشيراً إلى حدوث أحداث مشابهة من قبل قبائل أمازيغية.
ويقول سعدي إن التغني بتغريبة بني هلال لم يكن حكرا على المشارقة، بل توجد بأقطار المغرب عشرات الملاحم تتغنى بهذه التغريبة وتعتز بها دون أن تتضمن بيتاً واحداً، سخطاً عليها أو إبرازاً لكارثيتها.
ويضيف "لقد أطلعت على بعض الملاحم الهلالية التي كتبت باللهجات البربرية ـ الأمازيغية والتي دونت حب المغاربة للعرب وتغنيهم بالتغريبة الهلالية كتراث جميل في تاريخ موروثات المغاربة الشعبية".