يدور نقاش ساخن بين صانعي السياسة ومسؤولي مكافحة الإرهاب ومحللين حول تأثير معركة الموصل على مستقبل تنظيم داعش والمخاطر التي قد يواجهها الغرب، فضلاً عن تداعيات حرب الموصل في العراق والمنطقة، خاصة بعد تحذير المفوض الأوروبي للأمن جوليان كينغ من تدفق جهاديين من تنظيم الدولة الإسلامية إلى أوروبا في حال سقوط الموصل.
خروج تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية وعاصمة الخلافة الإسلامية التي أعلن عنها التنظيم منذ عامين، أصبح أمراً وشيكاً قد يتم في غضون أسابيع أو أشهر قليلة. بدأ الهجوم الآن لاستعادة المدينة، التي كان يسكنها سابقاً مليونا نسمة، وفقاً لما جاء بصحيفة الغارديان البريطانية.
وحتى إذا ما استمرت سيطرة داعش على الرقة، في شرق سوريا، فإن التنظيم لن يتمكن بعد الآن من الانتشار في مناطق واسعة أو السيطرة على حياة ملايين الأشخاص.
تداعيات هزيمة داعش
وتحظى الموصل بمكانة كبيرة لدى كل من الأكراد والعرب والسنة والشيعة وقد تؤدي استعادة المدينة إلى تعميق الخلافات بين هذه الجماعات بدلاً من لمِّ شملها. وتشعر الأقلية السنية في العراق بالتهميش من قبل الحكومة العراقية الشيعية في بغداد والمرشحة للسيطرة على الموصل حال إخراج داعش منها.
لن تقتصر تداعيات هزيمة تنظيم داعش في الموصل على العراق فقط، بل ستمتد أيضاً إلى سوريا لتغير معادلة الحرب هناك. فربما تعود هزيمة داعش بالنفع على نظام بشار الأسد أو إحدى الجماعات الإسلامية المنافسة لداعش مثل جبهة فتح الشام، إحدى فصائل تنظيم القاعدة.
ودارت نقاشات مكثفة حول تأثير إخراج داعش من المناطق الرئيسية التي يسيطر عليها وما يشكله هذا من تهديد للغرب. فقد توقع عدة محللين ومسؤولين ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية خاصة في أوروبا. ويتوقع بعض المحللين أن ينفذ متطرفون مدربون هذه الهجمات، كرد فعل من تنظيم الدولة الإسلامية لفقدانه آخر معاقله. ويتوقع آخرون أن ينفذ هذه الهجمات أفراد سيعودون إلى أوروبا من سوريا والعراق للانتقام والاستشهاد. وربما ينفذ متعاطفون مع التنظيم بعض الهجمات بشكل حر.
لم يخف المفوض البريطاني هذا الخوف، فقد صرح "أن استعادة الموصل، معقل تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق، يمكن أن تؤدي إلى عودة مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية إلى أوروبا، مصممين على القتال"، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
وأضاف "حتى عدد ضئيل (من الجهاديين) يشكل خطراً جدياً، علينا أن نستعد له" من خلال "زيادة قدرتنا على الصمود في وجه الخطر الإرهابي"، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية
لكن هل سيصمد تنظيم داعش أو تزداد قوته بعد الهزيمة الواضحة لمشروع خلافته الإسلامية؟
المتفائلون والمتشائمون
يرى المتفائلون أن الهزيمة الجلية لمشروع تنظيم داعش لاستعادة نفوذ الخلافة الإسلامية وإضعاف قوة الغرب سيساهم في الحد من قدرة التنظيم على تجنيد أعضاء جدد سواء من العالم الإسلامي أو الغربي. من وجهة نظر هؤلاء، فإن فقدان داعش سيطرته على المناطق الرئيسية يعني فقدانه لموارد الضرائب والنفط وعدم وجود أماكن للتدريب أو الاستراحة أو الإعداد لحملات الدعاية والإعلام الفعالة. وسيصبح وجود داعش مجرد أطلال، سيمحى أثرها تدريجياً بمرور الوقت.
ويذكرنا هذا بالمصير الذي واجه تنظيم القاعدة عندما أجبر على الخروج من أفغانستان. فبرغم استمرار تواجده في بعض المناطق الباكستانية، أصبحت القاعدة بحلول عام 2009 مجرد ظلال لتنظيم سابق.
في المقابل، يقول المتشائمون إن تنظيم الدولة الإسلامية تمكن من الصمود في الفترة من 2007 الى 2014 في العراق دون أي سيطرة حقيقية على مناطق رئيسية بالبلاد وتمكن في نهاية المطاف من قيادة أكثر الحملات المتطرفة المسلحة فاعلية في العالم والتي لم ير لها مثيل على مدار عقود مضت.
ويتوقع هؤلاء أن يدير التنظيم حملة من الهجمات الإرهابية والعصيان تستمر لأعوام عديدة وتمتد عبر الدول الإسلامية. وسيساهم عدم الاستقرار السياسي في العديد من الدول في دعم نشاط التنظيم وغيره من الجماعات المسلحة.
كما يجادلون بأن حلم تأسيس التنظيم لدولة جديدة واستعادة الخلافة الإسلامية سيظل ملهماً للعديد من الإسلاميين المتطرفين المشتتين عبر العالم لعقود طويلة حتى إذا لم يصمد مشروع التنظيم في الوقت الحالي. ويمكن اعتبار الهزائم التي لحقت بداعش خلال الأشهر الأخيرة مجرد اختبارات لقياس مدى إيمان أعضاء التنظيم بالفكرة.
الحقيقة أن لا أحد يعرف تحديداً ما ستؤول إليها الأمور. ما يمكن تأكيده أنه مثلما ساهم استيلاء داعش على الموصل في 2014 في تغيير معادلة الحرب في المنطقة على نحوٍ درامي، فسيكون لفقدان التنظيم للمدينة أثر مماثل.