مثل لعبة شطرنج، يبدو الطرفان الأساسيان المشتبكان في مدينة الموصل العرقية وقد استعدا تماما بخطط تفصيلية لتحقيق أهدافهما الميدانية، ونرصد فيما يلي عددا من التكتيكات التي تستخدمها القوات التي تحاصر المدينة بهدف إخراج عناصر داعش منها إلى الصحراء باتجاه سوريا، كما نرصد التكتيكات المضادة التي أعدها التنظيم لضمان معركة طويلة داخل المدينة.
القوات العراقية والكردية وقوات التحالف كانوا قد بدأوا صباح الإثنين 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016 عملية عسكرية لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهي ثاني أكبر مدن العراق، وآخر المعاقل الكبرى للتنظيم هناك.
وكان مقاتلو التنظيم قد سيطروا على المدينة بسهولة، بعدما تخلى الجنود العراقيون عن أسلحتهم في يونيو/حزيران 2014، ويقطن الموصل 1.5 مليون نسمة، وبعد سيطرة التنظيم عليها أعلن عن "دولة خلافة إسلامية" جديدة على أراض من سوريا والعراق، والآن تشهد المدينة معارك تخوضها قوة من حوالي 30 ألف جندي تهاجم لإخراجهم منها، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.
ويشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنه مع بداية أولى مراحل العملية العسكرية التي يُحتَمل أن تستمر لشهور، تحرك حوالي 4000 فرد من قوات البيشمركة الكردية يوم الإثنين لاستعادة عشر قرى شرقي المدينة.
خطة المعركة
ومن المتوقع أيضاً أن تشارك قوات مكافحة الإرهاب العراقية -التي تعمل بشكل وثيق مع قوات العمليات الخاصة الأميركية في العراق- مع القوات الكردية في خلال الأيام القادمة.
كما يتوقع أن يتم تنفيذ خطة المعركة على مراحل عديدة. فالقوات التي احتشدت في قواعد عسكرية حول المدينة تخطط أولاً لمحاصرة المدينة من جميع الجهات، ثم تضييق دائرة الحصار شيئاً فشيئاً، وبالتالي تقطع طرق الإمداد عن التنظيم وتعزل المنطقة عن الخارج.
في اليوم الأول للهجوم، تقدمت قوات الحكومة العراقية والقوات الكردية من الشرق ومن الجنوب، وتركت القوات مساراً لهروب مقاتلي التنظيم من المدينة غرباً إلى سوريا.
وقال كولوم ستراك –المحلل بمجموعة IHS لمراقبة النزاعات والتي تراقب الصراع في العراق وسوريا- إن القوات تهدف بإتاحة الفرصة لمجاهدي التنظيم للهروب إلى تقليل الإصابات بين المدنيين، وقال إنَّه "إن كانت هناك طريقة لدفع التنظيم إلى الانسحاب والهروب إلى الصحراء، فلِمَ نقاتلهم وسط منطقة حضرية كالموصل؟".
وسوف تقوم القوات الخاصة العراقية التي دربتها القوات الخاصة الأميركية بتنفيذ الهجوم النهائي على المدينة، وربما تشترك معها في التنفيذ قوات الشرطة العراقية وبعض وحدات الجيش.
موصل الشرقية والغربية
ويقسم نهر دجلة مدينة الموصل إلى ضفتين، شرقية وغربية. ويتوقع بعض المسئولين أن مقاتلي التنظيم سينسحبون من المنطقة الشرقية ويركزون دفاعهم في الضفة الغربية بالمدينة، حيث يتواجد مركز الحكومة.
كما يحتوي الجانب الغربي للمدينة على العديد من الشوارع الضيقة، مما سيجعل اشتراك الدبابات والمدفعية في الهجوم أمراً صعباً.
كيف سيرد التنظيم؟
ودارت تكهنات حول الطريقة التي يتوقع أن تقاوم بها قوات داعش، وأثار ذلك أسئلة عدة: هل سيتخذ المسلحون موقفاً نهائياً في القرى، أم سينسحبون إلى الموصل للقتال في يوم آخر؟، فيما أشارت أصوات المعركة التي سُمعت صباح الاثنين، إلى وجود مُقاومة.
ونشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية تقريراً نشرته، أمس الاثنين، وتحدثت فيه عن استعدادات التنظيم من أجل إبقاء السيطرة على المدينة، وقالت إن "داعش تتحضر للمعركة التي قد تستمر لأشهر للحفاظ على السيطرة على الموصل من خلال زرع العديد من القنابل على نطاق واسع في الشوارع، وتجهيز عشرات الانتحاريين، وملء الخنادق حول النقاط الرئيسية لدخول المدينة بالنفط القابل للاشتعال".
كما أنشأ التنظيم شبكة واسعة من الأنفاق تحت الأرض للحماية ونقل كل من المعدات والمقاتلين، فضلاً عن مراقبة الميليشيات لأهل المدينة وانتشار القناصة أعلى أسطح المنازل ليلاً؛ لسحق أي بوادر تمرد من السكان.
وأوضح أحد المدنيين لـ الإندبندنت عبر تطبيق واتساب أنه تم نشر مجموعات من أطفال لا تتجاوز أعمارهم ثمانية أعوام مسلحين في بعض الأحيان بالمسدسات والسكاكين؛ لرصد السكان والإبلاغ عنهم. كما يُجند هؤلاء الأطفال أطفالاً آخرين لنفس المهمة.
وقال أيضاً "إنهم (رجال داعش) يشعرون باليأس، وقد يجبرون حتى الأطفال على القتال بمجرد تواجد القوات الحكومية على أبواب الموصل".
أزمة إنسانية تلوح في الأفق
وطبقاً للأمم المتحدة، من الممكن أن تؤدي المعركة إلى تهجير 1.2 مليون شخص من المدينة. ويعيش حالياً حوالي 213 ألف شخص من مدن الموصل والفلوجة والقيارة بمخيمات اللاجئين في شمالي العراق، بحسب "نيويورك تايمز"
ومن المتوقع أن يهرب 200 ألف شخص من مدينة الموصل خلال المراحل الأولى للهجوم. ولهذا قامت الأمم المتحدة بتوسعة مخيمات اللاجئين، وبناء العديد من المخيمات الجديدة في شمالي العراق لاستيعاب تدفق السكان أثناء الهجوم.
وتم إنشاء مخيمين آخرين بديباغة جنوب شرقي الموصل في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب لاستيعاب السكان الفارين من القرى شرقي نهر دجلة. وقد تضاعف عدد سكان مخيمات ديباغة منذ افتتاحها العام الماضي.
وذكرت صحيفة الإندبندنت أنه أملاً في تفادي النزوح الجماعي للمدنيين والذي قد يفضي بهم الحال إلى التواجد في وسط منطقة إطلاق النيران، ناشدت الحكومة العراقية في بثها الإذاعي المدنيين بالبقاء في منازلهم، وأيضاً ومن خلال إسقاطها لآلاف المنشورات على المدينة.
أوضحت المنشورات قائمة طويلة من التعليمات، والتي تقول:
قم بلصق شريط على النوافذ على شكل علامة "إكس X" لحمايته من الكسر.
قم بفصل أنابيب الغاز
قم بإخفاء المجوهرات والأموال.
ابق في الطوابق المنخفضة، وقل لأطفالك إن أصوات القنابل المدوية ليست سوى أصوات الرعد.
وأما شباب الموصل، فقد طالبتهم الحكومة بمحاربة داعش عندما تبدأ المعركة.
عامان تحت حكم التنظيم المتشدد
كانت مدينة الموصل ذات الأغلبية السنية تمتلك مجموعة متنوعة من السكان من بينهم عديد من الشيعة والمسيحيين، إلا أنها وقعت تحت سيطرة مقاتلي التنظيم السنّة في شهر يونيو/حزيران من عام 2014، عندما ترك جنود الجيش العراقي أسلحتهم وخلعوا زيهم العسكري ولاذوا بالفرار، على الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية دعمتهم بمليارات الدولارات.
في البداية، رحب عديد من أهل السنة المقيمين في الموصل بالمسلحين؛ وذلك من جراء شعورهم بالغضب الشديد من معاملة الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد.
بيد أنهم سئموا بعد أكثر من عامين من الحكم الوحشي للمجموعة الإرهابية بسبب فرضهم لقواعد صارمة، وعمليات إعدام وقطع رؤوس في الطرق العامة، فضلاً عن منع التدخين وإجبار النساء على ارتداء النقاب في المناطق العامة.
وقد ظهرت علامات على تزايد المعارضة لداعش في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك رسوم الجرافيتي المناهضة لـ "داعش" على الجدران، بالإضافة إلى التقارير عن مخاطرة بعض السكان بحياتهم لتوفير القوى الموجودة خارج المدينة بالمعلومات الاستخباراتية المفيدة للهجوم المتوقع.
لا شك أن الموصل تحظى بأهمية رمزية كبرى لدى التنظيم، إذ إن أبا بكر البغدادي، زعيم "داعش"، أعلن إقامة "الدولة الإسلامية" التي امتدت حدودها عبر العراق والشام، من فوق منبر الجامع الكبير في الموصل، لذا فقد يشكل فقدان السيطرة على المدينة ضربة معنوية شديدة للتنظيم.