هذا المخلوق الشفاف، هذا المخلوق المرهف، هذه الفراشة الملونة، آن لها أن تطير إلى سماء الحرية.
في العالم العربي الكبير هناك كلام عن الحرية، ولا حرية، وهناك كلام عن السيادة، ولا سيادة، وهناك كلام عن مشاركة المرأة في دفع عجلة التنمية، ولا مشاركة، ولا تنمية.
ما زالت المرأة أَمَة، رغم كل الصيحات التي تنادي بتتويجها ملكة، وما تلك النسب المرتفعة للتمثيل الوزاري والبرلماني وأحياناً الدبلوماسي للمرأة العربية، إلا إرهاصات تكاد تكون زائفة على طريق رد الاعتبار للمرأة.
ما الفائدة؟
ما فائدة ازدياد دخول بعض النساء المثقفات إلى مجلس الشعب الـ(…)، إذا كانت نسبة الأميات الـ(…) أكثر من 50%؟
ما فائدة إطلاق اسم مناضلة فلسطينية على شارع أو مدرسة، وأولادها وأحفادها موزعون بين سجون البلد وسجون الاحتلال؟
ثم ما جدوى تكريم روائية (…) بأرقى الأوسمة، في حين تكاد الـ(…) من بنات جلدتها ممنوعات حتى من حق التنفس؟
تاج الحنان
لن ينال هذا الشرق خلاصه إلا بالتطبيع مع المرأة: جعل العلاقات طبيعية مع المرأة، هو خلاصنا الوحيد نحو تنمية حقيقية، وضع المرأة تاجاً جميلاً مرصعاً بالحنان على رأس الرجل، هو الطبيعة التي أرادها الله لهذين الجنسين.
كون المرأة مزملة لخوف الرجل من الماضي والحاضر والمستقبل هو السبيل الوحيد لضمان استمرارهما معاً، وأخيراً حسن الجوار وحسن المعاشرة بالمعروف والاحترام المتبادل هو الذي يضمن حل المشكلة الأزلية التي يجب ألا تكون أبدية بينهما.
نصفنا الأجمل
قال قاسم أمين: كلما أردت أن أتخيل السعادة تمثلت أمامي في صورة امرأة حائزة على جمال المرأة وعقل الرجل، لكن هل يسمح لها الرجل أن تحوز عقلاً راجحاً؟ وهل يسمح لها أصلاً بطلب العلم؟
وهل يفكر الأهل ثانية واحدة قبل إعطاء فرص التعليم وغيرها إلى الابن تمييزاً عن الابنة؟ وهل سيتأخر كثيراً ذلك اليوم الذي يؤمن فيه الأهل بأن من علّم ذكراً، علّم فرداً ومن علّم أنثى علّم عائلة أو جماعة؟
وإلى متى سيبقى المجتمع مشككاً في محورية المرأة في الأسرة؟ وإلى متى ستبقى المرأة مؤمنة بخرافة أنها مخلوقة من ضلع الرجل؟
متى ستعرف أن حواء فقط هي التي خلقت من ضلع سيدنا آدم عليه السلام؟ متى ستنتبه المرأة إلى أنها هي التي تخرج الرجل من جوفها كما تخرج اللؤلؤة من داخل المحار؟
ستبقى هذه الأمثلة وغيرها كثير برسم أمة لن تنهض إلا إذا أجابت على هذه الأسئلة، وسيبقى هذا الشرق أعرج طالما لم يجب عن سؤال الحضارة والمستقبل.
طبّعوا علاقاتكم مع المرأة قبل أن يبلعنا الطوفان، طبّعوا علاقاتكم مع نصفنا الأجمل قبل أن يأكلنا الجراد.
كرباج الرجل
قال فولتير: "إن الطلاق قد وجد في العالم مع الزواج في زمن واحد تقريباً، غير أني أظن أن الزواج أقدم ببضعة أسابيع، بمعنى أن الرجل ناقش زوجته بعد أسبوعين من زواجه، ثم ضربها بعد ثلاثة، ثم فارقها بعد ستة أسابيع".
ولماذا كل هذا التعسف؟ لقد وضع الله كرباج الطلاق بيد الرجل بعد أن وهبه رجاحة العقل والروية والاتزان والتمهل في اتخاذ القرارات المصيرية، فلماذا يفتح صنابير غضبه كلما سنحت له فرصة الزعيق والشتائم؟
نحن بحاجة ماسة إلى أن يفهم الرجل عدميته دون المرأة، وأن تفهم المرأة أيضاً أنها لا شيء دون الرجل، يجب أن يقتسما رغيف الوجود والإيجاد بالتساوي، يجب أن يفهم الرجل أن إنصافه لزوجته ولأمه ولأخته أحد أهم أشكال الوطنية ومحبة الله.
وإذا كانت الجنة هدية للبار بوالدته، وإذا كانت الزوجة الصالحة خير متاع الدنيا، فلماذا لا يستفيد الرجل من هذه الفرصة؟
وإذا كان الظلم الغاشم الواقع على المرأة ترسبات من عهد الاحتلال الذي غادر منذ أكثر من نصف قرن، وإذا كان الاستبداد الذكوري الأرعن نتيجة قراءة فاشلة وعمياء لنصوص الدين الحنيف التي أقرت أن "الرجال قوَّامون على النساء"، أي حفّاظ وخدم ورعاة، إذا كان كل ذلك، فمتى سيتخذ المجتمع القرار الصائب؟!
لطف أم ضعف؟
ثم أين سترسو هذه الدعوة برفع الظلم، والسواد الأعظم من العرب لا يقرأون؟
إذن لم يبقَ إلا الإرشاد والتوجيه عن طريق وسائل الإعلام، وهنا تبرز مشكلة المشاكل، فإعلام المجتمع المنحط منحط مثله، والمرأة في الإعلام المسموع والمقروء والمرئي "شيء" وليست إنساناً راقياً فاهماً حساساً.
وإذا استنجدنا بالمثقفين العرب، لم تنجدنا إلا روايات الأديب النوبلي التي تجاوزت الخمسين ولا تخلو واحدة منها من الفاحشة، أو روايات (ح م) التي تجاوزت الأربعين، وأيضاً لا تخلو واحدة منها من الفاحشة.
إذن المرأة "شيء" للاستمتاع واللهو أولاً، ثم للإهانة والإذلال ثانياً، ثم مكب للعقد الذكورية وإفراغ شحن الضغينة وفش الخلق.
وإذا عدنا إلى الإعلام، ودوره الناهض للأمة، لتحسرنا على الإعلام من الإعلام، فبعض الفضائيات العربية تحرّض على البذاءة والفساد والانحطاط بالذوق العام، وتؤكد ذكورية المجتمع؛ حيث يمنح للرجل الآمر الناهي مطلق السيادة والصلاحيات لابتكار أساليب جديدة تروي جشعه وأنانيته وتحكمه.
فمعظم المسلسلات والبرامج والروايات قرأت المرأة قراءة سلعية، حسبتها مفعولاً به والحقيقة غير ذلك، أوّلت اللطف بالضعف، فسار المجتمع بعامته خلف هذه النظرة التي استقصرت حائط المرأة وراحت تقفز فوقه ناسية أو متناسية أن المجتمع كله في مركب واحد.
وهكذا هرول الركب معاً نحو هاوية البلادة وانعدام الإنجاز في معظم الأصعدة السياسية والثقافية والاجتماعية.
بانتظار الشمس
مرة أخرى نؤكد: لن ينال هذا الشرق خلاصه إلا بالتطبيع مع المرأة، ففكرة أي إصلاح أو نهضة لا تضع المرأة في أول أولوياتها، فكرة مصيرها الفشل، وها هي المجتمعات الأخرى أمامنا خير دليل على انطلاق مسيرة العزة والكرامة من محطة المرأة، وها هو الريف العربي بالمطلق أمامنا أيضاً خير دليل على عدم انطلاق أي مسيرة من أي نوع، وإنما البقاء في ظلمة العصور الحجرية، بانتظار أن تشرق شمس العدالة الاجتماعية والوعي على المرأة لتمنحها حقها الذي وهبها الله إياها في التعليم والعمل وحرية اختيار القرين وإبداء الرأي والتعبير والامتلاك والانتخاب والترشيح.
وإلى أن تشرق تلك الشمس يجب الاستمرار في نقد هذا الواقع الذي يؤلم الأسرة العربية بالمجمل، ويؤذي الرجل قبل أن يؤذي المرأة؛ لأنه عندما يعاملها بعدالة فرضها الشرع والقانون، سيكون أول المستفيدين؛ لأن المرأة هي مستقر الرجل وهي مستقبله، ونحن منها وإليها، وهي أخيراً علبة الألوان التي لولاها لكان العالم بالأبيض والأسود، كما قال نزار قباني.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.