أبوكاليبس الحب

أتعرفين ذلك المكان الجميل الهادئ، الذي تقصدينه بعد أن تضيق بك الدنيا، وتكتشفين خداعها، فَتَهُمِّينَ بالهرب من الناس أجمعين، تَبْتَغِينَهُ مكاناً قصياً، لتبكي فيه حد الاختناق، لتشكي فيه للبحر كل ما ضاق به صدرك، ذلك المكان الذي تكونين فيه وحدك، فيصل إليك حبيبك ويقول: كنت أعلم أني سأجدك هنا

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/18 الساعة 02:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/18 الساعة 02:55 بتوقيت غرينتش

أتعرف ذلك الرجل الذي إذا ما استهَلّتِ الفتاة الحديث عن خيبات أملها، عن هفواتها وأخطائها، عن كل أولئك الذين خانوها وتركوها لمصيرها، عن تجاربها المريرة في الحب، عن مآسيها وأحزانها الأبدية، عن عذابها وشوقها ورغباتها الانتحارية، وعن كل أولئك الذين تَنَكّرُوا لها، ثم تَذْكُرُهُ فتقولُ عنه هو من أنقذها، وأسعفها وأعاد أملها في الحياة، أتعرف هذا الرجل؟ لا تكنه! لا تقبل بأن تكون حائطاً قصيراً تُعَلِّق عليه خيبات أملها، لا تكن ممحاةً تمحو سبورتها المليئة بالأخطاء والهفوات.

أتعرفين ذلك المكان الجميل الهادئ، الذي تقصدينه بعد أن تضيق بك الدنيا، وتكتشفين خداعها، فَتَهُمِّينَ بالهرب من الناس أجمعين، تَبْتَغِينَهُ مكاناً قصياً، لتبكي فيه حد الاختناق، لتشكي فيه للبحر كل ما ضاق به صدرك، ذلك المكان الذي تكونين فيه وحدك، فيصل إليك حبيبك ويقول: كنت أعلم أني سأجدك هنا، أتعرفين ذلك المكان المليء بالأحلام؟ لا تقصديه ولا تحلمي به، في الحقيقة، لا وجود له، وإن وُجِدَ، فحبيبك لا يعلمه، ولن يصل إليك وأنت تعتصرين فيه ألماً.

وهي تبكي وتحلف لك، وتنتقي الكلمات المعبرة، وتخترع الأحاسيس المؤثرة والعواطف الجياشة، وهي تُقْسِمُ بحبكما، وتسترسل الحديث عن ذكرياتكما، وعن كل ما عشتما من سراء وضراء، وعن لياليكما الطويلة، وسهراتكما المؤنسة، لا تصدقها، غيب القلب واستحضر العقل، ولا تصدقها، آمن بها في كل ما مضى واكفر بها الساعة، لا تصدقها، فمن أجل حبك أو رفقتك تكذب، تكذب لتبقى معها لا غير، تكذب لأنانية في حبها لا غير، تكذب ومستعدة أن تحلف لك بكل عزيز لديها، بل أكثر من ذلك ستكتشف كذبها فتبرره لك، فغيب قلبك واستحضر عقلك، ولا تصدقها.

أترين ذلك الثنائي المثالي، نعم ذانك الزوجان الرائعان، تَلْمَحِينَهُمَا دائماً في فرح وسعادة، تَخَالِيهُمَا لا يعرفان طريقاً إلى التعاسة، دينُهُما الرومانسية، ومذهبهما التفاهم والحوار، يعيشان في شفافية تامة، ولا يشوب علاقتهما توتر ولا انكسار، ها هما داخلان خارجان، لا يفترقان ولا يَمَلاَّنِ ولا يسأمان، في الحقيقة، هما ممثلان بارعان، لا مكان لهما في حياة الواقع، في الحقيقة بَيْتُهُمَا الذي يُخَيَّل إليكِ هادئ دافئ، هو ليس كذلك في كل الأحوال، وأنت في المطبخ غارقة، وطفلك يبكي ويشاكس، سيدخل زوجك ولن يُقَبِّلَكِ، وربما لن يُحَيِّيكِ، سَيَدَّعِي النسيان ربما، فاستعدي لذلك اليوم.

أتعرف ذلك اللقاء الذي تنتظر اكتماله بعد طول انتظار، لقاءكما السابع أو الثامن، قد اعتدتم على بعضكم البعض وذهبت رهبة وخجل اللقاء الأول، ثم ذهبت تساؤلات وارتسامات اللقاء الثاني، فاطمأننتما لبعضكما، ودرج الحديث بينكما، وبحتم بحبكما، وأديتم أدواركما على أكمل وجه، واستلمتما الجوائز، فحان وقت خلع الأقنعة، حينها ستأتي ولو طال الانتظار، وتأتي معها بكم هائل من النكد، وسوف تعاتبك حتى تسخط على الحب، فتلك المرأة المحبة الهادئة، تلك التي حَلُمْتَ بها، نعم تلك التي لا تُتْقِنُ أبجدية النكد، في الحقيقة لم تُخلق بعد، أو على الأقل لم تُخلق لك، هي كالذهب لن تجدها، وإن وجدتها فستجد من يدفع فيها أكثر منك، تماماً كالحلي، يستخرجه الفقير ليلبسه الغني، فلا تنتظرها.

أوتعلمين ذلك السؤال الاستنكاري، حين تسألينه من أجمل أنتِ أم زميلته في العمل أو أنتِ أم حبه القديم؟ ذلك السؤال المصيري بالنسبة إليك، ذلك السؤال الحالم، الذي تسألينه ولا تفارق عينك وجه حبيبك لتقرئي عيونه، لتلمحي صبيب عرقه، وتغير لون وجهه قبل الإجابة؟ لا تسأليه، هو في الحقيقة سؤال محرج، ومقارنةٌ مجحفة في حق زميلته أو حبه الأول، فقط لأنها ليست زوجته، فهو يعتبرها أجمل في قرارة نفسه، يتخيلها كاملة، فقط لأنها ليست زوجته، تلك أمور نفسية وجينية لا ذنب للرجل فيها، تلك الأسئلة من قبيل هل تظن أن وزني زاد؟ لا تسأليه إياها واذهبي بنفسك إلى صيدلية وقيسي وزنك وضغطك، ووفري الإحراج والكذب على نفسك وزوجك.

أسبق لك أن شاهدت فيلماً هندياً؟ فالأمر في الواقع سيان، لا أطلب منك هاهنا أن تركز على البطل، ولا على كل تلك المشاهد الرومانسية الساحرة، ولا على تلك الأغنية التي يرقص على أنغامها كل أبناء الحي، من أجل مساعدة العاشق الولهان على إيقاع جميلة الحي في حبه، بل أطلب منك أن تُرَكِّزَ على بائع الخضار، الذي لا علاقة له بالحب، ولا برقصة أبناء الحي، ولا بجميلة الحي، وربما لا علاقة له بالفيلم أصلاً، لتمر سيارة العصابة وتقلب طاولة خضاره رأسا على عقب، فحظك في الحب لا يعدو عن كونه حظ بائع الخضار في الفيلم الهندي، وللأمانة ذلك المشهد هو المشهد الواقعي الوحيد.

ولأنك إنسان كامل التناقض، ستنسى أن لا حظ لك في الحب وستنطلق، وستعاني مرات كثيرة ربما، لكنك لن تتوب، ستنكوي مرات كثيرة بنار الحب، لكنك لن تتوب، سَتَذْبُل وتكره اليوم الذي وُلِدَ فيه الحب، لكنك لن تتوب، ستظن أن كل ما قيل هاهنا لا ينطبق عليك، ولن تتوب، ستتزوجها ويمر على زواجكم سنوات فتسألها: أتتذكرين يوم طلبتك للزواج؟ فترد: نعم، وقد أُلْجِمَ لساني يومها ساعة من شدة الدهشة والإعجاب، حينها يمر سهمٌ خاطفٌ بداخلك يقول: لقد كانت أجمل ساعة في حياتي.

تحميل المزيد