موسى.. المهر الغالي والفتح العظيم

لقد كان موسى هارباً مظلوماً فرزقه الله ببيت صالح وزوجة تقية، فرزق منها أهلاً وعائلة سار بها إلى مصر موطنه؛ لتبدأ رسالته وفتحه، فكل مظلوم سيرجع، وكل مطارد سيفتح الله عليه، فلا تفقدوا الأمل وحدثوا أوطانكم كل ليلة، حدثوا مفاتيح أبواب المنازل، حدثوا مدارسكم ومساجدكم، حدثوا شوارع نشأتم فيها، حدثوا أيام الصبا أننا عائدون، بعون الله، فاتحين حتماً لا محالة، كما عاد موسى، وسننتصر كما انتصر، بعون الله.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/17 الساعة 05:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/17 الساعة 05:55 بتوقيت غرينتش

قصة سيدنا موسى من أجمل قصص القرآن وأكثرها ذكراً بين آياته، فيها من المعاني الكثير، كل معنى يؤلف فيه الكتب.

لقد كان النبي القوي العفيف الشريف، الواعي لما ألقي عليه من رسالة، فاعترف بنقطة ضعفه، وطلب فيها العون دون مكابرة، أو خجل "وأخي هارون هو أفصح منّي لساناً".

موسى -عليه السلام- الذي يقف للظالم بالقوة، يدافع عن المظلوم بيديه، موسى الذي حاجّ فرعون ملك مصر بثبات من الله.

فرّ من مصر بعد أن علم أنهم يجهزون له ويعدّون، فرّ هارباً حيث ورد ماء مدين؛ ليجد امرأتين تذودان في موطن الرجال.

لقد سقى لهما بقوة ورجولة دون حديث جانبي مسترسل سوى أن يتبين سبب وقفتهما، فنسي تعبه عندما علم خروجهما للبئر لكبر سن الأب، الذي لم يقوَ بعد على هذا العمل الشاق.

رفع غطاء البئر وسقى لهما، ثم تولى إلى شجرة مستريحاً مناجياً ربه "فقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير".

كان هارباً من مصر كحال الكثيرين قديماً وحديثاً، لا يجد المأوى ولا يعرف المصير، يحمد الله على نعمه، نعمة الصحة والقوة، نعمة العفة والرجولة، فقد غار عليهما وتحرك دون الواقفين الذين ألهتهم سقاياتهم وخمرت كل المعاني عنهم إلا حب الدنيا.

ذهبتا للأب الكبير وسمع مقالهما فأرسل إحداهما تمشي على استحياء تدعوه ليجازيه، فيمشي أمامها لما رأى من أمر الرياح، ورغم أن موسى قص قصته بصدق، وقال إنه قتل أحد جنود فرعون الظالم، فإن الشيخ أمّنه وصدّقه، وقال له: "لا تخف نجوت من القوم الظالمين"، ما هذا اليقين الذي يتحدث به الشيخ في جملة خبرية واضحة "لا تخف"؟ ما هي إلا ثقة في أنّ الله لا يخذل عباده المدافعين عن الحق، المطاردين المظلومين، لا يخذلهم في دنياهم ولا أخراهم، يبقون وتبقى أفكارهم وذكراهم.

لقد رأت قوته وقوة نفسيته وطهارتها فقد رفع غطاء البئر وحده دون الرجال، ورأت أمانته عندما سار أمامها ليحفظ بصره ويحفظ استحياءها، فذاك من سيرعى المال ويرعى الشرف.

لا تصدر هذه اللمسات إلا من ذوي الأصل والكرم، أصحاب النفوس الهادئة والقلوب النقية والعائلات التقية، فهي نتيجة حتمية، فلم يطلب الشيخ من موسى ليتزوج ابنته إلا مهراً يقدر عليه موسى المظلوم، مطمئناً إياه بأني لن أشق عليك وستجدني صالحاً ووضعت (س) المستقبل؛ لأن صلاح القلب والنفس يظهر مع الأيام، فسترى يا موسى الصلاح بنفسك.

ووافق على هذا المهر الغالي، لا ليجد المأوى والمأمن فقط، لكنه قد وجد الحياء المختلط بالرجولة وتحمل المسؤولية، وجد حكمة الرجل وصلاحه وحسن تربيته بناته، لقد كانت زوجة نبي الله موسى تسقي غنم أبيها وتقوم بعمل الرجال بقوة وعفة وحياء، وما يريد الرجل سوى قوة وحياء، مسؤولية وعفة.

زنوا الرجال وأصلحوا نفوسكم وبيوتكم يأتيكم الصالحون، ابحثوا في مكنونات الضمائر وخبايا النفوس التي تُحيل الحياة إلى جنة أو غيرها، لن تأمن عوائلكم بمال أو جاه فقط دونما ضمير وخلق، دونما قوة وعفة.

قوة في الحق، وقوة في الساعد، عفة في البصر وفي اللسان وفي القلب ملك الجوارح.

ابحثوا عن بنات الصالحين فهن امتداد لآبائهن، ابحثوا عن الحياء والتحمل.

لقد كان موسى هارباً مظلوماً فرزقه الله ببيت صالح وزوجة تقية، فرزق منها أهلاً وعائلة سار بها إلى مصر موطنه؛ لتبدأ رسالته وفتحه، فكل مظلوم سيرجع، وكل مطارد سيفتح الله عليه، فلا تفقدوا الأمل وحدثوا أوطانكم كل ليلة، حدثوا مفاتيح أبواب المنازل، حدثوا مدارسكم ومساجدكم، حدثوا شوارع نشأتم فيها، حدثوا أيام الصبا أننا عائدون، بعون الله، فاتحين حتماً لا محالة، كما عاد موسى، وسننتصر كما انتصر، بعون الله.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد