يقول سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، في جواهر التفسير أنوار من بيان التنزيل:
"قد كان نزول القرآن الكريم في ثلاث وعشرين سنة، ثلاث عشرة منها بمكة، وعشر بالمدينة، وكان يواجه في نزوله ظروفاً مختلفة ويعالج مشكلات متنوعة ويقاوم تحديات متجددة، وتأتي فيه ألوان من القضايا، ففيه الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والوعظ والتذكير، والقصص والأمثال، وخبر الماضي والحاضر والمستقبل، ومع ذلك فإن بعضه يشد بعضاً، لا تجد فيه ما يدل على التناقض، أو يشير إلى الاختلاف، ولو كان كلام بشر لتعذر أن يصل إلى هذا الحد من الائتلاف والترابط، إذ ليس من المعقول ألا يُسجل على كلام إنسان في ظرف عقدين من السنين شيء من التناقض والاختلاف، لا سيما وهو يواجه أحوالاً متباينة، ويتعرض لردود مختلفة، ويتحدث عن موضوعات متعددة، وتستطيع في الجلسة الواحدة أن تجد في كلام الإنسان كثيراً من الاختلاف والتناقض، وتجد النبغاء الماهرين يؤلفون كتاباً في موضوع بعينه، سواء أكان دينياً أم فلسفياً أم علمياً أم أدبياً، فإذا أخذت تقلب صفحاته وجدت فيه كثيراً من الاختلاف، بل كل كاتب أو مؤلف كلما أعاد النظر فيما كتب أو ألف وجد كثيراً من النقائض التي تستدعي الإصلاح، بينما الكتاب العزيز لا يعثر أحد من المبصرين المنصفين بين سوره وآياته على ما يمكن أن يعد اختلافاً أو تناقضاً والله -سبحانه- يثير انتباهنا".
نعم، إنني صريح ومباشر في كلامي، كما كان نص كتاب الله تعالى صريحاً ومباشراً، قيل في متون الفقه:
والاجتهاد في محل النص ** كتارك العين لأجل القصِّ
فلا أعني هنا غير خطورة هجران تلاوة القرآن الكريم، فهو سبب خطير وداء مبير يؤدي لخروج المسلم من هدي ربه إلى جهالته وتيهه وضياعه وتلفه في معارك الدنيا، وشر النفس واختطاف الشياطين، والأشواق لنيل الأرزاق.
فأول الأسباب إذاً هو إهمال كتاب الله -عز وجل- وهو الذي سمّاه رب العالمين "الهِجران"، فلعمرك، كيف لعاقل أن يمشي دون ضياء والظلام دامس والحفر كاثرة؟
أم كيف يحيد عن كلام طبيبه وواقيه من شر أمراضه وأعراضه؟
هذا هو المنطق الصحيح، والقول الصريح، وما دونه فتأويل جريح طريح.
وهو يشمل هجران:
1 – التلاوة. 2 – والتدبر. 3 – والعمل، وهذا يشمل كل ما يدعو لتركه وعدم الأخذ به، والاعتماد عليه، والشوق له.
يقول سماحة الشيخ الخليلي:
"وإن من أخطر المعاصي على الناس، وأعمّها ضرراً وأشدّها بلاء، هجران الأمة لكتاب ربها، الذي ينير لها البصائر، ويوضح لها المسالك، ويقف بها على أسباب الخير، ويبين لها أسباب الشر.
فإن هذا الإعراض عنه واستبدال تعاليم الطاغوت بتعاليمه، وأحكامه بأحكامه، هو أقطع المدى لأوصال الأمة، وأخطر الأسباب المؤدية بها إلى المهانة والذلة.
وهذا الذي وقع فيه المسلمون عندما هجروا القرآن، وصدقت عليهم شكوى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام:
"يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً"، فما أحراهم بالخسران إلا إذا ارعووا عن غيهم، وثابوا إلى رشدهم، وأنابوا إلى ربهم، وحطموا أغلال الجاهلية وقيودها، فصاروا بدينهم أحراراً أعزة، أسأل الله أن يكون ذلك قريباً".
قال أحدهم قديماً:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ** فأول ما يجني عليه اجتهاده
فما بالك والعون موعود وموجود وسُطّر في سورة القمر في "أربعة" مواضع كالورود:
"ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" (القمر:17).
فما أيسر الوصال مع القرآن بتلاوة جزء واحد يومياً مع مجاهدة فهمه ومعرفة معانيه، وترديد آياته في اليوم والليلة، والنطق به، والاحتكام إليه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.