تطبيق الشريعة الإسلامية في القرن الـ21

الشريعة الإسلامية هي مجموعة القواعد والأحكام التي تنظم شؤون الناس في حياتهم الدينية والدنيوية، وتشمل المعاملات والعبادات ونظم الحياة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/14 الساعة 03:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/14 الساعة 03:04 بتوقيت غرينتش

أول ما يتبادر لذهن القارئ الكريم صورتان رئيسيتان حول تطبيق الشريعة الإسلامية:
– الأولى: صورة تطبيق الحدود في الإسلام: كحد الردة والسرقة والحرابة.
– الثانية: صورة أناس غلاظ شداد ملحفين بالسواد يحضرون الناس ويطبقون عليهم الحدود دون محاكمة.

ولعل هاتين الصورتين لم تأتيا من فراغ، بل نتيجة الضخ الإعلامي العالمي، ولا أستثني العربي منه بالطبع، فقد دأب الإعلام العالمي على ربط الشريعة الإسلامية فقط بتطبيق الحدود، وزاد الطين بلة خروج جماعات متطرفة تغلو بالدين وتطبقه حسب فهمها الضيق جداً للشريعة، فاكتمل المشهد بين الإعلام وهذه الجماعات بتشويه الشريعة والهدف من تطبيقها، وسبب كل هذا باعتقادي الجهل بماهية الشريعة الإسلامية.

وسأتحدث في هذا المقال عن جانب أحكام العقوبات فقط في الشريعة، ونبذة مختصرة عنها، دون التطرق لأمور أهل الأديان الأخرى ضمن الدولة الإسلامية، فهذا موضوع آخر.
ما هي الشريعة الإسلامية أولاً؟
هل هي فقط تطبيق للحدود وعند ذلك يكون اكتمل تطبيق الشريعة في المجتمع؟

الشريعة الإسلامية ماهيتها ومصادرها ومقاصدها

الشريعة الإسلامية هي مجموعة القواعد والأحكام التي تنظم شؤون الناس في حياتهم الدينية والدنيوية، وتشمل المعاملات والعبادات ونظم الحياة.

نستنتج من التعريف مباشرة أن الشريعة الإسلامية ليست فقط العقوبات كما يتصور البعض، وليست فقط تطبيق بعض الحدود، إن الشريعة تشمل جميع جوانب الحياة البشرية فهي تبدأ من العلاقات الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية.

فالمسلم الملتزم بشريعته يطبقها في عباداته اليومية كالصلاة والصيام والزكاة وغيرها، ويطبقها في معاملاته اليومية مع الناس، كالصدق والإخلاص والابتعاد عن الغش والخيانة والخداع، وهذا على المستوى الفردي، أما تطبيق الشريعة ككل على المجتمع، فهذه مسؤولية الدولة والحاكم المسلم، فتنفيذ العقوبات على سبيل المثال منوطٌ بالحاكم المسلم الشرعي الذي يتقدم للحكم عن طريق الشورى واختيار الشعب له.

أما مصادر الشريعة فهي بالترتيب:
1 – القرآن الكريم، وهو كلام الله تعالى.
2 – ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من سنته.

ثم يستنبط من المصدرين السابقين مصدران آخران هما:
3 – الإجماع: وهو إجماع العلماء والمجتهدين في هذه الأمة على أمر ديني، ومن أمثلته إجماع علماء الأمة على عدم تمثيل الأنبياء في المسلسلات والأفلام.
4 – القياس: وهو قياس فرع على أصل موجود في الكتاب والسنة، ومن أمثلته: أن الخمر محرم في الإسلام، فيقاس على هذا الأمر تحريم النبيذ وبقية الأنواع الأخرى من الخمر، وإن اختلفت مسمياتها؛ لأنها تحتوي على المسكرات، وإن كانت حتى بنسب قليلة.

أما المقاصد الرئيسية من الشريعة الإسلامية فهي أن يتعرف الناس على طريقة عبادة الله -سبحانه وتعالى- وإنشاء مجتمع مسلم يتم فيه حفظ النفس والمال والعرض، وتنتشر فيه العدالة والمساواة وتطبيق الأحكام على الجميع دون تمييز للون أو الجنس أو النسب أو المكانة الاقتصادية أو الاجتماعية.

هل توجد دولة تطبق الشريعة الإسلامية الآن؟

بعد التعرف على هذه الأمور نستنتج عدم وجود أي دولة الآن تطبق الشريعة الإسلامية بطريقة كلية، وإنما يوجد بعض الدول التي تطبق بعض الأحكام فقط، وقد يضرب المثل ببعض الدول أنها تطبق الشريعة، ولكن لننظر إلى حالها: يضرب المثال بإيران، وللتوضيح أنا أتكلم فقط عن تطبيق الشريعة من وجهة نظر أهل السنة والجماعة، فإيران تتبع للمذهب الشيعي الاثني عشري، وهذا مبحث آخر.

أما بعض الدول السنية كالسودان ونيجيريا وغيرهما ممن يضرب المثال بها في تطبيق الشريعة، فهي تطبق بعض الأحكام فقط، وينتفي وجود الحاكم الشرعي فيها؛ لعدم وصوله بطريقة الشورى واختيار الشعب له.

أما أن تدعي جماعة مثل تنظيم الدولة (داعش) تطبيق الشريعة، فهذا أمر مثير للضحك، فمثل هذه الجماعات مغالية في الدين وضيقة الأفق وتطبق الدين حسب فهمها الخاطئ والجاهل لأحكام الشريعة ومقاصدها، ومثل هذه الجماعات كما أسلفت ساهمت في تنفير الناس من الشريعة، بل ومن الدين الإسلامي أيضاً، وشوهت صورة الشريعة الحقيقة أمام الناس، فلا يصح بأي حال من الأحوال أن يقال هذه هي الشريعة التي تريدونا تطبيقها فمثل هذه الجماعة لا تمثل إلا نفسها كعصابة دموية تتخذ من الدين الإسلامي ستاراً لأعمالها الإجرامية، ولا يصح أن نقول إن هذه الجماعة أو غيرها تمثل الإسلام والمسلمين.

هل يمكن تطبيق الشريعة في وقتنا الحالي؟
قد يتفق الكثير من الناس مع أحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات، ولكن الاختلاف الكبير يحدث في العقوبات، فالكثير من الناس يحتج بأن تطبيق الحدود الإسلامية لم يعد ممكنا الآن، وقد يقال إن هذه الحدود كقطع اليد والجلد أمور جائرة وصعبة على النفوس، وسأرد على هذا الأمر من مثال تطبيق حد السرقة بقطع اليد، وللأمر ستة جوانب:

1 – هذا الرد فقط للمسلم تحديداً الذي يجد هذا الأمر صعباً على نفسه: بأنه لا يوجد شخص على وجه الأرض هو أرحم بالناس من الله فهو خالقهم، ويعرف طبيعتهم.

2 – هل قطع يد السارق صعب على النفس أم الأصعب عليها ما يفعله السارق من ترويع بيوت الآمنين وسرقة أموالهم التي حصلوا عليها من كدهم وتعبهم؟

3 – إلى حد قريب في الدول الأوروبية طبقت عقوبات كالتربيع والمقصلة في بريطانيا وفرنسا، ولم يقل أحد حينها إنها صعبة على النفوس، بل كان الناس يتقاطرون لمشاهدة هذه العقوبات أثناء تنفيذها.

4 – عندما تقطع يد السارق، فالهدف الرئيسي هو الردع وحماية المجتمع بأسره وحفظ أمان الناس وأموالهم، وليس الهدف إنزال أكبر قدر من العذاب بالسارق.

5 – قد يحتج البعض بأن عقوبة السجن كافية، ولكن هذه العقوبة قد تزيد الأمر سوءاً؛ لأن السجين يدخل ثم يخرج من السجن ويعود إلى نفس الحال، إن لم يكن أسوأ، وهذا لأن السجن مرتع للمجرمين وتجار المخدرات واللصوص، فكيف سينصلح حال السجين في هذه البيئة السيئة بالأصل، ونحن نرى السجون الأميركية كمثال، فالشخص يدخل لصاً سارقاً، ويخرج من السجن وقد أدمن المخدرات وتعرف على عصابات أخرى، فالسجن ليس حلاً في النهاية، هذا إن لم يكن مشكلة في الأصل.

6 – تطبيق حد السرقة لا يقوم به أي شخص، بل هو موكل للحاكم المسلم الشرعي وللقضاء، وكما بينت هذا الحاكم يجب أن يكون مختاراً بالشورى وباتفاق الشعب، ويحتاج تطبيق الحد أيضاً إلى شهود وأدلة وإثباتات حقيقية.

وعلى مثل هذه الجوانب الستة يمكن القياس في باقي أحكام العقوبات في الإسلام، وكما بينت، فالشريعة ليست أحكام عقوبات فقط، فليس الهدف من تطبيقها تعذيب الناس، وإنما هي حماية لهم وصون لأنفسهم ولأعراضهم وأموالهم، وبناء لمجتمعٍ تنتشر فيه العدالة والمساواة بأبهى صورها، ويعم فيه الأمن والأمان.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد