أزاح اليوان الصيني والريال السعودي الدولار الأميركي جانباً في تسوية العلاقات التجارية بين الرياض وبكين، اعتباراً من الأسبوع الماضي، فيما وجد مراقبون في الاتفاق تمهيداً لعلاقات ثنائية مزدهرة.
وقال مراقبون وخبراء اقتصاديون سعوديون إن تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشرة بين عملتي اليوان الصيني والريال السعودي مؤشر لشراء الصين النفط السعودي بعملتها مستقبلاً، فيما سيكون الدولار الأميركي المتضرر من هذا التأسيس.
الدولار خارج المعاملات
ويسمح التأسيس الجديد للمملكة بشراء وارداتها من السلع والخدمات بالريال السعودي من الصين، ما يمهّد لتعزيز العلاقة التجارية بين البلدين مستقبلاً، على أن يكون الدولار خارجاً تماماً من هذه التعاملات، وإلغاء تداوله في علاقات البلدين.
واتفقت بكين مؤخراً مع الرياض على تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشرة بين عملتيهما، ودخل حيز التنفيذ في 26 من سبتمبر/أيلول الماضي.
ويعني الاتفاق تسوية المعاملات التجارية بينهما، وذلك من خلال استخدام ترتيبات خاصة تسمح للطرفين باستخدام عملة كل دولة في تسوية المعاملات التجارية، في إطار نظام لمعدلات صرف بين العملتين يتم تحديده بصورة مباشرة دون استخدام عملة دولية وسيطة كالدولار الأميركي.
ويرتبط الريال السعودي بالدولار الأميركي منذ أكثر من 30 عاماً، ويبلغ سعر صرفه 3.75 ريال/دولار واحد، بحسب مؤسسة النقد العربية السعودية.
وتعد الصين أكبر مستورد للنفط السعودي في العالم، بما يتجاوز 1.1 مليون برميل يومياً، بنسبة تقترب من 15% من صادرات النفط السعودية للعالم إجمالاً.
وقال الكاتب الاقتصادي السعودي فضل البوعينين إن تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشرة بين عملتي اليوان والريال مؤشر لشراء الصين للنفط السعودي باليوان مستقبلاً بدلاً من وجود عملة الدولار الأميركي وسيطاً في المعاملات بينهما.
وأضاف البوعينين في اتصال هاتفي مع "الأناضول": "الخطوة أمر لافت للغاية، وتعني غياب الدولار كوسيط، وخطوة ضمن خطوات الصين لتدويل عملتها التي مازالت في بداياتها.. التنفيذ سيعزز التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين البلدين".
الصين أكبر شريك تجاري للمملكة
وبحسب مسح "الأناضول" وبيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، تعد الصين أكبر شريك تجاري للسعودية العام الماضي، بحجم تبادل تجاري 49.2 مليار دولار، تشكل 13% من العلاقات التجارية بين السعودية ودول العالم في نفس الفترة.
وبلغت صادرات السعودية للصين 24.55 مليار دولار في 2015، مقابل واردات للرياض من بكين بـ24.64 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية سعودية.
وكان ولي ولي العهد السعودي قد زار الصين نهاية أغسطس/آب الماضي، ووقع والوفد المرافق له العديد من الاتفاقيات في مجال التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت محمد السقا إن من أهم مزايا التأسيس الجديد أنه سيخفف من استخدام العملات الأجنبية (الدولار) في تسوية المعاملات التجارية بين البلدين.
وأضاف في مقال له بصحيفة "الاقتصادية" السعودية أن "الاتفاق الصيني – السعودي ليس أمراً جديداً بالنسبة للصين، فمنذ فترة والصين تحاول التخلص من هيمنة الدولار الأميركي على المعاملات التجارية الدولية".
وأضاف: "وفي إطار اتحاد البريكس الذي يضم دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، قررت هذه الدول أن تدعم مستويات التجارة الدولية فيما بينها، وذلك من خلال استخدام عملاتها الوطنية في تسوية المعاملات التجارية فيما بينها".
وأعلن صندوق النقد الدولي، مطلع الشهر الجاري، عن انضمام اليوان إلى الدولار الأميركي واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني في سلة عملات حقوق السحب الخاصة (SDR).
وحق السحب الخاص هو أصل احتياطي دولي استحدثه الصندوق في 1969، ليصبح مكملاً للاحتياطيات الرسمية الخاصة بالبلدان الأعضاء.
ويرى السقا أن القرار الصيني السعودي سيجنب الأخيرة آثار التغيرات العنيفة التي تحدث للدولار من وقت لآخر على أسعار وارداتها من الخارج، فعندما يرتفع الدولار الأميركي ترتفع تكلفة السلع التي تستوردها المملكة.
وزاد: "بالطبع الخاسر الوحيد في هذا الاتفاق هو الدولار الأميركي.. ستنهي الدولتان استخدام الدولار كعملة وسيطة بين كل من الريال واليوان، وبالتالي سيتم تحديد معدل الصرف بين العملتين بصورة مباشرة دون الحاجة إلى عملة دولية وسيطة بين العملتين".
"لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيؤدي هذا الاتفاق إلى إضعاف مركز الدولار الدولي في التجارة العالمية؟"، يتساءل السقا.
وأجاب: "لن يكون هناك تأثير جوهري على مركز الدولار في المعاملات التجارية أو المالية الدولية، وذلك بالنظر إلى صغر حجم المبادلات بين الدولتين، بالنسبة لحجم المعاملات اليومية بالدولار على المستوى الدولي، التي تقترب حالياً من ستة تريليونات في اليوم الواحد".
وأعلنت وزارة الخارجية الصينية في 20 سبتمبر/أيلول 2016، عن وجود مباحثات مع مصر بشأن مبادلة العملة، تهدف لتطبيق ذات النظام القائم بين بكين والرياض، وأن تتم المعاملات التجارية بينهما بعملتي اليوان والجنيه المصري.
ورفض الكاتب الاقتصادي راشد الفوزان ربط الاتفاق السعودي الصيني بأية أهداف سياسية، "الموضوع اقتصادي بحت ولا علاقة له بأية قضايا سياسية أو ردود فعل على قرار الكونغرس الأخير فيما يتعلق بقانون جاستا".
وأضاف في اتصال مع "الأناضول": "السعودية لا تزال مرتبطة بالدولار الأميركي، وكافة تعاملاتها الخارجية باستثناء الصين حالياً، تتم بالدولار الأميركي، واحتياطيات البلاد بالدولار في أغلبها إلى جانب الذهب".