"رفيقتي ماتت وأخرى قُصف بيتها وثالثة أبوها وأخوها ماتا"، بهذه الكلمات الحزينة عبرت الطفلة السورية "بِأنّا" عن حال عشرات الآلاف من الأطفال السوريين الذين نجوا هم وأهاليهم من الموت ولكنهم خسروا أصدقاءهم أو مقربين منهم.
"بِأنّا" التي تعيش مع أسرتها في مدينة حلب تحت القصف، لفتت انتباه العالم عبر حسابها على "تويتر" @alabedbana الذي يتابعه أكثر من 4 آلاف شخص منذ بدأت بالتغريد في 24 سبتمبر/أيلول 2016 برسالة واحدة، وهي "أريد السلام"، حسب تقرير للغارديان البريطانية.
الطفلة التي تبلغ من العمر سبعة أعوام قالت لـ"عربي بوست" بلهجتها الحلبية "سوينا حساب تويتر أحسن من فيسبوك لكي نوصل صوتنا للعالم".
وعندما سألناها ماذا تعني الحرب بالنسبة لها؟.. أجابت "الحرب سيئة لأنها تقتلنا وتموتنا وأخي الصغير يخاف منها، لا أعرف النوم ليلاً ومدرستي قصفت لم أعد أستطيع الذهاب لها لكي أتعلم.
أما عن أحلامها فتقول "أمنيتي أن يُفَك الحصار عنا ويقف القصف ونظل نعيش بسلام.
بِأنّا التي توقفت عن الذهاب للمدرسة بعد تعرضها للقصف، تقول "ماما تدرس لي صباحاً وقبل النُّوم، وهي تتمنى أن تصبح مدرسة لغة إنجليزية مثل أمها".
وعندما سئلت هل تريد الخروج من حلب؟ كانت الإجابة مفاجئة، إذ قالت "أنا أحب حلب كثيراً ولا أريد أن أخرج منها".
الطفلة التي كانت تدرس في الصف الثاني الابتدائي تعرف الفرق بين الطائرة والصاروخ، بل المفاجأة أنها تعرف القنابل الارتجاجية التي باتت روسيا تستخدمها مؤخراً في قصف حلب.
إذ تقول "أشعر أن الطائرات سوف تقتلنا فهي تلقي قذائف وارتجاجيات (قنابل ارتجاجية) وصواريخ، الطائرة مثل الوحش"، ثم حاولت محاكاة صوتها قائلة "ووااا".
وتضيف قائلة "الارتجاجية تخوف كثيراً، فهي ترج كل شيء"، ثم تردف "بشار الأسد إنسان ما يحب الأطفال فهو يقصفهم".
كيف تلعب؟
ورغم كل هذه المعاناة فإنها تسرق من القصف الروسي السوري لحظات قليلة تلعب فيها قائلة "أحياناً أنزل الشارع مع والدي إذا لم يكن هناك ضرب لألعب مع رفيقاتي وألعب بالبيت مع إخوتي ومع ابنة عمي ورفيقات عندما يأتون إلينا".
قصة بِأنّا لفتت الانتباه في الغرب، خاصة أن أسرتها حرصت على بث رسائلها باللغة الإنجليزية اللغة الرئيسة بالغرب، وذلك بفضل والدتها، كما قال والدها غسان المحامي والناشط حقوقي لـ"عربي بوست".
صحيفة الغارديان البريطانية وصفت المشاعر التي تنتابها عند القصف قائلة "استيقظت "بِأنّا العبد" ابنة السبع سنوات من نومها خلال المساء، سألت والدتها هل طلع الصبح حقاً، إذ كان الضوء يتدفق من نافذتها، إلا أنه لم يكن ضوء السماء، بل كان ضوء احتراق منطقتهم بنيران القنابل الفسفورية".
ونقلت الصحيفة عن فاطمة والدة بِأنّا قولها إنه "عندما تلقى عليهم تلك القنابل ترتجف قلوبهم قبل ارتجاف المباني"، وقد بثت فاطمة ذلك الحديث وبجوارها ابنتها الجالسين في غرفة صغيرة عبر "Skype"، وأثناء حديثها كانت تُسمع أصوات الأسلحة الآلية.
مائة طفل قتيل
وأشارت الغارديان إلى المقاتلات الروسية والسورية ارتكبت معاً مذبحة بشعة بالمدينة، خلفت مئات القتلى وما يزيد عن 1000 مصاب، وقد امتلأت المستشفيات القليلة التي لا تزال تقدم الخدمة الطبية، والتي قصفت من قبل مرات عديدة.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة التابعة للأمم المتحدة "اليونيسيف" يوم الأربعاء 29 سبتمبر/أيلول 2016، أن ما يقرب من 100 طفل قتلوا جراء أعمال العنف، وهو الرقم الذي ازداد منذ ذلك الوقت، وفقاً للغارديان.
تقول الصحيفة البريطانية "لقد نجت بِأنّا ووالتها من الموت حتى الآن، واستطاعتا تدوين وقائع حياتهن اليومية تحت الحصار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وروت بِأنّا وفاطمة مقتطفات من الحياة تحت القصف، بالإضافة لبعض صور المذبحة التي حدثت في مدينتهم، تخلل ذلك بعض مقاطع الفيديو لـ بِأنّا وصديقتها وهما يرسمان أو يدرسان اللغة الإنجليزية.
غالباً ما تكتب تلك التغريدات بأساسيات اللغة الإنجليزية، كمحاولة من تلك الطفلة للتعبير عما يجول بخاطرها، أما تلك التغريدات الأفصح لغوياً فتكتبها أمها، فقد أشارت في إحدى تلك التغريدات الحية إلى تدمير أحد المباني القريبة منهم، وإلى الجهود المبذولة لإنقاذ المدنيين المحتجزين تحت الأنقاض، وقد فضلت صحيفة الغارديان عدم الإفصاح عن ذلك الحي الذي تعيش فيه بِأنّا.
عندما سُئلت فاطمة عن سبب اختيار "تويتر" لتوثيق الدمار الواقع حولهم، أجابت قائلةً إن "لقد سألتني بِأنّا لماذا لا يسمع العالم لنا؟ ولماذا لا يساعدنا أحد؟".
لم يعد بوسع بِأنّا وأخيها الصغير ذي الخمسة أعوام أن يذهبا إلى المدرسة، فقد عبرت والدتهما ذات مرة الخطوط الأمامية للقتال أثناء ذهابها للجامعة، إلا أن مع ازدياد وتيرة العنف، فضلت البقاء في المنزل والمساعدة في التعليم، كما أنها اصطحبت بِأنّا معها إلى إحدى المدارس المحلية، ولكنها قصفت العام الماضي، أما تلك المدرسة المتبقية فكانت بعيدة جداً، ولذا تعد مخاطرة كبيرة أن ترسل إليها في ظل التفجيرات المستمرة.
وأشارت الغارديان إلى أن فاطمة كانت قد قررت البقاء في حلب بسبب اعتقادها أن الحرب ستستمر لعام أو اثنين على أقصى تقدير، بالإضافة إلى أن حلب تمثل لها كل شيء، وأضافت قائلة إنه "لا يمكن أن تتخلى عن جلدك، فقد عاش هنا آباؤنا، وهذه بلدنا ووطننا وأنفاسنا".
تواجه بِأنّا وفاطمة مصاعب حياتية صعبة، فقد نفذت الخضراوات والفاكهة من الأسواق جراء الحصار الذي استمر لثلاثة أشهر، والذي استطاع المقاومون كسره لفترة وجيزة بالكاد استطاعوا خلالها تمرير بعض الإمدادات.
ثمة نقص حاد في وقود الديزل المستخدم في المولدات الكهربائية لاستمرار الإضاءة، لذلك اضطررنا لتثبيت الألواح الشمسية لتوليد الطاقة في المنزل، حسب والدة بِأنّا.
قالت فاطمة إن بِأنّا قد تغيرت كثيراً، فكل ما عرفته في معظم فترات حياتها هو القتال والحرب، فقد نمت منعزلة وشاردة الذهن، فنومها لأربع ساعات متواصلة في ظل القصف هو أقصى ما يمكن أن تحصل عليه، وهي ترغب في الخروج والذهاب إلى المدرسة، ولكن لا يمكنها سوى البقاء في المنزل وممارسة الرسم واللعب مع أطفال الجيران فقط.
يوميات بِأنّا
غسان العبد -والد بِأنّا- محام وناشط حقوقي، أب لثلاثة أطفال هم "بِأنّا والليث محمد ونور الدين، يقول إن ابنته ذات السبع سنوات انقطعت عن الدراسة في الصف الثاني؛ نتيجة قصف مدرستها مرتين وهي حالياً تدرس في المنزل بمساعدة والدها وإحدى المعلمات عن طريق مواد تفاعلية ومجموعة من القصص.
ويضيف لـ"عربي بوست" هوايات بِأنّا قراءة القصص والرسم وهي تحلم أن تكون مدرسة والأغلب معلمة لغة إنجليزية".
"بِأنّا تُمارس نشاطاتها اليومية مثل كل الأطفال تستيقظ كل يوم الساعة الثامنة صباحا معي ولديها بعد الفطور مراجعة للغة العربية وللرياضيات ثم تلعب مع إخوتها ومع أبناء الجيران في المنطقة إذا لم يكن هناك قصف"، هكذا يقول والدها.
ويستدرك قائلاً "أما إذا كان هناك قصف فهم محرومون من الخروج نهائياً أو يضطروا ينزلوا إلى القبو أو الطابق السفلي، فلعبهم بالحارة محدود جداً" .
أما مساء فيكون لدى بِأنّا درس باللغة الإنجليزية من خلال دراسة الأحرف والأرقام، وفقاً للأب.
ويضيف "نعاني نقصاً في الطعام خاصة الفواكه، والأطفال دائماً يطلبون بعض الأشياء ولكن نحن في حصار ونحزن أننا لا نستطيع توفير أي شيء مما يطلبونه".
الأطفال الخدج
ويؤكد غسان العبد أن بِأنّا تشارك أطفال حلب همومهم ومعاناتهم، فالأطفال محرومون من التعليم ومن أدنى مقومات الحياة ومن التنزه ومن الدعم النفسي نهائياً، وواقعون تحت طائلة حرب جائرة".
ويضيف قائلاً "وضع الأطفال في حلب صعب جداً، فالرضع لا يتوفر لهم الحليب نهائياً، والمشافي غير مهيأة لاستقبال الأطفال الخدج (المولودين مبكراً)، كما تعرضت المشافي والمدارس تعرضت للقصف مرات عدة.
ويختتم تصريحه لـ"عربي بوست" قائلاً "أردنا أن تصل رسالة جميع أطفال حلب حتى يعلم العالم ماذا يحدث، وكانت بِأنّا بالصدفة هي التي دفعتنا لذلك".