الدين لله.. والوطن للزعيم

اليوم وضع خلافاتنا مع الغير جانباً، والبحث عن مصالح تكفي أن تكون تكتيكية وليست استراتيجية بالضرورة، والأولى ترك خلافاتنا بيننا للزمن تبرد، ونكف عن جلد الذات الذي لن يزيدنا إلا خمولاً، دعونا من التنظير، انظروا للواقع قليلاً.. ما زال الدين لله كما كان، وكما يكون، أعتقد لا خلاف عليه، لكن خلافنا على الوطن لمن؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/06 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/06 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش

الحديث عن العلمانية ومحاولة تفنيد أو تأكيد بعض ما جاء فيها سيعرضك لسيل من الانتقادات إذا كنت في العالم العربي. نحن في بلاد يصر فيها الكتاب والمثقفون والمفكرون، وحتى السياسيون، على تصنيف أنفسهم وبتطرف أحياناً إلى علمانيين أو إسلاميين، وكما أن مصطلح علماني غريب علينا، فإن مصطلح إسلامي محدث لم نسمع به عند المؤرخين.

إذن لِمَ لا نخرج من قالب المصطلحات المربكة؟ دعونا نناقش الأفكار بحرية وإيجاد تعريف مقنع لكل مسمى إشكالي نسمعه في السياسة، الحكمة ضالتنا أينما وجدت.

في فرنسا، عاصمة التنوير، تتلقى المدارس الدينية (المسيحية طبعاً) دعماً حكومياً لا ترى فيه الحكومة أي تعارض مع مبادئ العلمانية، بينما لبس البوركيني يسيء إلى تلك المبادئ، حسب رأي الحكومة.

ألا يتعارض موقفهم مع مبدأ الحرية الدينية عندما نقول إن "الدين لله والوطن للجميع"؟

حسنا لنحاول البحث عن تعريف مختلف للعلمانية، يقول البعض إنها تعني حكماً ديمقراطياً، والديمقراطية هي حكم الأغلبية التي ربما ستحدد ديناً للدولة لا يمثل الأقليات، وفي هذا يختل التعريف القائل إن الدين لله، عدنا من حيث بدأنا.

عرفنا أنّ التجربة الناجحة في دولة قد تفشل في غيرها، وما يصح هنا ربما لا يصح هناك، لكل بلد خصوصية لها علاقة بالجغرافيا والتاريخ والثقافة الشعبية قبل كل شيء وانتماءات وأولويات فئات المجتمع. نبقى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تجد من يُعرّف الدولة العلمانية بأنّها عكس الإسلامية، وقلنا إن العلمانية ضد الشمولية، حيث لا نستطيع وصف نظام الحكم في كوريا الشمالية مثلاً بأنه علماني، وطبعاً هو ليس دينيّاً.

قياساً عليه لا يمكن وصف الأنظمة الشمولية في منطقتنا بأنها علمانية، فهل يمكن وصفها بالإسلامية؟! قطعاً لا. الأقوال تؤيدها أفعال، وإلا تبقى كلمات لا معنى لقولها، توصيف الأحزاب أو الدول بمصطلحات الوطنية ومسميات الديمقراطية والليبرالية التي لا تتجاوز الاستخدام الرسمي، كما كان يُطلق القذافي على ليبيا اسم الجماهيرية الليبية الديمقراطية، لا حاجة إلى أن أناقش الحالة الديمقراطية في عهد العقيد الراحل معمر القذافي.

الكلام ينطبق على الجماعات الإسلامية من دول أو أحزاب أو غيرها من التنظيمات، هل لدينا معايير لتوصيف تلك الجماعات وتقييم التزامها بمبادئ الإسلام؟ ثمّ هل نمتلك قواعد وأفكاراً متفقاً عليها لما يسمى اليوم "الإسلام السياسي"، معايير مرنة تتغير بتغير الظروف وهذا ما يطلق عليه فقه الأولويات أو الموازنات.

نحن بحاجة اليوم إلى ترتيب أولوياتنا كدول وجماعات في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر علينا، وموازنة قرارتنا بما تقتضيه مصالح الأمة، بعيداً عن الصدامات وخلق العداوات "الذي نبرع فيه وأقولها آسفاً".

اليوم وضع خلافاتنا مع الغير جانباً، والبحث عن مصالح تكفي أن تكون تكتيكية وليست استراتيجية بالضرورة، والأولى ترك خلافاتنا بيننا للزمن تبرد، ونكف عن جلد الذات الذي لن يزيدنا إلا خمولاً، دعونا من التنظير، انظروا للواقع قليلاً.. ما زال الدين لله كما كان، وكما يكون، أعتقد لا خلاف عليه، لكن خلافنا على الوطن لمن؟

هل الوطن للأغلبية والأغلبية دينية أو عرقية أم أغلبية حزبية؟ لا تقولوا لي: الوطن للجميع في العالم العربي، الوطن صغير، نعم صغير، ليس مساحة ولا ثروة، إنما صغير في وعينا حين نتحدث عن وطنية لا نملكها، ولأن الوطن صغير لا بد من وصاية عليه بمن عليه، والوصاية إن لم تكن من المحتل تكون من الملك أو الرئيس وعوائلهم وخاصتهم ربما أو الحزب الأوحد وقادته.

أرجع للتعريف الأول مع تعديل كلمة واحدة تعني الكثير، نعم الدين لله لكن الوطن.. للزعيم.
(يتبع)

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد