رياض الأطفال هدية من ألمانيا إلى أمهات العالم!

مع مرور الوقت أصبحت أكثر اقتناعاً من خلال تجربتي بتربية أطفالي أن مبادئ فروبل أكثر منطقية وفاعلية من مبادئ خبراء التربية الذين جاءوا فيما بعد يدعون إلى تطبيق المبادئ العلمية التعليمية إلى جانب اهتمامات طفل الثلاث سنوات. وأثبت هذا التحول في أصل الفكرة إلى زيادة العبء على كل من البستاني والنبتة، حيث افتقد معلمو رياض الأطفال اهتمامهم بالتنشئة والتنمية الاجتماعية للطفل والتواصل مع الأهالي كما كان الأمر في السابق.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/05 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/05 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش

نظرت المشرفة في إحدى رياض الأطفال النموذجية إلى ابني الصغير ذي الثلاث سنوات متفحصةً عمره البيولوجي، ناولتهُ قطعة سكّر، ثمّ قالت لي "حرام، لا تسجليه الآن في الروضة، لأنه يبدو صغيراً وما زال بحاجة للبيئة المنزلية!".

تفاجأت من رأيها الذي يتناقض مع ثيمة وفكرة إنشاء رياض الأطفال، وأوضحتُ لها أنّ لا علاقة بين حجم جسده وحجم ذكائه. قلتُ بانفعال مؤكدّة أهمية عدم التقليل من شأن الطفل وقدراته وطاقاته، إنّ "طفلي يتميز بذكاء اجتماعي، ولغوي، وبصري، وحركي وعاطفي"، وأضفتُ مشدّدة على رغبتي في التحاقه بالروضة: "طفلي أتقن سرد قصة من خياله قبل أن يتم سن الثالثة، أنا أريده أن يلعب فقط!".

عندما يتذكّر أحدنا اليوم الأول في الروضة، فإنّ أول شيء يخطر على باله فوراً، اللحظة التي أمسك فيها بطرف ثوب أمّه، يبكي ويصرخ ويريد العودة إلى المنزل، فيما يشعر البعض الآخر بالدهشة للانتقال إلى عالم جديد.

من المعروف أنّ أصل فكرة "الكيندر غارتن" أي ما معناه حرفياً "حدائق الأطفال" انبثقتْ من ألمانيا للمؤسس فردريك فروبل في عام 1838، وكان فروبل يرى أنّ الطفل كالنبات يحتاج إلى بستاني جيد أي المربي الجيد حتى ينمو الطفل بشكل صحيح، وعليه لم يكن اختيار فروبل اسم مدرسته الأولى "كيندر غارتن" عبثاً، بل جاء يؤكد أنّ الطفل مكانه الحديقة وليس مبنى المدرسة.

وبحسب رأيه، فإنّ فكرة رياض الأطفال تقوم على تحفيز الطفل للتعبير عن نفسه لتطور مراحل النمو لديه، ومن أجل تحقيق ذلك يجب الاهتمام بميوله الذاتية الطبيعية وتطويرها ويتم ذلك كله عن طريق اللعب والحركة والغناء والاستماع إلى القصص.

انتشرت مبادئ فروبل في أنحاء مختلفة من العالم، حتى لا تكاد ترى شارعاً يخلو من رياض الأطفال، وذلك لأهميتها في التنشئة الاجتماعية للطفل. وتؤكد أسس تربية الأطفال الحديثة أنّ سنوات الطفولة المبكرة من 3 إلى 6 سنوات يجب أن تقتصر على اللعب والأنشطة الحركية والبصرية التفاعلية بين الأطفال. ورغم تلك المبادئ، فإن الكثير من رياض الأطفال حالياً تخالف قوانين وزارات التربية وتفرض مناهج تعليمية وكتباً مدرسية، وقد يتمثل أحد تلك الأسباب بالضغط الذي يمارسه الأهل على إدارة رياض الأطفال، لاعتقادهم الخاطئ في أنّ تدريس الطفل بشكل مكثف في هذه السن المبكرة سينمي قدراته المعرفية ويزيد من مخزونه اللغوي والمنطقي سواء الكتابة أو القراءة أو تطوير مهاراته في حل المشكلات الحسابية.

فروبل أراد أن يحثّ الأمهات والآباء على أن يمنحوا أطفالهم الفرصة للاستمتاع بأجمل مراحل طفولتهم، من خلال تجاربهم الذاتية التي تتمثل باللعب والحركة والغناء والتعبير عن الذات والتفاعل بين أقرانهم، والتي هي أفضل الوسائل التعليمية والتربوية في هذه السن، وأكد ضرورة تنمية مواهبهم باتباع وسائل تعليمية ذاتية تفاعلية أساسها اللعب.

مع مرور الوقت أصبحت أكثر اقتناعاً من خلال تجربتي بتربية أطفالي أن مبادئ فروبل أكثر منطقية وفاعلية من مبادئ خبراء التربية الذين جاءوا فيما بعد يدعون إلى تطبيق المبادئ العلمية التعليمية إلى جانب اهتمامات طفل الثلاث سنوات. وأثبت هذا التحول في أصل الفكرة إلى زيادة العبء على كل من البستاني والنبتة، حيث افتقد معلمو رياض الأطفال اهتمامهم بالتنشئة والتنمية الاجتماعية للطفل والتواصل مع الأهالي كما كان الأمر في السابق.

والجدير بالذكر أنّ ما يتعلّمه الطفل في فترة رياض الأطفال سيعاد تكراره في الصف الأول الابتدائي، لذلك فإن هذه الفترة تعتبر بمثابة مرحلة انتقالية سلسة من بيئة المنزل إلى بيئة المدرسة، وأنّ الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة لا يحتاج إلى مبادئ علمية معقدة، بل إلى الارتواء والشعور بالشبع من مرحلة في حياته كإنسان، وخصوصاً أنّ هذه المرحلة لن تعود يوماً وستبقى في الذاكرة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد